الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    الأهلي ينتصر على الفيحاء بهدف رياض محرز    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    القبض على 4 مقيمين في جدة لترويجهم «الشبو»    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعترف أن مناهج الثقافة في جامعة "الإمام" منغلقة بسبب التزامها ... وأشتكي من الفهم السقيم لكهنوتية الإسلام ... ويرى أن الثوابت يساء التعاطي معها . عبدالرحمن الزنيدي : توحيد الفتوى نذير فتنة للمجتمعات !
نشر في الحياة يوم 18 - 03 - 2008

أكد الدكتور عبدالرحمن الزنيدي أستاذ الثقافة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن هناك اضطراب في التعامل مع المصطلحات المعاصرة في الساحة الفكرية في عالمنا العربي إسلامية وغير إسلامية.
المشكلة تتعين في كون الأمة المنبعثة نحو نهوضها الحضاري مضطرة إلى التعاطي مع الحضارة المهيمنة واستثمار منجزاتها، والمصطلحات هي بوابة هذا التعاطي، المشكلة أن المصطلح سواء نقل بلفظه الأجنبي: الديموقراطية، الليبرالية ونحوها، أو عرِّب بلفظ عربي مقابل: الثقافة، المجتمع المدني، الأصولية، المواطنة... إلخ، لا ينفك عن البعد الحضاري الخاص تماماً، فيكون في محتواه ما يصلح، للنقل من دون حرج، وما لا يصلح فهل يستخدم منظوراً إلى الجانب المقبول من محتواه، أو يرفض حذراً من تسرب ما لا يسوغ من محتواه، موضحاً أن الديموقراطية مثلاً بعضهم يقول إنها من الإسلام ناظراً إلى جانب الآليات في ممارسة الحكم، وبعضهم يراها كفراً لكونها تجعل الشعب مصدر الحاكمية التي هي في الإسلام لله من خلال شريعته في القرآن والسنة، وبعضهم سعى لصياغة المصطلح فربط فيها الديموقراطية برمز إسلامي هو الشورى فقال الشورقراطية.
وأضاف أن:"هناك سبب آخر للحساسية تجاه المصطلحات المعاصرة في الفكر الإسلامي كون عامة الناقلين الأوائل لهذه المصطلحات كانوا إما من غير المسلمين أو من أبناء المسلمين المستلبين للفكر الغربي الذي لا يرعون للدين وثوابته حقها الاعتباري في هذا المجال.
اعتقد أن الفكر الإسلامي سيتجاوز هذه الإشكالية من خلال الدخول في توصيف المضامين وربطها بالحياة الواقعية بدل اللت والعجن الفكري مع الألفاظ ودلالاتها.
أنت أستاذ في قسم الثقافة الإسلامية في جامعة الإمام. ماذا يعني تخصص الثقافة الإسلامية بصفته فناً علمياً؟
- قسم الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة، والشريعة تعني المنهج أو النظام، أي أن الشريعة الإسلامية تعني نظام الإسلام الذي يحكم حياة الإنسان المسلم في كلية الشريعة ثلاثة أقسام، قسم أصول الفقه وهو الذي يعطي منهجية دراسة النصوص الشرعية للباحث المسلم.
وقسم الفقه وهو الذي يعنى بالجانب العملي من حياة الإنسان - العبادات والمعاملات من حيث منهج تطبيقها، وقسم الثقافة يعنى بالجانب الفكري والسلوكي الحضاري العام ولهذا فإن تخصصات الثقافة الإسلامية الدقيقة في هذا القسم هي القيم، والنظم، والفكر بحيث يغطي القسمان: الفقه والثقافة حياة الإنسان الفكرية والعملية.
لماذا اخترت الثقافة الإسلامية تخصصاً للدراسة؟
- كانت القضايا الفكرية العامة تستهويني منذ ما قبل الجامعة ثم في المرحلة الجامعية، وكانت بحوثي في المرحلة الجامعية في هذا المجال الآثار الاجتماعية والنفسية للعبادة التقوى وأثرها الحضاري منهج ابن تيمية السلفي.. لهذا اتجهت إليه بعد تعييني معيداً في كلية الشريعة.
جامعة الإمام منغلقة
يرى البعض أن مناهج الثقافة الإسلامية في جامعة الإمام منغلقة وغير مواكبة للمستجدات؟
- خاصية الثقافة ? أي ثقافة - الأساسية واقعيتها، بأن لا تكون مثاليات، أو أفكاراً تجريدية وإلا لم تعد ثقافة اساساً.
