الواقع المقلق الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية هو نتيجة حتمية لذلك القيد المفروض على ثقافتنا العربية على شكل عقد من الزينة نتجمل به بين الحين والآخر، معتقدين أن اللجوء إلى الوسائل الإعلامية التعويضية هو خير سبيل لإخفاء قصور أطرافنا أو المفقود منها في حقائق الإنجاز والتشهير! هذا التقديم هو الوسيلة المثلى لإبراز الحقائق المهجورة عن قصد في ثقافتنا المجتمعية في موضوع"البروز"كفكرة، فعندما تتدافع إنجازات شخص ما في مجتمع عربي لتجعله بارزاً في موضوع ما أو شأن ما أو قضية ما، فإن هذا البروز هو استحقاق لهذا الشخص وإحدى ممتلكاته التي يعد المساس بها ضرباً من ضروب"اغتيال الشخصية"، أما إذا أراد شخص ما أن يتشبث بفكرة البروز من دون رصيد من الإنجازات، بل وأن يصبح بارزاً بفعل الطعن بإنجازات الآخرين، فهذا البروز يُعد خيانة لأمانة الانتماء إلى الأمة والمجتمع، وهو بهذه الفعلة لا يقوم"باغتيال شخصية"بل"اغتيال وطن". المصادفة الغريبة في موضوع"البروز"أن الإنجازات التي يحصدها الشخص للوطن وأبناء الوطن تدفعه إلى"الشهرة"، أما الإنجازات التي تحصد على أكتاف الوطن وعلى حساب أبنائه فهي تدفع صاحبها إلى"التشهير"، فالقادة العظام الذين جابوا الأرض فتوحات باسم الإسلام والسلام، والذين وحدوا كلمات الأمة في كلمة واحدة عبر رسالة التوحيد نالوا"الشهرة"، كما أن الممارسات اللا أخلاقية التي استخدمت لأغراض الجاسوسية الخبيثة نالت"الشهرة"أيضاً، ولكن شتان بين شهرة وشهرة! الشهرة التي تتوحد في كلمة البروز هي التي يكون أصحابها ذوي شخصيات تلقائية يعملون بصمت ليتحدث عنهم الغير في العلن، وينجزون بجهود مضنية فيُقدر الغير لهم هذه الإنجازات، أما الشهرة التي مصدرها الفراغ الفكري والقصور الثقافي فهي لا شك شهرة الشخصيات المفروضة على المجتمع، والمجتمع الذي لا يلفظها هو مجتمع متخاذل، يحارب الإنجازات الحقيقية، ويصفق للإنجازات الوهمية التي لا تتعدى الإطار الإعلامي والإعلاني الذي وضعت به. من حق كل منّا أن يكون على جانب من عدم الوفاق أو نوع من الاعتراض على ذوي الشهرة، وأن يفند الزائف من دواعي هذه الشهرة، وهذا الأمر يدخل في باب الشفافية والمكاشفة، أما عدم الوفاق أو اتخاذ جانب من العداء لمن دفعت بهم إنجازاتهم وفي مقدمها الوطنية إلى الشهرة والانطلاق بحيث تعتبر شخصياتهم شخصيات عامة اكتسبت هذا الإطار من واقع الإنجاز الحقيقي الموثق من دون استعانة بجاه أو مال أو سلطة أو إعلام، فهو بلا شك أقرب ما يكون إلى الانفصال والانسلاخ عن قيم ومبادئ التنمية الإنسانية، وهذا الانقياد سيقود بلا شك إلى أقرب ما يكون بالخيانة الخاصة التي لا دافع لها إلا الإحساس بالفشل. كلنا يدرك أن هناك دائماً أعداء للنجاح، يلبسون ثوب التخاذل العاري من دون خجل أو استحياء، ويدفعون بنار الفتنة نحو الناجح، ثم يدفعونها أكثر نحو النجاح، ثم أكثر قليلاً نحو إنجازات النجاح، ثم نحو مفاهيم الإنجاز والنجاح، ليدمروا بذلك فكر وطن بأكمله، فما معنى أن يكون هناك وطن بلا نجاح أو ناجحون وبلا إنجاز أو منجزون؟! إنه وطن لا يتعدى خريطة الورق! المنجزون بهذا المعنى في مجتمعاتنا العربية، هم الناجحون كلٌّ في مجاله، والناجحون هم البارزون، والبارزون هم ثروة قومية قبل أن تكون وطنية، وهم لا يستحقون منّا إلا كل تقدير ودعم، فإلى متى سيبقى المرتجفون يخافون من هذا النجاح؟ أ.