إشادة سعودية – فرنسية بتقدم مشروع «فيلا الحجر»    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    عروض ترفيهية    المملكة تستعرض إنجازاتها لاستدامة وكفاءة الطاقة    شارك في الطاولة المستديرة بباكو..الجاسر: 16 مليار دولار تمويلات البنك الإسلامي للمناخ والأمن الغذائي    عمق إنساني    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    تجاوز الدحيل القطري.. الخليج ينفرد بصدارة الثانية في «آسيوية اليد»    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    الأهلي والهدى يواصلان التقدم في «ممتاز اليد»    الأخضر يبدأ تحضيراته لمواجهة أندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    ضبط أكثر من 20 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    السخرية    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    ابنتي التي غيّبها الموت..    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    ختام مزاد الصقور السعودي    الإعلان عن أسماء الفنانين العالميين في «نور الرياض» ومشاركة «18» سعوديًا    ألوان الأرصفة ودلالاتها    زيلينسكي يفضل الحلول الدبلوماسية.. ومجموعة السبع تهاجم روسيا    «إنسان».. خمس جوائز وتأهل للعالمية    المملكة تتسلم رسميًا استضافة منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات 2026 في الرياض    المملكة تقدم مساعدات إنسانية وإغاثية ب133 مليار دولار ل170 دولة    "ديوان المظالم" يقيم ورشة عمل لبوابة الجهات الحكومية    إحباط تهريب (32200) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في جازان    تحقيق يكشف الدهاء الروسي في أوكرانيا    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    إمام المسجد النبوي: استبصار أسباب الفلاح يؤدي إلى السعادة    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    اتحاد القدم يحصل على العضوية الذهبية في ميثاق الاتحاد الآسيوي لكرة القدم للواعدين    ضبط يمني في الدمام سكب الأسيد على آخر وطعنه حتى الموت    الزفير يكشف سرطان الرئة    تطوير الطباعة ثلاثية الأبعاد لعلاج القلب    القهوة سريعة الذوبان تهدد بالسرطان    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    خطأ في قائمة بولندا يحرم شفيدرسكي من المشاركة أمام البرتغال بدوري الأمم    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يرى أن الخلط بين العلم والدين وصفة قاتلة ومدمرة ... ويؤكد "110 و220 لها مرجعية تاريخية لكن هذا لا يبرر استمرارها" . سعد الصويان ل "الحياة" : الرجل يخاف من المرأة ف "يكبتها" !
نشر في الحياة يوم 26 - 02 - 2008

لا يُذكر التراث الشعبي إلا ونتذكر الدكتور سعد الصويان ونعيش رؤاه ونتلمس أطروحاته في ذلك.
يرصد المتغيرات ويستشرف المستجدات ويرسم المستقبل.. ينظر إلى الماضي كرافد للحاضر والمستقبل وليس كحاجز يحول دونهما.. يكره النظرة إلى المجتمع البدوي والظاهرة القبلية، ويتهم المسلسلات البدوية بأنها تهزأ وتسخر من البداوة النقية.. صريح حتى الثمالة وذلك ما يورده المهالك أحياناً.
الدكتور سعد يُبشّر بتطور حال المجتمع، ويدعو إلى عدم الخوف من التغيير، بل ويتمنى لو نصنع ذاك التغيير من دون أن يفرض علينا.. وعلى رغم انه رجل إلا انه يرى أن الرجل اضعف من المرأة، لذا يحرص على تهميشها وسلبها حقوقها وفرض كل الوصايات عليها.
الغريب أن الدكتور سعد يشعر بأن الكل يسخر منه ومن تخصصه، ولكنه في المقابل لا يهتم بل يرى في ذلك دافعاً نحو الجديد الذي يستحق.. إيمانه بالمكان والزمان صنع منه إنساناً قادراً على صنع شيء.
إلى تفاصيل الحوار.