الثقافة الإسلامية في جامعة الإمام لها هدفان مزدوجان:
الأول: ربط طلاب العلم الشرعي بالعصر في معطياته الفكرية والحضارية من خلال عرضها وتحليلها ونقدها إسلامياً.
الثاني: ربط طالب العلوم الإنسانية واللغوية ونحوها بالأساسيات الإسلامية التي تشكل معالم هداية له في تفاعله مع عصره، بما في ذلك مجالات تخصصه.
الثقافة الإسلامية تدرس الفكر في أسسه وضوابطه الشرعية ومناهج تجديده، وتدرس القضايا المعاصرة كحقوق الإنسان والعالمية بما فيها العولمة، كما تدرس المذهبيات والمنظمات المعاصرة، كالصهيونية والاستشراق والتبشير، والماسونية، والوجودية والاشتراكية... الخ.
فإن كان الانغلاق يراد به انفصامها عن ما يموج في العصر الحاضر فالحقيقة غير ذلك، وإن كان يقصد به التزامها منهج النقد الإسلامي لمعطيات العصر فهي منغلقة وفق هذه الوجهة، أما الحقيقة فهي بهذا المنهج تحقق التفاعل الإيجابي مع العصر خلافاً للمنهج الاستلابي الذي لا يتجاوز دوره الاستهلاك المحض.
كلية الشريعة في جامعة الإمام.. ألا تحتاج إلى فكر تجديدي يبث الروح فيها من جديد؟
- لا تزال - بحمد الله - روح الحياة نابضة بهذه الكلية المباركة، التي أمدت المجتمع السعودي بل الأمة الإسلامية بذخيرة عظيمة من العلماء والقضاة والدعاة والمربين.
لكن الذي لا ريب فيه أن التجديد مطلوب في كل الجهود البشرية علمية أو عملية، وهي تتجدد في أساتذتها وطرائق تدريسها شيئاً فشيئاً، يلحظ ذلك من يقارن أوضاعها في كل عقد عن الذي قبله، ومع ذلك فما زال مجال التجديد قائماً بما يجعل هذه الكلية تخرج أكفاء بمعنى الكلمة في علم الشريعة في مجالات الحياة المستجدة وأنظمتها المتطورة.
هل تشعر بأن هناك مشروعاً واضحاً لجامعة الإمام في المستقبل؟
- جامعة الإمام أنشئت نواتها الأولى منذ ما يقارب الستين عاماً بعد توحيد المملكة وتبلورها بصفتها دولة إسلامية لمجتمع إسلامي ? أنشئت ? من أجل إيجاد الكوادر الشرعية واللغوية التي تسهم في ضبط إيقاع حراك المجتمع الحضاري على السمت الإسلامي، وتحفظ له هويته العربية الإسلامية، وتمد العالم الإسلامي بما يحتاجه من هذه الكوادر في مجالات التعليم والقضاء والدعوة.
ولقد كان لهذه الجامعة ظهور بيِّن مضارعَةً بعض المؤسسات العلمية العريقة في العالم الإسلامي كالأزهر، ومعوضة عن بعض المؤسسات الأخرى التي تضاءل دورها الإشعاعي كالزيتونة والقيروان.
المشروع المستقبلي المتمثل في برامج موجهة لأهداف قابلة للقياس لا أدري عن مدى توافره لدى الجامعة، لكنني أعلم أن هناك لجاناً تعمل على تحديد وسائل وأهداف وخطط كليات الجامعة، فلعله يتولد من مجموعها المشروع المسؤول عنه.
قضايا فقهية جديده
العلاقات والأنظمة الدولية المعاصرة ? الاتصالات والإعلام ? قضايا البيئة ? الانتاج الفقهي الإسلامي، لماذا لم يتطور ليعالج إشكالاتها؟
- هناك انتاجات فقهية عالجت هذه الإشكالات، لكنها بلا ريب فردية، رسائل علمية وبحوث محكمة، ثم إنها محدودة الانتشار، بعض هذه العناصر وأمثالها من قضايا العصر الحية المؤثرة تحتاج جهوداً أعمق في الإبداع، وأكثر في التراكمية، كما تحتاج إلى أن تكون إنتاجاً مؤسسياً لا فردياً.
وتحتاج أيضاً إلى تفاعل حي معها من الجهات التي تقوم بالحراك العملي في تلك المجالات، وأخيراً، وهو أولاً في الحقيقة تحتاج إلى أن تكون مواضيع للدراسة الفقهية في الكليات الشرعية تأصيلاً شرعياً لها ومقارنة بالنظم المعاصرة وتكييفها لتطبيقها في الواقع، وهو من التجديد الذي تحتاجه الكليات الشرعية.
نتوجس خيفة من مصطلحات"العقلانية"وپ"العقلانيين""العقلانية الإسلامية"، هل المصطلحات تشكل أزمة في الفكر الإسلامي؟
- نعم هناك اضطراب في التعامل مع المصطلحات المعاصرة في الساحة الفكرية في عالمنا العربي إسلامية وغير إسلامية.
المشكلة تتعين في كون الأمة المنبعثة نحو نهوضها الحضاري مضطرة إلى التعاطي مع الحضارة المهيمنة واستثمار منجزاتها، والمصطلحات هي بوابة هذا التعاطي، المشكلة أن المصطلح سواء نقل بلفظه الأجنبي: الديموقراطية، الليبرالية ونحوها، أو عرِّب بلفظ عربي مقابل: الثقافة، المجتمع المدني، الأصولية، المواطنة... إلخ، لا ينفك عن البعد الحضاري الخاص تماماً، فيكون في محتواه ما يصلح، للنقل من دون حرج، وما لا يصلح فهل يستخدم منظوراً إلى الجانب المقبول من محتواه، أو يرفض حذراً من تسرب ما لا يسوغ من محتواه.
الديموقراطية مثلاً بعضهم يقول إن الديموقراطية من الإسلام ناظراً إلى جانب الآليات في ممارسة الحكم، وبعضهم يراها كفراً لكونها تجعل الشعب مصدر الحاكمية التي هي في الإسلام لله من خلال شريعته في القرآن والسنة، وبعضهم سعى لصياغة المصطلح فربط فيها الديموقراطية برمز إسلامي هو الشورى فقال الشورقراطية.
وسبب آخر للحساسية تجاه المصطلحات المعاصرة في الفكر الإسلامي كون عامة الناقلين الأوائل لهذه المصطلحات كانوا إما من غير المسلمين أو من أبناء المسلمين المستلبين للفكر الغربي الذي لا يرعون للدين وثوابته حقها الاعتباري في هذا المجال.
اعتقد أن الفكر الإسلامي سيتجاوز هذه الإشكالية من خلال الدخول في توصيف المضامين وربطها بالحياة الواقعية بدل اللت والعجن الفكري مع الألفاظ ودلالاتها.
الفكر الغربي هل نملك الأدوات لمناقشته، أم نكتفي بتراثنا لمقارعته؟
- لا أدوات الفكر المنافسة قائمة، ولا المقارعة بالتراث ممكنة.
تجاوز التخلف، والنهوض الحضاري ومن ثم المنافسة الحضارية لا يحققها الفكر وحده وإن كانت له الأولية، لا يحققها سوى مشروع شامل للنهوض تربوي وسياسي واقتصادي وعسكري واجتماعي... إلخ، فإذا تساوقت عناصر هذا المشروع متجهة نحو الأعلى واكبها ارتقاء في القيمة الحضارية للأمة ومن ثم سمع صوتها وأن لها أن تغالب وأن تغلب كما فعل غيرها.
محمد أركون...خدمنا
كيف تقرأ محمد أركون... وهل تجد فيه مبشرات معينة؟
- محمد أركون نموذج لظاهرة برزت في العشرين سنة الأخيرة، نحت منحى جديداً في المسيرة العصرانية للفكر العربي، فبعد أن كانت الدعوة للقطيعة مع التراث، ثم الدراسة التفكيكية للتراث برزت هذه الظاهرة مع تبلور تيار الصحوة الإسلامية الذي يركز في مشروعه النهضوي على الانطلاق من الوحي الإسلامي، القرآن والسنة، فاستهدفت كما هو متجلٍ في أعمالها نزع القدسية عن هذا الوحي، ومن ثم عن مقرراته العقدية والقيمية التي تمثل الموجِّه الأولي لفكر المسلم وحركته، لتصبح مجرد أفكار بل أساطير كما يقول ذلك أركون نصاً في كتابه"الإسلام... الأمس والغد"التصورات الأخروية من وعد ووعيد التي دخلت عقول الناس وجعلتهم يؤمنون بها كحقائق واقعية وليس كخيال ورموز، نحن الآن ننظر إليها كخيال ورموز .
