لفت نظري أثناء قراءتي لآيات الصيام في سورة البقرة قول الله تعالى:"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"، ما جعلني أتساءل عن حكمة إيراد هذه الآية في معرض ذكر شهر رمضان وليالي الصيام، وما ذاك إلا لإرشاد العباد إلى أن شهر رمضان من أعظم الفرص لإجابة الدعاء، وأن هناك صلة وثيقة بين رمضان والإجابة. وما أعظم هذه الآية لمن تأملها ففيها إضافة العباد إلى الله"عبادي"، والرد المباشر عليهم منه، إذ لم يقل:"فقل لهم إني قريب"، وإنما تولى بذاته العلّية الجواب على عباده بمجرد السؤال"قريب"، ولم يقل: أسمع الدعاء، إنما عجل بالإجابة"أجيب دعوة الداع إذا دعان". إنها لآية عظيمة تسكب في قلب المؤمن الود المؤنس، والرضا المطمئن والثقة واليقين، لكن للإجابة شروطاً ينبغي للسائل أن يتأدب بها ويلتزمها"فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"، فاستجابة الله للعباد مرجوة حين يستجيب العباد له، ولاشك أن من استجاب لله سيحصل له الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، وما أجمل أن يرى الصائم أثر طاعته وحبس نفسه في قربه الخاص من ربه، وتحقيق الله له مراده. أخرج البيهقي بسند صحيح من حديث أبي هريرة مرفوعاً:"ثلاث دعوات مستجابات"وعدد منها دعوة الصائم، وروى البزار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة يعني في رمضان وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة"، وصحح الحديث الألباني، ومن ظاهر النصوص النبوية يُلحظ أن أحرى وقت للإجابة وقت الفطر، وقد روي"إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد"، وما ذاك إلا لأن هذا الوقت وقت للكرم الإلهي الذي يجود فيه الرحيم الكريم بعتق العباد من النار. وفي سنن ابن ماجة بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن لله عند كل فطر عتقاء وذلك كل ليلة"، فهل مشاعر الإيمان والرجاء تتحرك في وقت الفطر لتستشعر النفحات الإلهية والكرم الرباني فتردد من قلب مخبت خاشع اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، أم أن معترك الحياة، وصخب العمل أخذ منا كل مأخذ؟ فنجد السيدة في مطبخها اشتغلت بإعداد مأدبة الإفطار، والرجل خالط عينه النعاس، أو أنه أمام القنوات اشتغل بمتابعة البرامج والأحداث، والصغار والكبار في شغل عن سويعات قصيرة يتجلى فيها كرم الرب وغفلة العبد، إن علينا أن نعد أنفسنا لاستغلال المواطن التي ترجى فيها الإجابة لنسأل الكريم ونحن موقنون بأن الله تعالى يستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله خيراً فيردهما خائبتين، كما أخرج ذلك الترمذي عن رسول الله، وموقنون أيضاً بحديث عبادة بن الصامت عن رسول الله:"ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة إلا أتاه الله إياها، أو كف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"، لكن علينا ألا نَعجل، لأن الله سبحانه يقدّر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم، والذي هو عين الصواب والحكمة. يقول ابن القيم"وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب، وجمعه بكليته على المطلوب، وصادف وقتاً من أوقات الإجابة الستة، وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضي الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعاً في القلب، وانكساراً بين يدي الرب، وذلاً وتضرعاً ورقةً واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم بالصلاة على محمد عبده ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبداً"تقبل الله من المسلمين دعاءهم، وحقق للجميع سؤلهم". [email protected]