كيف كان تأثير المكان عليك متمثلاً في مدينتك عنيزة؟
- عنيزة المكان بالنسبة إليّ هي الأرض، أي البيئة الطبيعية، وهي الناس، أي البيئة الاجتماعية، وهي المرحلة العمرية، أي سنين الطفولة والصبا. وأجمل ما في الطفولة أنها لا تصنّف البشر، فالناس إما صغار أو كبار وإما ذكور أو إناث. وما عدا هذه التمايزات الأساسية لا يقيم الطفل وزناً للفروقات الأخرى التي يضخّمها الكبار.
الطفل في سنينه الغضة يرى كل الناس سواسية، قبل أن يحكم الكبار قبضتهم على عقله ويدمّروا براءته ويزيّفوا وعيه باسم التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية، ويحقنوا دماغه بحزازاتهم وتحيزاتهم وتعصباتهم. براءة الطفولة ترى الجدّة والإثارة في الأحداث اليومية والأشياء العادية قبل أن تَكُرّ عليها سنين العمر الطويلة وتحيلها إلى جماداتٍ بهت بريقها وافتقدت رونقها. في عنيزة مرحلة الطفولة كانت الحيوانات تشاركنا السكن وكان المجانين يمشون معنا في الأسواق.
كنا نعيش فصول السنة وتقلبات الجو قبل أن تعزلنا التكنولوجيا عن محيطنا الطبيعي. كنا نتحلق حول النار للتدفئة ونتناول القهوة والشاي مجتمعين وفي أوقات محددة، وكنا نجوع ونتلذذ بالطعام، ونفرح بالثياب الدافئة والجديدة، ونصنع ألعابنا بأنفسنا من الكرب وجريد النخيل. وكانت زيارات الأقارب لنا والضيوف الغرباء مناسبات حقيقية للاحتفال والبهجة والفرح.
كنا نسير حفاة في الشوارع المملوءة بالأحجار وقطع الحديد والزجاج المتناثر، التي غالباً ما ترتطم بها أقدامنا وتتجرح أصابعها وتصاب ب"اللكمة"التي نعالجها ب"الكبو"، أي دخان هدب الأثل. كنا لا نلبس"شباشب الزنوبة"إلا في المناسبات الخاصة جداً، يعني إذا بغينا"نكشخ". كانت عوالمنا آنذاك محدودة جداً نصل إلى أقصى مدى لها مشياً على الأقدام.
رحلتي مع الأنثروبولوجيا
البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الأنثروبولوجيا، لماذا التصميم على هذا التخصص؟
- هذا تخصص له مشروعيته كغيره من التخصصات. لكن عليك أن تعلمي بأنني تركت عنيزة وذهبت إلى الدراسة في أميركا عام 1965 ميلادية، حينما كان المبنى الأسمنتي الوحيد في مدينتنا هو مبنى المدرسة الثانوية. تصوري البون الشاسع بين عنيزة آنذاك وأية مدينة في أميركا. في ذلك الوقت لم تكن هناك رحلات مباشرة من السعودية إلى أميركا، وكان علينا السفر عن طريق بيروت ومنها إلى أمستردام ثم إلى نيويورك. كانت أول مرة أشاهد فيها التلفزيون هي تلك الرحلة حينما نزلت أنا وأحد الزملاء في أحد"بنسيونات"بيروت. وكانت تُعرض على التلفزيون دعاية تتضمن أحصنة وخيولاً تجر عربات وتجري مسرعة وكأنها تخرج من الشاشة، وأذكر أنني فعلاً صدّقت أنها ستخرج من الشاشة وتدهسني، ولدهشتي وخوفي تحركت بسرعة لأبتعد عنها وسقطت من على الكرسي.
ما أقصد أن أقوله هو أن المجتمع الذي خرجت منه إلى أميركا كان مجتمعاً تقليدياً، وأقول تقليدياً مجاملة وخشية من جرح شعور الآخرين لو قلت بدائياً. ولقد تكرّست لدي هذه القناعة بعد أن عايشت المجتمع الأميركي، وتعرفت على منجزات الحضارة الغربية. كان هذا هو الباعث الأول إلى اتجاهي نحو دراسة الأنثروبولوجيا، لأنني رأيت أن مناهج الأنثروبولوجيا البحثية وطروحاتها النظرية أنسب لدراسة مجتمعاتنا التقليدية والبدوية من علم الاجتماع الغربي، الذي قام على دراسة التجمعات الحضرية والمجتمعات الصناعية المتطورة.
دراستك للتراث، هل جعلتك تسكن الماضي؟ وهل جَنَتْ عليك؟
- لقد تعبت من البحث عن شقة للإيجار والعيش في المستقبل، لكن الناس حولي كل ما بغيت"أطمر الردامه وانحاش للمستقبل تحاشكوني وردّوني إلى الوراء، إلى الماضي". كل الطرق عندنا تقود إلى الماضي بدل المستقبل، ما عندنا"تعشيق قدّام"، كل"التعشيقات"عندنا"ريوس"reverse. الماضي بالنسبة لي هو موضوع دراسة وتأمل، وليس أسلوب حياة ولا طريقة تفكير. لكنني أعتقد أنني أفهم الماضي وأقدره وأحترمه أكثر من أولئك الذين يحاولون أن يعيشوا الماضي. الماضي على اسمه ماضي، راح، انتهى. علينا أن نفهم الماضي بعمق لا لنسترجعه ونعيشه، وإنما لنجعل منه قاعدة انطلاق صلبة للتحديث والتطوير، وكذلك لنفهمه حق الفهم ونقدره حق التقدير، وبالتالي نفهم أنفسنا ونحترم أنفسنا ونحدد هويتنا بوضوح. الماضي لا يُدرس لذاته، وإنما لفهم الحاضر وإعداد العدة للمستقبل.
بعض الناس يعتقدون أن اهتمامي بدرس الماضي نابع من تشبثي بذلك الماضي. هؤلاء لا يفرقون بين ذات الدارس وموضوع الدراسة، ويخلطون بين الدعوة إلى الشيء وتبنيه، وبين الدعوة إلى درسه بموضوعية وتجرد. الدافع العلمي وراء درس أي موضوع هو حب المعرفة، وليس التشيع للموضوع نفسه.
العلم مسائل تبحث عن حلول وليس قضايا تبحث عن دعاة وأنصار. العالِم ليس واعظاً يؤمن إيماناً عقائدياً بما يقول ويدعو إليه. فالعلم مثلاً إذا قرر أن الماء يتكون من ذرتين هيدروجين وذرة أكسجين، فهو يقرر حقيقة علمية، لكنه لا يدعو الناس لها ويجبرهم على تبنيها بحد السيف. ما يقود الناس بالتالي إلى تبني حقائق العلم هو ما يترتب لاحقاً على هذه الحقائق من منافع تقنية واقتصادية يمكن توظيفها لخدمة الإنسان.
العلوم لاتنتمي إلى جنس أو دين
هل يوجد علم اجتماع عربي وآخر غربي؟ وهل يحتاج علم الاجتماع إلى أسلمه؟
- العلم حيادي لا ينتمي لجنس ولا لدين. يلجأ العالِم إلى توظيف أدوات المنهج العلمي ليتخطى خصوصيته الثقافية ويتجاوزها إلى الأحكام العامة التي لايحدها الزمان ولا المكان. المنهج العلمي يخلّص الباحث من أنماط التفكير التي يفرضها عليه مجتمعه الخاص، ليسمو إلى الموضوعية والعلمية. العلم يخضع للتجربة والبرهان ومنطق العقل، وليس فيه مكان للمسلمات.
العالِم يرى أن كل شيء في الوجود قابل للبحث والتنقيب. جوهر العلم هو الإبقاء دائماً على التساؤلات وعدم التسليم وإعادة النظر في كل الأمور. ليس هناك علم اجتماع إسلامي، مثلما أنه ليس هناك علم اجتماع بوذي أو هندوسي. يمكن أن نبحث عن تاريخ الفكر الاجتماعي عند علماء المسلمين وجهودهم في هذا المضمار، وكيف أن قناعاتهم الدينية لوّنت تفكيرهم وحددت توجهاتهم. أما الخلط بين العلم والدين، أياً كان ذلك الدين، فهو وصفة قاتلة ومدمّرة للاثنين معاً.
