أعتقد أن القمة الخليجية التاسعة والعشرين، التي انتهت أعمالها في العاصمة العمانية مسقط أمس، كانت أقرب إلى الواقع منها إلى التنظير السياسي التي توصف به كثير من القمم العربية، سواءً خليجية أو على مستوى جامعة الدول العربية عموماً، وقد لا أكون مبالغاً إذا ما قلت إن الخطاب السياسي السعودي في القمة كان هو الأكثر شفافية ووضوحاً وتلمساً لأرض الواقع، بعيداً عن تحويل القمة إلى مجرد بيانات نصية فقط، فقد جاء التحرك السعودي، الذي قاده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، محملاً بالكثير من الرسائل المليئة بالتسامح والتواصل والحرص على التقارب في ظل الأزمة التي تهدد المنطقة والعالم، وفي ظل حالات الاضطراب التي تشهدها بعض المناطق القريبة حد التماس مع كثير من الدول الخليجية. كما تسرب إحساس لدى كثير من المتابعين لأعمال قمة مسقط أن ثمة إجماعاً بين دول الخليج على ضرورة البحث بشكل عملي عن حل للخروج ومواجهة العديد من الأزمات التي تواجه دول مجلس التعاون، على رأسها الأزمة الاقتصادية وما خلفته من آثار وخيمة على بعض الشركات والمؤسسات الاقتصادية الضخمة العاملة في المنطقة، كما أنها شهدت كذلك حضوراً ديبلوماسياً مرتفعاً، هو الأفضل طوال سنوات مضت، تمثل في حضور قادة دول مجلس التعاون لتكون بحق قمة خليجية مميزة. واقعية القمة وعدم جنوحها للتنظير كان بادياً في تصريحات الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج عبدالرحمن العطية، الذي أوضح، بكثير من الشفافية، أن القمة هدفها الرئيس هو التركيز على القضايا الاقتصادية، وهي الأولوية التي منحتها القمة لأهم الموضوعات المطروحة، وإن كان ذلك لم يأتِ على حساب باقي الأحداث العربية الراهنة، مثل مناقشة قضية غزة وما تواجهه من مذابح بغيضة ارتكبتها القوات الإسرائيلية في حق مدنيين عُزل، ووجهت إلى صدورهم العارية طائراتها"الفانتوم"وال"إف 14"وغيرهما في معركة غير متكافئة ضد أناس لا ذنب لهم سوى أنهم ملتصقون جغرافياً بهذه الرقعة المعذبة في المنطقة"غزة". وقد كان رأي وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل حاسماً وقاطعاً بالنسبة لكثير من المراقبين المزايدين على أزمة"غزة"تحديداً، والمنتظرين لما ستسفر عنه قمة"مسقط"من قرارات خاصة بحل القضية، أو البحث عن حل لها، وقد جاء قول وزير الخارجية واضحاً حين اشار إلى أن اجتماع وزراء الخارجية الخليجيين أحال موضوع الدعوة المطروحة لقمة عربية في الدوحة إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي سيعقد اليوم في القاهرة، فالقضية في الأخير هي قضية عربية عامة ولا تقتصر فقط على منطقة الخليج، وجاء الكلام واضحاً وشفافاً أيضاً على لسان وزير الخارجية حين قال"إن اجتماع القاهرة سيبحث في إمكان عقد قمة عربية يمكن لها أن تتخذ قرارات محسوسة، وأنه لا جدوى من حضور قمة بيانات عربية لا تتوافر لها شروط النجاح والتأثير"، وهي الجزئية التي توقف عندها كثير من المحللين السياسيين، فهي رسالة تحمل في طياتها الكثير من الرغبة في البحث بشكل فعلي وعملي عن حل للأزمة وليس التزايد أو التشنج أو توجيه التهم وتدعيمها، أو التلاعب بعواطف الشارع العربي وإظهار عنتريات في غير محلها. إن أهم ما ميّز قمة"مسقط"الأخيرة هو الخطاب الديبلوماسي الذي شهدته القمة، والذي عكس رغبة حقيقية من قادة المنطقة في الوصول بشكل عملي إلى حل فعلي لكثير من الأزمات الخليجية الحاصلة داخل المجتمع الخليجي، خصوصاً الاقتصادية والأمنية منها من جهة والأزمات والقضايا العربية عموماً من جهة أخرى، حتى في النقاط التي كانت لبعض الدول تحفظات عليها تم مناقشتها في جو ساده التفاهم والاتفاق بشكل عام على ضرورة التقارب والإيمان بالمصير المشترك، وأيضاً المسؤولية المشتركة. [email protected]