ومثل أركون عدد من الذين اتجهوا لما سمي بپ"القراءات المعاصرة للقرآن الكريم"، وعلى رغم التهويلات المصطلحية، والروغان الأسلوبي، إلا أن هذه الفئة ظلت معزولة إلى حد كبير خصوصاً من التيار الإسلامي بعامة أطيافه كما رصد ذلك المستشرق الفرنسي أوليفيه روا في كتابه"عولمة الإسلام".
لربما يحتسب البعض أن فائدة هذه الظاهرة تجلت في استفزاز عدد ? وإن كان محدوداً ? من المثقفين الإسلاميين للدفاع عن القرآن، ما دعم قراءة القرآن في ضوء متطلبات هذا العصر وفي إطار الضوابط العلمية.
هل الحديث عن محنة العالم الإسلامي يثبط عن السير في مشروع النهضة المقبل؟
- هناك موقفان: فكري ونفسي: الفكري يتمثل في استجماعك لتصور سليم عن واقعك بتخلفه، ورداءته ومشكلاته، فهذا عامل ضروري لتحقيق النهوض، ومحرك قوي له.
أما النفسي فهو الشعور بالإحباط واليأس من السباق الحضاري الذي يتكرس لدى البعض نتيجة التركيز على البعد المادي في التخلف والنهوض فلنفرض ? هكذا يقول البعض ? أننا خلال عشر سنوات تقدمنا أربع خطوات، سيكون الغرب تقدم عشرين خطوة وهذا معناه أننا لا نزال في دائرة التخلف.
ومنهج المسلم في الحراك الحضاري هو أولاً التفاؤل والاستبشار والنظرة الشاملة لعملية النهوض الحضاري، والتحولات العالمية تدعم منطق الاستبشار إذا نظر إليها على مدى أبعد، على مستوى العقود لا على مستوى الأيام ولا حتى السنوات.
أي الفيروسات ينهش جسد الأمة أكثر.. الفيروس التربوي أم السياسي أم الاقتصادي؟
- التربوي بلا ريب، لأن التربية هي التي تصنع الإنسان، وبحسب مخرجات التربية يكون تعاملها المخرجات الناس مع السياسة والاقتصاد، وهما أداتان للإنسان لتدبير حركة العلاقات الاجتماعية والأموال.
فإذا أوجدت التربية إنساناً فاشلاً فشلت السياسة والاقتصاد اللذان يدبرها، وإذا أوجدت إنساناً زكياً واعياً نجحت السياسة والاقتصاد بقدر ما يتجه له الجو المحيط به.
تسييس العمل الإسلامي
يرى البعض أن تسييس العمل الإسلامي أفضل حصن يتحصن به ذووه؟
- تسييس العمل الإسلامي أو تسييس الإسلام هذه العبارة التي دلالتها أن الإسلام لا شأن له بالمجال السياسي، وأن مداخلة الشأن السياسي بشيء من مبادئه أو قيمه أو أحكامه غير مقبول، هذه العبارة مقولة لائكية لا تستقيم على الحقيقة الإسلامية أبداً.
إن مشاركة المسلم الملتزم بهدي دينه في مواقع السياسة، وإصلاح واقتراح إصلاحات في الشأن السياسي منطلقة من قيم الدين وأحكامه، إن هذين الأمرين وهو ما يقصده رافضوهما بپتسييس الإسلام ليسا جائزين للمسلم ولا مجرد مستحبين بل هما واجبان ? عند الاقتضاء ? وجوباً عينياً أو كفائياً بحيث يعتبر التخلي عنهما إثماً في الإسلام، لهذا فإنني أعيذ أي عاقل ? فضلاً عن مسلم - من الانسياق مع مثل هذه العبارات التي تجعله يرتمي في اللائكية، وهو لا يقصدها حتماً.
إن الإسلام منهج هداية شاملة لكل مجالات الحياة، ومنها المجال السياسي، وهذا ما يعترف به كثير من غير المسلمين ممن عرف الإسلام من خلال مصادره.