ما يدرّس في مدارسنا الثانوية في مادة علم الاجتماع، هل يجعل الطالب يملك مفاتيح معيّنة؟
- مادة علم الاجتماع في الجامعات لا تعطي الطالب مفاتيح، فما بالك بالمدارس الثانوية. وهذا لا ينطبق على علم الاجتماع فقط، بل على كل التخصصات. ما يأتينا في الجامعات من طلاب وطالبات بضاعة معطوبة يصعب ترميمها. إنهم ضحية سياسات وبرامج تعليمية تحتاج إلى إعادة نظر جادة وشجاعة ابتداء من مراحل التعليم الأولى.
هل يزعجك أن معظم خريجي علم الاجتماع بلا وظائف؟
- هذه المسألة لها أبعاد متداخلة لعل أهمها، أننا نعيش في مجتمع يفتقر إلى الوعي بأهمية التخصصات الأكاديمية، خصوصاً في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، وما يمكن أن تقدّمه للمجتمع من خدمات. الجانب الآخر أن مستوى التأهيل في العلوم الاجتماعية وغيرها من التخصصات يعاني من الضعف الشديد. والأمر الآخر أن القطاع الخاص حتى الآن لم يحزم أمره على الاستفادة من الشباب حديثي التخرج. فالدولة أساساً ليست ملزمة بتوظيف كل من يتخرج من الجامعة،"كثّر خيرهم اللي وفّروا التعليم المجاني"، ولو انه تعليم لك عليه.
من خلال دراستك للأنثروبولوجيا المحلية، ما الذي تغير في الإنسان عندنا؟
- أنت تطرحين السؤال بنغمة تنم عن إدانة للتغير. التغير ظاهرة كونية وقانون طبيعي وآلية قسرية ولا يمكن الوقوف في وجهه. المشكلة ليست في التغير وإنما كيف نسلم بأن التغير قضية حتمية ونستعد له ونتكيف معه بطريقة بناءة وخلاقة ونتعامل معه تعاملاً ديناميكياً وعقلانياً، لا أن نخشاه ونقف ضده.
ولا يقتصر التغير على الأشياء الحسية فقط، بل يعتور حتى الأشياء المعنوية، بما في ذلك السلوك الإنساني وظواهر المجتمع. من الطبيعي جداً حينما ينتقل الإنسان من البداوة ومن حياة القرية والريف إلى المدينة ومع ازدياد السكان وتغير التركيبة الديموغرافية والقاعدة التكنولوجية والاقتصادية أن تتغير البنية الفوقية التي تقوم على هذه القاعدة.
إن لم يعدّ المجتمع العدة للتكيف مع التغير فإن التغير سيتخذ مسارات منحرفة تهدد مستقبل المجتمع وتَهُدُّ كيانه وتمزق نسيجه. من المهم أن نعي حقيقة التغير حتى نتمكن من إعداد العدة للقادم ومن الاستعداد للمستقبل حتى لا تداهمنا أحداث الزمن المتغير فنجد أنفسنا منشغلين بإدارة الأزمات بدلاً من التخطيط والبناء. الأمم المتحضرة التي تتسلح بسلاح العلوم العصرية لم تعد تكتفي بالتخطيط للمستقبل، بل لقد أصبح لديها من القدرات ما يمكنها من ممارسة قدر من التدخل الواعي وتوجيه أحداث المستقبل.
مهرجاناتنا الشعبية بدون ماء
تراثنا الشعبي بمهرجاناته... هل يشارك فيه المتخصصون أم أنه حكر على فكر معين؟
- كل ما ابتعد المتخصصون عن المهرجانات والإعلام كان أحفظ لماء وجوههم. من لديه التزام علمي ومهني يأنف من الدخول في المزايدات التي تطغى على كثير من المهرجانات العربية التي يغلب عليها، إما التسييس أو التجارة على حساب الطرح الفكري والعلمي.
تتميّز أسماء بناتك بنزعة تراثية... هل ترمي من ورائها إلى تسليم الراية لجيل قادم؟
- لا يوجد لا من أولادي ولا من بناتي من له نفس اهتماماتي نفسها، بل إنهم يسخرون مني مثل ما تسخرون أنتم مني. يعني ما احد فاهمني حتى عيالي. لكن بالنسبة إلى الأسماء أعتقد أنها أسماء جميلة بصرف النظر هل هي تراثية أم لا. وقعها جميل ومعانيها جميلة. وبالمناسبة ترى أمهم تشاركني في اقتراف ذنب هذه التسميات. لماذا أنتم تعتقدون أن سلطة الأب تمتد حتى إلى فرض الأسماء، فالزوجة تشاركه... حتى في مثل هذه الأمور الصغيرة!
الرجل يخاف من المرأة فيكبتها
في ماضينا كانت المرأة أقوى وأكثر جرأة... من سحب البساط من تحت قدميها؟
- تقول الدراسات الأنثروبولوجية إن كَبْت الرجل للمرأة نابع من خوف دفين عند الرجل من قوة المرأة ومحاولة لا وعية منه لمواجهة ذلك الخوف. ففي المجتمعات البدائية وفي الأساطير التي من خلالها نصل إلى مكنونات اللاوعي الإنساني نجد أن هناك ممارسات رجالية يقوم بها الرجال يقلدون فيها مخاض المرأة وعملية الإنجاب والنفاس، وهذا ما يسمى couvade لأن الرجل البدائي يغار من هذه القدرة العجيبة عند المرأة على الإنجاب ويخاف منها. لا تضحكون،"ترى هذا كلام علمي وجاد"، وهو اكتشاف تم التوصل إليه بالدراسة واستخدام الأدوات المنهجية في الأنثروبولوجيا والتحليل النفسي.
عموماً أعتقد أن عصر المرأة الزاهر عندنا آتٍ لا ريب فيه وعن قريب. المؤشرات على ذلك كثيرة آخرها ما قرأته من أن الأميرة حصة بنت سلمان بن عبدالعزيز سوف تخصص سنوياً مبلغ 160 ألف دولار منحاً دراسية وستؤسس مركزاً متخصصاً لتأهيل سعوديات في مجال الصحافة والإعلام، للتعويض عن حرمان النساء من الالتحاق بهذا المجال في الجامعات الحكومية.
برأيك... من اغتال التلقائية والسلوك البريء في علاقة المرأة بالرجل لدينا؟
- كلاهما في استكانتهما لتقاليد منافية للفطرة الإنسانية تُفرض عليهما من أناس يدّعون امتلاك الحقيقة والعصمة الأخلاقية. حينما يسلم المجتمع نفسه لأوصياء يمارسون عليه الوصاية في كل شأن من شؤونه تكون النتيجة فقدان القدرة على التفكير المستقل وعلى التلقائية، إذ تحس أنك قبل أن تقدم على أية خطوة، مهما كانت صغيرة، عليك أن تستأذن وتأخذ تصريحاً بذلك. لا أدري لماذا لا يتعظ الناس عندنا من قصة النبي موسى مع بني إسرائيل حينما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخبر في سورة البقرة عن تعنتهم وكثرة سؤالهم لرسولهم، فهم لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم ولو أنهم ذبحوا أية بقرة لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم، ولم يجدوا بقرة بهذه الأوصاف إلا عند رجل رفض بيعها إلا بملء جلدها ذهباً.
لو تتبعنا المجتمع السعودي في حركته... متى برأيك افتقد المرونة والتسارع في مسيرته؟
- لا أدري، لكنني الآن متفائل بأن حركة المجتمع نحو التغيير البناء بدأت تتسارع، ومساحات الحرية الشخصيية بدأت تتسع شيئاً فشيئاً، لكننا نطمح بالمزيد، لأن الفارق بيننا وبين العالم من حولنا كبير جداً نحتاج إلى وقت طويل لنقطع هذه المسافة التي تفصلنا عن الآخرين.
