أثبتت الدراسات الاجتماعية والاقتصادية أن الفقر من أهم العوامل الدافعة للجريمة والتفكك الأسري والتخلف العلمي، والحقيقة أن الإنسان يستغرب عندما يجد أن ظاهرة الفقر والبطالة تعم أكثر البلاد الإسلامية التي تتوافر فيها كل أسباب الثروة، ففيها الذهب والفضة، والنفط والسهول الخصبة والأنهار الجارية والمراعي الغنية، وفيها ما هو أغلى من ذلك سواعد الرجال، وتطل على المحيطات والبحار، مع ذلك فثروتها محددة وطاقاتها معطلة، فظاهر الترف في بعض مناطقها لا يتناسب مع فقر الغالبية. أظهرت دراسة منظمة الصحة العالمية أن 70 في المئة من أولاد الدول النامية يعانون من سوء التغذية، ويرجع ذلك كله إلى سوء التخطيط وعدم توزيع الحقوق بشكل صحيح، أو قد توزع بجهود ورغبات فردية، إذ لو جمعت الزكاة بطريقة سليمة لساد الأمن الاجتماعي وقُضِي على الفقر. إن موضوع الزكاة بالغ الأهمية لمعالجة مشكلتي الفقر والبطالة، فكل المجتمعات المتحضرة تسعى دائماً لمحاربة الفقر والتقليل من أضراره، وفي الدول الإسلامية فُرضت الزكاة في العام الهجري الأول، فالرسول"صلى الله عليه وسلم"آخى بين المهاجرين والأنصار ودعاهم للمشاركة في المال والمسكن، وقال:"لا يؤمن من بات شعبان وجاره جائع"، وعندما بعث معاذاً إلى اليمن قال له:"أعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"، يقول الله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها..."التوبة"، وبينت الآية 60 من التوبة مستحقي الزكاة، ومنهم العاملون عليها. المرتدون الذين حاربهم الخليفة الأول لم ينكروا فرضية الزكاة، بل امتنعوا عن تسليمها للخليفة، وقالوا، كما يقول بعض المجتمعات المعاصرة، نحن أولى بزكاة أموالنا نعطيها لفقرائنا الأقربين، فقال قولته المشهورة"والله لو منعوني عقالاً كانوا يعطونه لرسول الله لقاتلتهم عليه". وصدر أول قانون لمعالجة الفقر في إنكلترا عام 1348، وقانون تنظيم مساعدة الفقراء 1536، والملك عبدالعزيز آل سعود ? يرحمه الله ? بعد أن وحد البلاد في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، أمر أمراء المناطق بجمع الزكاة من أصحاب المواشي التي كانت ترعى في البراري، وكانت خطوة رائدة في ذلك الوقت، أن الزكاة تؤخذ عن طريق طرف ثالث، وهو ولي الأمر الذي يعين الجهة التي تقوم بجمع الزكاة وصرفها لمستحقيها، ومنهم المؤلفة قلوبهم، والغارمون العاجزون عن دفع المبالغ التي التزموا بتسديدها للغير. فالعمل على تخصيص جهة واحدة لجمع الزكاة خدمة عظيمة للمجتمع في هذا العصر الذي تتوافر فيه الوسائل الحديثة لمعرفة الأغنياء والفقراء، إن زكاة رجل واحد من أصحاب البلايين سيكون لها أثر كبير عندما تكون الجهة الموزعة واحدة. إن العدل الاجتماعي في العقيدة الإسلامية ليس مجرد جمع الثروة وتوزيعها، إنما هو استثمار لها، ولا تقف عند حدود إعادة تقسيمها مالاً سائلاً أو ثابتاً أو منقولاً، إنما تحث على العدل، وقد حرصت على الإنسان ومسلكه وعلى قيمه وخلقه، باعتبار ذلك صيانة لأمن الفرد وأمن الجماعة، وحفاظاً على ثروة الفرد وثروة الجماعة. ولعل في إنشاء وزارة الزكاة والأوقاف، وفتح رقم حساب موحد في البنوك لجمع الزكاة، والتحدث عن ذلك في وسائل الإعلام وخطب الجمعة والمنتديات العامة، علاجاً للفقر وخدمة الوطن. راشد البلوي - الرياض باحث اجتماعي