التيار الإسلامي المستنير هل معنى ذلك أن الكهرباء مقطوعة عن تيارات إسلامية أخرى؟
- الاستنارة، وصف مدح للمتصف به، ومن السهل أن يخلعه كل إنسان أو طيف على نفسه، ومن ثم يحكم على الأشخاص أو الأطياف الأخرى بالظلامية، ولهذا تفقد هذه الألفاظ المطاطة قيمتها الاعتبارية لدى المتعاطين مع السجال الثقافي.
لكنْ بعيداً عن هذا الوصف فإن التيار الإسلامي ? الثقافي ? ليس صورة واحدة، إنه أطياف متفاوتة في مدى وعيها بالدين من جهة، وبالعصر من جهة أخرى، ومن ثم في مواقفها ووعيها انفتاحاً وانغلاقاً.
كهنوتية الإسلام
لماذا المرعى الإسلامي مباح لكل عرجاء وعوراء لا يجزئ لحمها في الأضحية؟
- لأنه أخصب المراعي الآن وأكثرها جاذبية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى للفهم السقيم لعدم كهنوتية الإسلام، أي انتفاء وجود طبقة خاصة هي وحدها التي تمثل الدين وتنطق عن الله، وتتحكم في ضمائر الآخرين وعلاقتهم بالله شأن الكنيسة في العصور الوسطى الأوروبية.
فقد تصور بعض المثقفين والصحافيين أن انتفاء هذا الكهنوت يعني أن لكل إنسان الحق ? مهما كان علمه ? في أن يتكلم في الإسلام كما يشاء حتى ولو اخترع ديناً من خياله لا شأن له بالإسلام الحقيقي، لكن الزمن كفيل بتصفية الساحة وبقاء الحقائق وانتفاء الزبد والأوهام، بل هناك فائدة حاضرة، وهي أن هذا المتقحّم في عقائد الدين وأحكامه ممن لا علم له به يستفز حماة الدين من علماء شرعيين ودعاة لكشف الزيف وإعلاء الحقائق التي جاء بها الإسلام.
توحيد الفتوى
ألا ترى أن هناك ضرورة لتوحيد الفتوى في عصر القرية الكونية؟
- مجالات الفتوى متنوعة، فقد تكون فردية، وقد تكون على مستوى المجتمع، قد تكون خاصة، أي أنها تتعلق بقضية تعني أشخاصاً في مجتمع معين مثلاً، فهذه لا يمكن توحيد الفتوى فيها، لأن القضايا وإن تشابهت في عناوينها وبعض دوافعها وآثارها إلا أنها تختلف بوجه ما.
أما الفتوى المتعلقة بالمسارات الاجتماعية السياسية والاقتصادية مثلاً فالأولى توحيد الفتاوى فيها، ومثلها القضايا العامة التي أفرزها التقدم العلمي كالاستنساخ ونحوها، لأن مصالح المجتمعات تختل حينما تضطرب الفتوى فيها، فهي لا تعني الأشخاص بمفردهم، وإنما علاقاتهم، فإذا صار كل يتعاطى بناء على فتوى مناقضة لفتوى من يتعاطى معهم اضطربت الأمور.
المسألة الأهم هنا هو أن توحيد الفتوى ينبغي أن يتم من خلال مجامع علمية يقوم عليها كبار علماء الأمة الموثوقون اجتماعياً، حتى يكون ما يصدرون عنه مقنعاً وصارفاً للناس عن تتبع شواذ الفتاوى بعد ذلك، اما أن تفرض فتوى معينة لمجرد ملاءمتها لمصالح سياسية أو مؤسساتية من دون اعتبار لفتاوى علماء أكثر اعتباراً لدى الناس فهذا لن يحقق المقصود وقد يكون نذير فتنة للمجتمعات.
الشعوب الإسلامية عانت طويلاً من التهميش والوصايا: هل الديموقراطية والحرية معاً كفيلان بإنجاح مقاصد الأمة؟
- الكفيل حقاً بإنجاح مقاصد الأمة هو أن توجه وجهها لله مستقيمة على دينه استقامة حقيقية، هنا تشعر بأنها على طريق نجاح [فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى] طه:123 وهذا الشعور يولد لديها شعوراً بقيمتها ذاتياً وحضارياً، ما يحفزها على التوجه النهضوي الصحيح، وهنا تستطيع أن تأخذ بكل المنجز الإنساني في تحقيق المصالح ودرء المفاسد، حريةً وآلياتٍ ديمقراطيةً ومجتمعاً مدنياً عبر تكييفها للأرضية الإسلامية.