هل تتوقع أن تنقرض يوماً تصنيفات 110 و220 من المجتمع السعودي؟ وهل لهذه التصنيفات مرجعية تاريخية أو نماذج عالمية مشابهة؟
- لا شك أن لها مرجعية تاريخية، لكن هذا لا يبرر استمرارها. نعم توجد لها نماذج عالمية، فكل مجتمعات العالم تصنف سكانها في فئات وطبقات متفاوتة من الغنى والجاه والمكانة وامتلاك زمام القوة والسلطة السياسية والأخلاقية. لكن كل مجتمع يتعامل مع هذه المسائل بطريقة مختلفة. وأتوقع أن الجيل القادم سيستبدل معايير الحسب والنسب بمعايير المستوى التعليمي والوضع المادي والموقع الوظيفي والحب والتمازج والتفاهم وما شابه ذلك.
وما أراه أن المجتمع الآن وصل إلى مرحلة انتظار من يعلّق الجرس. وهناك فئات كثيرة من الطرفين مستعدة للتزاوج الآن لولا خشية العواقب الاجتماعية، أي أنه خف الحظر كثيراً على المستوى الفردي، وهذه هي الخطوة الأولى نحو رفع الحظر على المستوى الجماعي.
الأبواب المغلقة
ألا تشعر أن مشكلتنا في مجتمعنا هي تعاملنا مع الأبواب نغلقها جداً فتحرمنا من دخول التجديد؟
- حتى لو"صككتي الباب وسكّرتيه بالمجرى الداخلي"فسيتسلقط عليك التجديد من فوق، من الجو عن طريق الفضائيات و"الإنترنت". التجديد والتغيير حاصل لكننا ننكر وجوده وندسُّه لا يشوفه أحد، ما بين خوف وما بين حَيا. كل ما نحتاج إليه هو الشجاعة للاعتراف بأننا تغيّرنا وأن التغيير ما هو عيب ولا خيانة للتقاليد والأصالة ولا فقدان للهوية، فهذه سنة الحياة.
الأمثال العامية لماذا لم نعد نبتكرها، ألا تحتاج إلى أن نضخ فيها أرواحنا؟
- الأمثال نتاج مجتمع أمي يعيش الحالة الشفهية التي تعتمد على الذاكرة في إنتاج وتداول المعارف. فالأمثال عصارة تجربة تُختزل في عبارات يسهل حفظها وتذكرها. وقد انتقلنا من المرحلة الشفاهية إلى المرحلة الكتابية، والآن نحن نعيش المرحلة الإلكترونية وعصر الاتصالات الحديثة وتقنية المعلومات، ولكل عصر أدواته وأساليبه. وفي كل مرحلة يتخذ التوليد اللغوي والنتاج الأدبي أشكالاً مختلفة تتناسب مع تلك المرحلة.
هل تؤيد مشروعاً وطنياً لحفظ اللهجات؟
- لطالما ناديت بدرس اللهجات والآداب الشعبية وفنون القول الشفهية دراسة أكاديمية صرفة كجزء من تاريخنا الثقافي والاجتماعي، وكأحد المكونات التي شكلت هويتنا الثقافية وشخصيتنا.
هل مشروعك لتوثيق الموروث الشعبي أمر يمنحك المتعة الشخصية؟ أم تجده واجباً وطنياً يحفظ للأمة تراثها؟
- الشعور بالواجب هو الدافع الذي يحرّكني، والمتعة هي التي تعطيني القوة على الاستمرار على رغم كل التحديات.
الألعاب التراثية للبنات كثيرة، لكنها غائبة عن ذاكرتنا الشعبية، وفي ظل عدم السماح للبنات بمزاولة الرياضة هل تؤيد أن نستبدلها بمنهج للألعاب التراثية؟
- لا، أؤيد أن يُسمح للبنات بمزاولة الرياضة. الألعاب الشعبية أدت دورتها وانتهى زمنها. نحن ندرسها كجزء من الماضي الذي ندرسه لنفهمه لا لنعيد إنتاجه.
تؤكد كثيراً أن هنالك علاقة بين الشعرين الشعبي والجاهلي، كيف تفسر هذه العلاقة؟
- هذه قضية مركّبة ولها تشعبات وتفاصيل بسطتها على قدر استطاعتي في كتابي الشعر النبطي"ذائقة الشعب وسلطة النص".
