تشكل استطلاعات الرأي لدى دول العالم الأول، مؤشراً مهماً لقياس توجهات المجتمع اتجاه أي موضوع له مساس بحياة معظم الجماهير. وعلى عكس ذلك تفتقد الاختبارات المسحية واستطلاعات الرأي في دولنا العربية، خصوصاً الخليجية الصدقية ومطابقة الواقع. ما زاد أوضاع الاستطلاعات سوءاً ما تمارسه بعض وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت من"إهانة"للاستطلاعات، إذ تقدمها مشوهة ولا تتوافر فيها المعايير الأساسية للاستطلاع، إلى جانب اعتمادها على"سؤال واحد"، لا يمكن أن يعطي نتيجة حقيقية أو مؤشرات صادقة. وأيضاً، نقص الوعي وانعدام المبالاة بالاستبانات التي يوزعها الباحثون والمختصون، خصوصاً تلك التي توزع على طلبة المدارس والجامعات، يعتبر مبرراً رئيسياً لعدم القدرة على الاستناد إليها للتطبيق على الواقع. ويعود مقياس جودة وصدقية البحث إلى طريقة وضع أسئلة للموضوع المراد قياسه، إضافة إلى اختيار العينة المطبق عليها البحث، واعتماد طرح السؤال الواحد من غير المختصين في بعض وسائل الإعلام المختلفة، وصولاً إلى الثقافة السائدة لدى الكثير من أفراد المجتمع وعدم الوعي بأهمية تحري الصدق في اختيار الإجابة. أبدت فهدة المسعود 23 عاماً استغرابها من إجابة شقيقها 9 أعوام على استبانة لباحث دكتوراه عن العنف ضد الأطفال قائلة:"إجاباته كانت مغايرة للواقع، حيث رسم صورة مثالية لطريقة معاملته في المنزل، فعندما قرأتها للمرة الأولى توقعت أنه يحلم بأن يعيش تلك الحياة، ولكن بعد سؤالي له أجاب: هذه خصوصياتنا، ولست مجبراً على قول الحقيقة، وتساءل إن كنت أريده أن يفشي أسرار المنزل". استغراب المسعود لم يقف عند إجابات شقيقها فقط، بل على رد فعل والدتها عندما سمعتها تطلب منه أن يجيب بصدق لتتفاجأ برفض والدتها أن يجيب كما طلبت منه. وتؤكد نوف العويس أن عدم الإجابة بصدق، عادةً تعوّد عليها الكثير بسبب عدم الوعي،. وتقول:"في المدرسة كنا نجهل الكثير من المعلومات الشخصية أو الاجتماعية وبعض طرق التواصل، وعندما نخبر بعض المعلمات، يقلن لنا اكتبي أي إجابة ولا تهتمي، المهم أن تكملي جميع الفراغات"، وحمّلت العويس الأهل جزءاً من المسؤولية في عدم ترسيخ الوعي الكافي بأهمية هذه البحوث. وتقول باحثة الماجستير نهاد إسماعيل 25 عاماً:"شعرت بمعاناة الباحثين، وبأهمية الصدق في الإجابة عن أسئلة الاستبانات عندما بدأت رحلتي مع رسالة الماجستير، التي تتطلب تحري الدقة والصدقية، وتوزيع أكبر عدد ممكن من الاستمارات، للوصول إلى نتيجة واقعية، وبخاصة أن إجابات الكثير لا تكون صادقة، ولا تمثل واقعهم واتجاهاتهم". وتضيف:"لم أذكر أنني تعاملت مع هذه الاستبانات بطريقة جدية". واستنكر أستاذ علم النفس في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالرحمن الطريري استطلاع الرأي الذي يقوم به بعض وسائل الإعلام في طرح سؤال واحد فقط، فقال:"طرح سؤال واحد عبر وسائل الإعلام المختلفة، واحتساب الإجابة عن هذا السؤال طريقة مضللة للحقائق". وأضاف:"إن عدم توافر الصدقية التامة في الاستبانات يعود لأسباب عدة أهمها اختيار عينة للبحث مماثلة للمجتمع الذي تطبق عليه الاستبانة، إضافة إلى أهمية اختيار أدواتها ومناسبتها لمستوى العينة". مؤكداً أن للثقافة السائدة في المجتمع دوراً كبيراً في تضليل الإجابة. وتشكل الثقافة السائدة أو الخوف من حساسية المواضيع المطروحة في الاستبانات أهم العوائق التي تعطل تطور ثقافة البوح بالأفكار، والعلاقات الأسرية، أو الاجتماعية لدى المجتمع، وهو ما يخلّ بصدقية الاستبانات.