د. محمد الطريقي - الرياض +"المشاريع الصغيرة"... الواقع والمأمول لفتت التجربة الصينية في اتباع سياسات وإجراءات تدعم قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة لديها، الأمر الذي أدى إلى تطور هيكلها الصناعي ككل وتبوئها مكانة اقتصادية مهمة، أنظار العالم إلى تلك التجربة وأهمية الدور الحيوي الذي يقوم به قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الحياة الاقتصادية ككل. فعلى المستوى العالمي ذكرت الدراسات الاقتصادية أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تستحوذ على نحو 80 في المئة من إجمالي الأنشطة الاقتصادية في معظم البلدان الصناعية وغير الصناعية، كما تسهم بنحو 40 في المئة من صادرات تلك الدول. ومن هذا المنطلق كان الاهتمام السعودي بقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة. والمشاريع الصغيرة، هي تلك التي يعمل بها أقل من 10 موظفين ولا تتجاوز أصولها مليون ريال، أما المتوسطة الحجم، فهي تلك التي يعمل بها من 10 إلى 49 موظفاً وتتجاوز أصولها المليون ريال. وعلى رغم أن الاهتمام السعودي بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة جديد نوع ما إلا أن المملكة حرصت على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، الأمر الذي جعل خطواتها ثابتة وقوية في ذلك الاتجاه، فقد قامت الحكومة بدعم تلك المشاريع من خلال الكثير من المؤسسات، منها ما يأتي: 1- بنك التسليف والادخار السعودي، يقوم بتمويل وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتم رفع رأسمال البنك من خمسة ملايين ريال عند إنشائه إلى ستة بلايين ريال في الوقت الحالي لاستيعاب أكثر قدر ممكن من تلك المشاريع. 2- صندوق التنمية الصناعية السعودي، تم إنشاؤه عام 1394ه برأسمال بلغ 20 مليون ريال عام 1426ه، مقارنة ب500 مليون ريال عند بدء عمله، لتقديم قروض ميسرة متوسطة وطويلة الأجل لمشاريع القطاع الخاص، إضافة إلى تقديم الدعم الإداري والمالي والفني لتلك المشاريع، ويقدم الصندوق الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال برنامج كفالة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والذي يقوم بكفالة التمويل الذي تقدمه البنوك التجارية المشاركة في البرنامج للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بما يصل إلى 50 في المئة من مبلغ التمويل المؤهل للكفالة. 3- السعي نحو تأسيس حاضنة أعمال للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بالمملكة، إذ يسهم في مواجهة التحديات والمشكلات التي تواجه تلك المنشآت، إضافة إلى تشتت الدعمين المالي والفني المقدم لتلك المشاريع من الجهات الكثيرة. 4- صندوق المئوية، والذي يقدم خدمات التمويل الكلي أو الجزئي للمشاريع من خلال قروض حسنة، تتراوح قيمتها بين 50 و200 ألف ريال، وخدمات إرشادية لصاحب المشروع مثل تنمية قدراته ومهاراته، وخدمات تسهيل الإجراءات الحكومية من استخراج سجلات وتراخيص وغيرها. كما توجد مؤسسات أخرى تقوم بتقديم الدعم لتلك المشاريع كمؤسسة الملك عبدالعزيز لرعاية الموهوبين، صندوق الموارد البشرية، الغرف التجارية في أنحاء المملكة، بعض الأجهزة المصرفية، وهذا الاهتمام من جانب القيادة السعودية أدى إلى تبوأ تلك المشاريع لمكانة مهمة في الواقع الاقتصادي السعودي، فقد مثلت المشاريع الصغيرة والمتوسطة نسبة 93 في المئة من إجمالي تعداد المؤسسات الخاصة، كما تسهم في توظيف نحو 82 في المئة من حجم القوى العاملة في المملكة، وتمثل نحو 90 في المئة من حجم الاقتصاد الوطني السعودي، ومن المنتظر أن تشهد تلك المشاريع نمواً أفضل في الفترة المقبلة نظراً إلى ما تسعى له القيادة السعودية. - مستشار اقتصادي