الشعر الشعبي بين شاعر المليون والمسلسلات البدوية، هل هو في أيدٍ أمينة؟
- حينما أشاهد المسلسلات البدوية أتعجّب هل هذا تمثيل أم استهزاء بالبدو واحتقار لهم!
هل للشعر الشعبي قيمة حضارية؟ أم أنه مجرد حامل للثقافة القبلية البحتة؟
- الشعر الشعبي مثله مثل أي نص إنه حمّال أوجه، ويمكن توظيفه لإثبات أو نفي أي شيء تريدين، إلا إذا كان تعاملك معه محكوماً بمنهجية علمية ورؤية نقدية. وأنا دائماً أقول إن الأدب الشعبي مثل الزيت الخام، بمعنى أنه إذا كانت لديك معامل تكرير متطورة فستسطيعين أن تستخرجي منه مشتقات لا حصر لها. معامل التكرير في هذه الحال هي الأطر النظرية والمنهجية التي توظفينها في التعامل مع النص الشعبي. فهو يمكن أن يكون وثيقة لغوية أو تاريخية أو اجتماعية، وهلم جرا.
الإبل والنظام البدوي
ظاهرة مزايين الإبل، هل تجد لها مرجعية في تراثنا؟
- الحديث عن جمال الإبل قضية تحتاج إلى تأسيس وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة. مرّ علينا وقت كان الآخرون الذين يجهلوننا يعيّروننا بالإبل ويرون فيها رمزاً لتخلفنا وبداوتنا. ومن المؤسف أن الكثير من المثقفين عندنا انطلت عليهم هذه العنصرية المقيتة وأصبحوا ينظرون إلى الإبل كوصمة عار تستحق الخجل ويتخذون من الشماتة بها وبأهلها دليلاً يحاولون من خلاله البرهنة على رقيهم الحضاري.
علاقتنا مع الإبل علاقة طويلة متعددة الأوجه. فلولاها لما استطاع أجدادنا أن يعيشوا في هذه الصحراء ويبنوا حضارة. لقد ترافقا في رحلتهما الطويلة عبر عصور التاريخ، وكانا خير عون أحدهما للآخر على طبيعة الصحراء. ومما يزيد من إعجاب العربي بالبعير أنه بقدر ما يمثل بالنسبة إليه النموذج الأعلى في الصبر والقدرة على التحمل والتكيف مع بيئة الصحراء، فإنه في الوقت نفسه يمثل النموذج الأعلى في العطف والحنان.
البعير رمز لكل ما هو نبيل وكل ما هو مأسوي في حياة الصحراء، وهو رمز للحنين، كما في صورة"الخلوج"، فالناقة حيوان رؤوم لا تطيق فراق حوارها ولا أليفاتها. لذا غالباً ما نجد الشاعر يبث شكواه لفاطره"يا فاطري"بدلاً من أن يبثها لأصدقائه من البشر. لقد شكلت الإبل وعينا اللغوي وذوقنا الأدبي وحسنا الجمالي، شئنا أم أبينا. لكنك لا تستطيع أن تتلمس مواطن الجمال في الإبل، إلا إذا عايشتها وخَبَرتها وتشبعت بالأشعار التي تتغزل بها، من طرفة إلى الراعي النميري إلى ذي الرمة إلى العجاج إلى ساكر الخمشي إلى خلف ابو زويد. أجمل ما في القصيدة الجاهلية ذلك المدخل الذي يسمونه الرحلة أو وصف الناقة، والذي يسميه شعراء النبط"الإركاب". مثلما أنك تحتاج إلى دروس معمّقة في التذوق الفني والموسيقي لتستمتع بلوحات بيكاسو أو سيمفونيات موزارت وتتحسس مواطن الجمال فيها، فأنت لا تستطيع أن تدرك كم هو جميل هذا المخلوق حتى تجلس إلى من عايشه ليحدثك عنه، أو تقرأ ما أبدعته فيه القريحة العربية من أشعار. لا أذكر أنني حدقت في البعير، في أي جزء من جسمه أو في أي حالة هو عليها إلا وتتوارد إلى خاطري أبيات من الشعر العربي تصف ذلك الجزء أو تلك الحالة، ومن هنا يتشكل إحساسي بجمال ذلك المخلوق:"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت".