أما من دون تلك الوجهة فثق أن الأمة ستظل في تخلفها وتداول البأس في ما بينها ومنه التهميش والوصاية، ولن يكون من يخون ربه برفض دينه ناصحاً لأمته وساعياً في مصالحها وقد سعى في إفساد نفسه أولاً، وشواهد التجارب في العالم العربي والإسلامي دلائل واضحة.
حتى الإسلاميون، كثير منهم يحتاج إلى تجريد وجهته الإسلامية التي ينبغي أن تتجاوز جانب التعبد والسمت الشخصي إلى المواقف العامة والفعاليات الاجتماعية، اعترافاً بالحق ولو عند غيرهم، وتقديراً لأهل الجهود الخيرة والإبداع ولو من سواهم.
الجماهير والنخبة
الجماهير كانت محرك العمل والآن أصبحت محرك التفكير، ما الدور المناسب للجمهور في المجتمع؟
- الجمهور يوضع عادة في مقابل النخبة التي تتركز في مثل هذا المقام في النخبة السياسية والثقافية، والجمهور شرائح مختلفة ولكل شريحة دور يناسبها، والذي ينبغي لجماهير الأمة العربية والإسلامية هو أن ترتقي بنفسها ثقافياً إلى الدرجة التي تحررها من التلاعب الإعلامي الدعائي بها، وأن تعي جيداً موقع أمتها حضارياً.
وأن تحدد كل شريحة بل كل فرد الوظيفة التي يستطيع أن يقوم بها في خدمة أمته والارتقاء بها حضارياً، وأن يستعين بحدسه الإنساني والديني في فرز ما أمامه من أشياء العولمة ومن أمامه من منتحلي الريادة والتوجيه، ليكون تعاطيه معها ومعهم على بصيرة وپاستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك
شبابنا فقد الثقة في كل شيء وأصبح ينتظر المعجزة... فهل عصر المعجزات انتهى؟
- المعجزة في التصور الإسلامي أمر خارق للنظام الكوني المعتاد يأتي به نبي متحدياً به. والسؤال لا يقصد هذا طبعاً! لكنه يقصد ? كما أفهم ? أن يحدث فرج لم يكن معتبراً في الحسابات البشرية وتوقعاتهم المستقبلية.
شبابنا ليسوا صنفاً واحداً، منهم فئة غارقة في لهوها لا تفكر أساساً في قضية أمتها، وفئة أخرى تخلخلت لديها معالم ثبات متعددة وهم عادة الذين لا يفكرون إلا في لحظاتهم الراهنة، وتتضخم لديهم الكوارث التي تمر بها أمتهم، ويرون تطورات تحيط بهم من الصعب عليهم أن يتابعوها، وفئة ثالثة انطلاقاً من إيمانها الديني ومن حدس تاريخي بسيط أو عفوي ومن تأمل في واقع الأمة لا في لحظتها الراهنة الآنية، وإنما في تحولاتها عبر قرن ونصف قبل الآن ? انطلاقاً ممن ? يشعرون بأن أمتهم لديها اتجاه نهضوي، وأنها تجاوزت العتبة الأولى وهي التحفز النفسي للنهوض، وأن ما يمارسه أعداء الأمة من استفزاز للأمة، وحركات قمع لها- أن ذلك ? عامل تحفيز للأمة، وتنبيه لجوانب قصور فيها يدفعها للحركة أكثر ويكشف لها حقائق موقعها بالنسبة للآخر بشكل أوضح، ولذلك فإننا نجد هذه الفئة في حال بناء لذاتها، وتفاعل مع محيطها تأهلاً لدور تقوم به مستقبلاً.
التعددية ترعبنا
التعددية مصطلح يرعبنا ويحجمنا عن التواصل مع الآخر... ما الذي يجعلنا نتوجّس شراً من هذا المصطلح؟
- الإشكالية ليست في المصطلحات، ولكنها في المضامين التي تُحمِّلها.
التعددية بمعنى أن يتعايش أهل أديان مختلفة في ظل دولة واحدة تحفظ حقوقهم وتسمح لهم بشعائر دينهم لا إشكال فيه، وكهذا كانت الدولة الإسلامية عبر عصورها، وهو منهج الإسلام أساساً، أما التعددية بمعنى إذابة الأديان ? وفي العالم الإسلامي ? تمييع الإسلام وإلغاء أحكامه وقيمه بحجة أن هذه التعددية لا تتحقق إلا في إطار علماني ينفي الدين من الحياة الاجتماعية، فهو الإشكال، وهو الذي لا يستقيم مع إسلام المسلم.
الثوابت، القوالب، الخصوصية... التراث عقبات اخترعناها لنزهد في المستقبل ما رأيك؟
- الثوابت والخصوصية، والتراث هي منطلقات التحرك النهضوي والصعود المستقبلي الآمن والرشيد لأية أمة تستهدف النهوض، لكن يساء التعاطي معها فتكون عائقاً عن النهوض.
ينادي البعض بتحديد الإطار المرجعي لهذه الأمة من جديد... هل تشعر بأننا بحاجة ملحة إلى ذلك؟
- مرجعية الأمة متحددة لا مراء فيها لدى عموم الأمة وهي القرآن الكريم والسنة المطهرة، المشكلة تتمثل لدى كثير من مثقفي الأمة في منهج التعامل مع هذه المرجعية، منهج تنزيل قيمها وأحكامها على حركة الحياة، حيث إنهم حادوا عن المنهجية التي رسخها العلماء السابقون استمداداً من الوحي نفسه، نحو منهجيات مبتدعة، أو مقلدة لمنهجيات وضعت في إطار حضاري مغاير، وكانت المثمرة تأويلات تحريفية لمدلولات الوحي، واستحداث نماذج لإسلامات لا تتفق كلياً أو جزئياً مع الإسلام الحقيقي إسلام القرآن والسنة، طبعاً ليس هذا بدعاً، فقد وجدت التفسيرات الرمزية والإشارية والباطنية قبل قرون، ولكن قوة الوحي نفسه كفيلة بكشف فساد كل التأويلات الشاذة.
العمل الإسلامي بدايات متقدة ما تلبث أن تكمن بعد حين، ما السبب؟
- العمل الإسلامي جهود بشرية يعتريها ما يعتري أي جهد بشري.
تنفسح مجالات، وتتوافر عوامل، وتتيسر قنوات فينطلق هذا العمل، وتوجد معوقات، وتحيط به ظروف خاصة بقطر أو عامة فيتراجع، لكن الذي يمد عينيه إلى مسيرة العمل الدعوي الإسلامي عبر مدى زمني موسع ? نصف قرن مثلاً ? سيجد أن هذه المسيرة تتقدم شيئاً فشيئاً، وأن ما يتصوره بعض الناس تراجعاً هو في الحقيقة إما توقف تبصر قصير لاسترشاد أكثر، أو تحول نحو مسالك أصلح من غيرها وما يشعر الناس للوهلات الأولى أنه تحدٍ للدعوة وإيقاف لها يتكشف للمستبصر عبر الأيام أنه نعمة من الله على الدعوة يكون به وعيها أكبر ومجالات حراكها أوسع وأثقل، وتصدق دعاواها التي كان مستندها النص الشرعي فقط فأصبح الواقع شاهداً على تلك الدعوى... وهكذا...
ما الذي ينقص العمل الإسلامي بينما يبرز في العمل التنصيري التبشير؟
- كلاهما عمل دعوي ديني، لكنهما يفترقان سواء في حقيقة ما يدعو إليه كل منهما، أو في الوسائل والآليات التي يستخدمها.
العمل التنصيري له هدف حضاري مشترك بين دعاته، والعمل الإسلامي جهود أفراد يشتركون في إبلاغ رسالة الإسلام لكن الهدف الاستراتيجي الجامع غير موجود بالصورة تلك، ثم إن العمل التنصيري تدعمه عامة الدول النصرانية والعلمانية خلافاً للعمل الإسلامي الذي تحاربه كثير من الدول الإسلامية، والدول التي تدعمه تحارَب دولياً بسبب دعمها له، ثم إن موازنات العمل التنصيري مئات البلايين، خلافاً للعمل الإسلامي الفقير مقارنة بذلك. يضاف إلى ذلك سبق التبشير النصراني للعمل المؤسسي في المدارس والجامعات والمستشفيات ونحوها مما بدأ يتجه إليه العمل الإسلامي راهناً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.