هل يمكن إعطاؤنا نبذة تاريخية موجزة عن تطور صناعة الأسمنت في المملكة؟ - في الواقع، المملكة تعتبر من أوائل الدول الخليجية التي اهتمت بصناعة الاسمنت، وتطورت هذه الصناعة على أربع مراحل: المرحلة الأولى التي تم فيها إنشاء أول مصنع للأسمنت في المملكة عام 1958، شركة أسمنت العربية في جدة، وبلغ الإنتاج عام 1961 بدخول"أسمنت السعودية"في المنطقة الشرقية نحو 667 ألف طن، وفي عام 1968 دخلت"أسمنت اليمامة"الإنتاج في المنطقة الوسطى، وبلغ إجمالي إنتاج الأسمنت في عام 1978 قرابة مليوني طن سنوياً. المرحلة الثانية: في نهاية السبعينات والثمانينات من القرن الماضي تم تأسيس شركات جديدة للأسمنت في المناطق المختلفة، وتم توزيعها جغرافيا على جميع مناطق المملكة. أما المرحلة الثالثة في التسعينات من القرن الماضي، فتمت زيادة الطاقة الإنتاجية للشركات لتصل لنحو 21 مليون طن من الكلنكر. وفي المرحلة الرابعة الذهبية لتطور هذه الصناعة 2004 - 2008، بدأت التوسعات الضخمة الكبيرة، المتمثلة في مضاعفة الطاقة الإنتاجية للمصانع الحالية، ودخول شركات جديدة، وفتح المجال أمام تأسيس شركات أخرى للأسمنت في المملكة. ما الهدف من التوزيع الجغرافي لهذه المصانع على مختلف مناطق المملكة؟ - كما هو معروف للجميع، فإن القيادة الرشيدة في بلادنا رسخت في الواقع مبدأ توطين الصناعة ونشرها في جميع المناطق، وعدم حصرها في منطقة واحدة، لكي يعم الخير والنماء جميع المناطق، ولتلبية الطموحات والحاجات لإنجاح الخطط التنموية وتطوير البنى التحتية في المملكة، لذا جرى توزيع هذه المصانع على مختلف مناطق المملكة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى توافر المواد الخام اللازمة لهذه الصناعة في تلك المناطق. تحدثتم عن المرحلة الذهبية أو مرحلة التوسعات الضخمة ودخول الشركات الجديدة، فهل يمكن تسليط الضوء على هذه المرحلة؟ - في الحقيقة الطاقة الحالية لمصانع الأسمنت في المملكة - وهي ثماني شركات - تقدر بنحو 23 مليون طن من الكلنكر، وطبقاً لمشاريع التوسعات القائمة حالياً والمخطط لها، ستبلغ الطاقة الإنتاجية للمصانع الحالية قرابة 40 مليون طن من الكلنكر سنوياً تقريباً، في نهاية عام 2008 على أبعد تقدير. والشركات الجديدة أو المصانع الجديدة تتمثل في: شركة أسمنت الرياض مليونا طن، أسمنت نجران 3 ملايين طن، أسمنت الشمال مليونا طن، أسمنت المدينة مليونا طن، أسمنت المتحدة مليونا طن، أسمنت الصفوة الخياط 1.5 مليون طن، فإنتاج هذه الشركات يصل لنحو 12 مليون طن من الأسمنت سنوياً، ستكون في السوق اعتباراً من منتصف العام الحالي. وهناك شركات جديدة أيضاً ستدخل السوق بين عامي 2009 و2010، هي: أسمنت الجوف 1.5 مليون طن. ومن المتوقع وصول الطاقة الإنتاجية قبل نهاية العقد الحالي إلى 65 مليون طن تقريباً. تمر صناعة الأسمنت بالعديد من المتغيرات والعرض والطلب، كيف تقوّمون هذه المتغيرات؟ - أعتقد أنه من الصعب تقويم حجم الطلب المتوقع على الاسمنت خلال الاعوام المقبلة، إذ يعتمد ذلك على مدى الانعكاس الناتج من ارتفاع اسعار النفط على الاقتصاد المحلي، ولكن اذا تم أخذ السنوات الاخيرة في الاعتبار، فإن نمو الطلب لم يتعد نسبة 5 - 6 في المئة، أي بمعدل زيادة سنوية مليون طن، ويمكن مقارنة ذلك بالعدد الهائل في طاقة المصانع الجديدة المزمعة إقامتها - الزيادة من المصانع الجديدة تصل الى 40 مليون طن في نهاية 2008. هل يعني هذا أن الطاقة الإنتاجية الضخمة التي تتحدثون عنها ستلبي حاجة الأسواق المحلية المستقبلية؟ - أود التذكير هنا بأن مبيعات شركات او مصانع الاسمنت في المملكة خلال السنوات الثلاث الماضية تمحورت حول 25 مليون طن سنوياً عام 2004 = 24 مليوناً تقريباً، عام 2005 = 24 مليوناً ونصف المليون تقريباً، عام 2006 نحو 25 مليون طن تقريباً، وفي نظرنا فإن الاستهلاك المتوقع للسنوات المقبلة ستتم تلبيته من الطاقة الانتاجية الكبيرة المتوافرة، وهي نحو 59 مليون طن في 2009 2010 على أبعد تقدير. والفائض المتوقع في الانتاج سيتم تصديره للدول المجاورة وللسوق العالمية، إذ تتوافر لدى المملكة الموانئ المجهزة بأحدث المعدات التي تساعد في هذا المجال. تتحدثون عن توسعات ومصانع جديدة وفائض كبير في الإنتاج، ما تقويمكم لوضع المنافسة الداخلية بين الشركات القديمة والجديدة، وهل سيكون هناك تنافس داخلي بين هذه الشركات؟ - في الحقيقة هناك رأيان في هذا المجال بالنسبة إلى الشركات الحالية: الرأي الأول الشركات أو المصانع الحالية وهي التي تتمتع بمقدرة فائقة على المنافسة وتحمل التقلبات والمنافسة محلياً أو خارجياً، لانتهاء أو انخفاض الاستهلاك في مصانعهم أو انتهاء الاستهلاك. أما الرأي الثاني بالنسبة إلى هذه الشركات الحالية، فإن مصانعها في حاجة ماسة للصيانة، ومصاريف قطع الغيار والصيانة عالية جداً، وتأكل جميع الفروق بين الشركات الجديدة والقديمة. لذلك رأينا بعض هذه الشركات تقوم بإضافة خطوط جديدة وتوسعات أيضاً، ما يؤكد صدقية هذا الرأي. وفي شأن الشركات والمصانع الجديدة، فهي لا تقل مقدرة على تحمل أعباء المنافسات المحلية بضبط المصاريف وتحسين الأداء وكفاءة الإنتاج، وهي ما نعول عليه. لذلك لا نرى أبداً، أو بمعني آخر لا تلوح في الأفق أية بوادر لدى أية شركة أو مصنع، للانجرار إلى التنافس في السوق المحلية، وستتم - بمشيئة الله - تغطية حاجة السوق كاملة بسلاسة وتعاون بين جميع الشركات، لما فيه مصلحة المواطن واستقرار الأسواق. ما مرئياتكم حول قطاع التشييد والبناء في المملكة؟ - في الحقيقة قطاع الإنشاء والتعمير في السعودية يعتبر المقياس الحقيقي لمستوى النشاط الاقتصادي، أسوة بغيرها من الدول، فالمملكة كأكبر منتج للنفط، تعتمد على النفط كمورد أساسي، ولقد عملت المملكة جاهدة لتنمية الصناعة ودعمها باعتبارها أحد مرتكزات خطط التنمية الرامية لتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر أحادي للدخل، وبلغ إجمالي حجم الاستثمارات في هذا القطاع نحو 1.5 تريليون ريال، وهو ما يعادل 60 في المئة من حجم الاستثمارات الموجهة في قطاع صناعة مواد البناء في المملكة، كما هو في إحصاءات نهاية عام 1418 ه مؤسسة النقد. وهناك ارتفاع ملحوظ في معدلات المواليد في المملكة، إذ تتراوح نسبة الذكور أو الذين هم تحت 16 عاماً ما يقارب 60 في المئة من إجمالي عدد السكان، البالغ تقريباً 24 مليون نسمة، وكذلك زيادة النمو في عدد السكان، إذ تعتبر المملكة من أعلى الدول في معدل النمو السكاني، ويصل معدل النمو السكاني الطبيعي حالياً إلى 2.9 في المئة، مقارنة بالمعدل العالمي الذي لا يتجاوز 1.1 في المئة، مع الإشارة إلى أن الجهات المعنية تتوقع نمواً سكانياً بواقع 3.5 في المئة سنوياً في السنوات العشر المقبلة. ويشهد هذا القطاع نمواً وازدهاراً نظراً إلى ارتفاع العائدات من النفط، وأشار تقرير لوزارة التخطيط إلى أن متوسط حجم الاستثمارات السنوية في قطاع البناء والتشييد في المملكة بلغ 75 بليون ريال سعودي خلال السنوات الخمس الماضية. وشكلت مساهمة القطاع العام نسبة 60 في المئة من حجم هذه الاستثمارات، ونسبة 40 في المئة هي مساهمة القطاع الخاص، كما رُصد في موازنة 2004 مبلغ 230 بليون ريال يُنفق على نشاط المصانع والمستشفيات وبناء الوحدات السكنية، وكذلك دعم صندوق التنمية العقارية بمبلغ 11 بليون ريال لتلبية حاجات المواطنين من السكن. هل انصراف المواطنين حالياً للاستثمار في قطاع العقار ناجم عن التدهور والصدمة التي مني بها المستثمرون في سوق الأسهم؟ وما تأثير ذلك في سوق الاسمنت في المملكة؟ - في الحقيقة، الاستثمار في قطاع العقار من أنجع وأضمن الاستثمارات على المدى البعيد، وهو يزيل عبء مخاوف التعرض للانهيار الذي حصل في الأسهم، ونأمل بأن يكون لهذا القطاع أثره الكبير في سوق الاسمنت، وجميع الدلائل تشير إلى الحاجة الماسة للاستثمار في هذا المجال لتلبية حاجات النمو السكاني المتزايد، والتطور الحضري أيضاً، وهذا ما يدفعنا للتفاؤل بمستقبل قطاع الأسمنت. ما التغيّر المطلوب لسوق الاسمنت لكي تواكب المتغيرات العالمية، خصوصاً بعد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية؟ وما تقويمكم لقدرة شركات الاسمنت السعودية على تحمّل المنافسة بعد تحرير التجارة؟ - يجب أن نضع في اعتبارنا أن انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية سيكون مكسباً كبيراً للصناعة المحلية، وذلك بدفعها للعمل طبقاً لمعايير دولية ترفع من شأنها، ممثلة بالالتزام بالجودة العالية وضبط التكاليف وكفاءة التشغيل والإنتاج، لكي تستطيع هذه الصناعات أن تسهم في تلبية حاجات المواطنين وصرف نظرهم عن المنتج الأجنبي. من هنا نرى أنه لا خوف على الصناعات الصغيرة والمتوسطة أمام التكتلات الاقتصادية، إذ إنها بالتزامها بمبدأ الجودة والنوعية تستطيع الحفاظ على أسواقها. وستضطر هذه المصانع الصغيرة والمتوسطة للتعاون في ما بينها لتبادل الخبرات وتطوير الإنتاج، بما يكفل الوقوف أمام التكتلات الكبيرة أو البضائع الخارجية. ومن إيجابيات الانضمام أن اتخاذ المملكة قرار رفع الرسوم الجمركية على واردات الأسمنت خطوة ممتازة، وأن تأثير رفع الرسوم الجمركية محدود، على الأقل في الفترة الحالية، وذلك لارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية، سواء بالنسبة إلى أسعار الاسمنت أو الكلنكر، والدليل على ذلك الكميات المتواضعة التي تم استيرادها خلال العامين الماضيين، على رغم الطلب المرتفع نسبياً على استهلاك الأسمنت. ويمكن حصول تأثير لو حصل العكس طبعاً في تدني أسعار الأسواق العالمية وتدني الطلب العالمي، عندها ستتم عمليات إغراق للسوق السعودية، ما يؤدي طبعاً للمنافسة مع المصانع المحلية، ويؤثر سلباً على أرباح شركات الأسمنت، وبالتالي يؤثر في سوق الاسمنت، خصوصاً عند غير المضاربين على الأسهم، الذين يعتمدون على موازنات الشركات ومشاريعها لا على الإشاعات. ونتوقع أن يتم إنشاء تكتلات في صناعة الأسمنت اندماج بين الشركات في المناطق، لتحقيق التعاون، وللوقوف أمام المنافسة الدولية في المستقبل. ما دواعي الإقبال الواضح من بعض رجال الأعمال على الاستثمار في بناء مراكز التسوق؟ - تشهد بلادنا ولله الحمد نمواً اقتصادياً يفوق 4.6 في المئة، وهذا النمو معناه وجود توسع اقتصادي، ولأن سكان المملكة يتزايدون سنوياً، مع ارتفاع مستوى معيشة المواطنين في المملكة، يزداد الطلب على مختلف الأنشطة الاقتصادية، ولذا تزداد الاستثمارات في مختلف القطاعات لتواكب هذا النمو في الطلب المرتبط بزيادة السكان وارتفاع مستوى المعيشة. + { قال رئيس مجلس إدارة شركة أسمنت الرياض الأمير فيصل بن عبدالمجيد بن عبدالعزيز، إنه على رغم ضخامة إنتاج مصانع الأسمنت في السعودية إلا أن المشاريع المطروحة حالياً ستستهلك كامل الكميات المنتجة للسنوات المقبلة، وذلك قياساً إلى نسبة النمو العالية خلال فترة التنفيذ لهذه المشاريع. واستبعد حدوث أية ضغوط، سواء على الأسعار أو التسليمات، وسيبقى باب التصدير لدول الجوار السبيل الوحيد لتصريف أي فائض في حال توافره - بحسب رأيه. واعتبر أن قطاع الإنشاء والتعمير في السعودية هو المقياس الحقيقي لمستوى النشاط الاقتصادي، أسوة بغيرها من الدول، مشدداً على أن الاستثمار في قطاع العقار من أنجع وأضمن الاستثمارات على المدى البعيد، مشيراً إلى أن ذلك يزيل عبء مخاوف التعرض للانهيار الذي حصل في الأسهم. وأعرب في حوار مع"الحياة"عن أمله في أن يكون لهذا القطاع أثره الكبير في سوق الأسمنت، خصوصاً أن جميع الدلائل تشير إلى الحاجة الماسة للاستثمار في هذا المجال، لتلبية حاجات النمو السكاني المتزايدة والتطور الحضري أيضاً، وهذا ما يدفعنا للتفاؤل بمستقبل قطاع الأسمنت. وإلى التفاصيل: