التنوع الجغرافي والمناخي داخل حدود الوطن قوة هائلة وجاذبة للاستثمار وتوطين صناعة السياحة متى ما توافرت الإرادة والتخطيط الاستراتيجي وأساليب الدعم لاستغلال مكامن هذا التنوع، كما أن المتغيرات على كوكب الأرض تحتم علينا تغيير نمطية التفكير حتى نستطيع استيعاب مختلف الأذواق والاهتمامات، لإشباع رغبات أكثر من 25 مليوناً يعيشون على هذه الأرض المترامية الأطراف، يدفعها نمو سكاني هو الأسرع على مستوى العالم. أجزم بعدم إمكان تطوير السياحة وصناعتها إذا أسرنا أنفسنا داخل دائرة ما يسمى بالعوائق الاجتماعية، وما دمنا لم نضع رؤية واضحة ومخططاً شاملاً لكل منطقة تبرز فيها الأماكن المستهدفة، مع تركيز على عناصر القوة والإمكانات الطبيعية والتاريخية والجمالية التي تتمتع بها، وهذه الرؤية في التخطيط تحتاج إلى تبني ودعم الدولة، من خلال تقديم الحوافز وإنشاء البني التحتية السياحية الجاذبة للاستثمار، ولا أرى ما يمنع من إنشاء مؤسسة مالية تقوم على الدعم والمشاركة في الاستثمارات السياحية بطريقة مماثلة للدور الذي يقوم به صندوق الاستثمارات العامة. «ربوع بلادي.. علينا بتنادي.. تقول تعالوا شوفوني يا ولادي»، دعوة أطلقها المُنشد منذ أكثر من 30 عاماً، وعندما نستجيب للدعوة ونذهب متلهفين لرؤية أماكن المتعة في الوطن، نصطدم بحركة السلحفاة في التطوير السياحي على الأرض، مع أننا غرقنا من سماع الأحلام والخطط وصدور الأنظمة والعروض المعلوماتية. عندما زرت جزيرة فرسان الأسبوع الماضي في رحلة عمل، تكشفت لي حقيقة غياب الرؤية في التخطيط، فجزيرة فرسان الكبرى واحدة من 150 جزيرة متوسطة وصغيرة، وتبعد 42 كيلو متراً عن مدينة جازان، وتبلغ مساحتها حوالى 370 كيلومتر مربع، يقطنها حوالى 20 ألف نسمة وتأتي جزيرة السقيد (فرسان الصغرى) الثانية من حيث الوجود السكاني والمساحة التي تبلغ حوالى 109 كيلو مترات مربعة. سواحل جزائر فرسان تتميز بغناها بمصائد اللؤلؤ والأسماك، وتنوعت فيها الحياة المرجانية والأحياء المائية من رخويات وقواقع، إلى جانب ذلك كله، فهي تعتبر مناطق غنية بمادة العنبر الخام الذي يشكل وجوده على سواحلها مصدراً من مصادر الرزق لسكانها الذين يمارسون هواية البحث عنه في موسم الشتاء، وتحوي محمية جزر فرسان العديد من الحيوانات، أهمها الغزلان، وأنواع كثيرة تصل إلى الآلاف من الطيور معظمها بحرية، والغطاء النباتي يتكون من أشجار الشورى التي تنمو في الخلجان المحمية من الأمواج البحرية الشديدة، وهناك الشعاب المرجانية والسلاحف والدلافين التي يمكن مشاهدتها في خليج جنابة في منظر بحري جذاب. جمعت شراكة الطاقة المتجددة في جزيرة فرسان، الشركة السعودية للكهرباء، وشركة أرامكو السعودية، وشركة شواشل اليابانية بمساندة من الحكومة اليابانية، وتمخضت هذه الشراكة عن تدشين أول محطة إنتاج مستقل لإنتاج الكهرباء باستخدام الخلايا الكهروضوئية التي تعتمد على الطاقة الشمسية. أثارت هذه التجربة الناجحة على رغم محدودية حجم المشروع، سؤالاً أقلقني طوال الرحلة ولا يزال يشغل بالي؛ لماذا لم يتم التخطيط لجزيرة فرسان لتكون جزيرة صديقة للبيئة؟ وما المانع من أن تكون جزيرة خضراء لتنظم إلى المدن والمناطق العالمية الخضراء التي بدأت تنتشر في العديد من دول العالم، بخاصة أن جزيرة فرسان تمتلك من المقومات الطبيعية والبيئية ما يؤهلها لذلك؟! وما الذي سيعيق الهيئة العامة للسياحة والآثار عن الإعلان عن وضع جزيرة فرسان ضمن برنامج لإعادة تأهيلها وتخطيطها واستهدافها لتكون أول منطقة خضراء في المملكة، والبدء بتنفيذ البرنامج التخطيطي بالتعاون مع المجلس الأميركي للمباني الخضراء، أو الخبرات السويدية أو الألمانية أو الصينية المالكة لتجارب سابقة؟! المدن الخضراء بأبعادها الاقتصادية والتكنولوجية وأهدافها الحيوية، إذا بدأنا بتطبيقها ستُعزز من مفاهيم المدن الخضراء والتوعية باستخدام المنتجات الصديقة للبيئة، وعندما تكون جزيرة فرسان خالية من الكربون، ومطبق فيها أسلوب الحياة والاقتصاد الأخضر، والفنادق والمباني الخضراء والنقل الأخضر، مع الاستفادة من الطاقة البديلة التي لا تبعث ثاني أكسيد الكربون في الجو، سيتوافر لدينا داخل حدود الوطن منطقة جاذبة للقاصي والداني لحاجة الإنسان الماسة للاسترخاء وقضاء إجازته في مكان خال من الصخب والتلوث الذي طوق حياتنا المدنية المعاصرة، ولن نحتاج إلى من يقنعنا ويدفعنا لزيارتها للاستمتاع بجمال طبيعتها وامتياز تفردها. ولأن هذا المشروع الذي أرى جدواه وجدارته من المكتسبات الوطنية، فإن دعم الدولة ومشاركة الشركات الكبرى في المملكة كشركة أرامكو وشركة سابك والشركة السعودية للكهرباء، وشركات الاتصالات والهيئة الملكية للجبيل وينبع وغيرها، في الدعم والمساندة تخطيطاً وتنفيذاً، والمبادرة بتشجيع المستثمرين من خلال الالتزام بإقامة بعض المؤتمرات والندوات وبرامج التدريب في جزيرة فرسان سيسهم في نمو وتوسع صناعة المناسبات والمؤتمرات في هذه الجزيرة الحالمة، كما أن هناك أمراً جديراً بالاهتمام وهو التدريب على كيفية إدارة المدن الخضراء، ونشر ثقافة التعامل والاستخدام حتى تكتمل منظومة الرؤية والتخطيط. خاطرة يابانية في التخطيط للمستقبل: أجاب مسؤول في الوفد الياباني – المشارك في تدشين محطة فرسان لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية – على سؤال حول هدف الحكومة اليابانية من مساندة هذا المشروع ومشاركة شركة يابانية في تمويله، فقال: «نهدف من وراء ذلك إلى السعي نحو هدف بعيد الأمد يتمثل في البحث والتخطيط عن المناطق الكفؤة لإنتاج وتصدير الطاقة الكهربائية المعتمدة على المصادر المتجددة». بادرت محدثي على الفور بالتعليق على حديث المسؤول الياباني قائلاً: ما شاء الله على «اليابانيين وعلينا» في الرؤية والتخطيط للمستقبل!! * كاتب سعودي. [email protected] twitter | @alyemnia