هل تشعر أن منح القبيلة بعض الصلاحيات كفيل بضبط توازنات عدة في المجتمع؟
- يؤسفني أننا نسارع إلى إدانة القبيلة والنظام القبلي من دون أن نتعرف على هذا النظام وندرسه ونفهمه على أساس أنه أحد المكونات الرئيسية لمجتمعنا، على الأقل حتى عهد قريب. فلا بد من دراسة هذا النظام دراسة اجتماعية وسياسية من منطلقات علمية، لنتعرف تحديداً على دور القبيلة الحقيقي في المجتمع والتحولات التي طرأت على النظام القبلي عبر عصور التاريخ.
أنا والكتابة الإقتصادية
اتجهت أخيراً للكتابة الاقتصادية، هل تروج لبضاعة ما؟
- أولاً أنا كنت أكتب في جريدة الاقتصادية وليس في الاقتصاد. ومع ذلك أعترف بأنني كتبت عدداً قليلاً من المقالات في الاقتصاد. لكن من يريد أن يدرس المجتمع دراسة جادة لا يمكن أن يغفل الجانب الاقتصادي على أساس أنه أحد المحركات الرئيسية للفعل الاجتماعي. كتبت مثلاً عن الكرم من منظور اقتصادي لأبين أن الكرم، على رغم ما يبدو على السطح وكأنه عملية بذل لا يرجى من ورائها جزاء ولا شكور، إلا أنه في المجتمعات التقليدية لا يعدو أن يكون في صميمه عملية اقتصادية حتى النخاع. طبيعة الحياة الرعوية المتنقّلة لأبناء البادية التي تحتمها بيئتهم الصحراوية تحول دون تكديس الفائض وتجميع الثروة.
هنا يصبح الهدف من الإنتاج هو الاكتفاء الذاتي والاشباع المباشر لحاجات أفراد الوحدة الإنتاجية، أي العائلة. ولو أنتجت العائلة ما يفيض عن حاجتها فإنها لن تبيعه لتربح من ورائه، ولكنها ستمنحه على شكل هبات وهدايا لتعزز من وضعها الاجتماعي. ولا يوجد دافع لتكديس الثروة في المجتمعات التقليدية، لأن التمايز في هذه المجتمعات لا يقوم على المال وإنما على اعتبارات أخرى مثل الكرم والشجاعة.
أي أنه لا توجد أهداف اقتصادية من وراء الإنتاج وإنما أهداف اجتماعية يتم تحقيقها عن طريق ممارسة نشاطات في المجال الاقتصادي مثل تعزيز الدور والهيبة والمكانة الاجتماعية.
ومن الآليات المتبعة لتوظيف الثروات المتراكمة نحو أهداف اجتماعية، بدلاً من الأهداف الاستثمارية والانتاجية، إنفاقها بكرم على شكل هبات وإقامة الولائم الباذخة والتفاخر والتباهي في البذل. الكرم هو الاستثمار الوحيد الذي يمكن التعويل عليه في مجتمع لا يعرف التكديس والتخزين.
الضمان الوحيد أمام الفرد في مثل هذه المجتمعات هو توسيع شبكة علاقاته ما أمكن مع أكبر عدد من الناس والارتباط معهم عن طريق تبادل الهدايا ومد يد العون وتقديم الخدمات المجانية الفزعات. إلا أن المشاركة هنا تبادلية، بمعنى أن الإنسان يتوقع من الجميع أن يبادلوه كرماً بكرم وأريحية بأريحية. إنها تكديس الجمائل عند الآخرين ومحاسبتهم عليها عند الحاجة، فالإنسان يعطي طواعية حينما يكون قادراً ليكون له الحق في الأخذ حينما يكون محتاجاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.