فتح الخطأ الفادح، الذي أودى بحياة السيدة نجاة بلحمر عبر نقل دم لها مخالف لفصيلة دمها، ملف الأخطاء الطبية في السعودية، خصوصاً"المدينة"، مذكرا بحوادث مشابهة كانت العناية الإلهية وراء إبقائها درساً لم يستفد منه بالكامل القائمون على شؤون الصحة في المنطقة، الأمر الذي دعاهم هذه المرة بعد أن كان الدرس قاسياً إلى الاجتماع مرات عدة وتكوين لجان متعددة تحقق في الملفات الساخنة للأخطاء الطبية، التي أوقدت شرارتها دماء السيدة بلحمر النازفة في بلاط مستشفى صفا المدينة، والتي أمر لاحقاً أمير منطقة المدينةالمنورة بتفعيل قرار الشؤون الصحية في المنطقة الداعي لإغلاق أقسام العمليات والنساء والولادة فيها. لم يكن ذلك الخطأ يتيماً فقد تولد عن سلسلة من الأخطاء عرفتها مستشفيات المدينة، المنورة تبدأ بحادثة نسيان فوطة طبية في بطن مريض أجريت له عملية جراحية، الأمر الذي أدى إلى مضاعفات خطيرة اكبر من تلك التي دخل المريض غرفة العمليات من اجل علاجها للمرة الأولى. ولا تنتهي القصص الطبية المزعجة عند حادثة وفاة شاب في مستشفى خاص أراد إجراء عملية شفط دهون قبل نحو عامين ليستعجل الفريق الطبي في عملية الفحوصات وإجراء التخدير ليدخل الشاب في حال من الغيبوبة انتهت بخروجه جثة هامدة من المستشفى الذي يملكه رجل أعمال يعنى بالمشاريع السياحية. ويدرك القائمون على شؤون الصحة في المدينةالمنورة صعوبة مراقبة القطاع الصحي الخاص بشكل مستمر، الأمر الذي أوضحه مدير الشئون الصحية بالوكالة عبدالفتاح عثمان، حين قال للصحافيين الأسبوع الماضي: إن المتابعة للعمل الصحي في القطاع الخاص والذي تبلغ مناشطه على مستوى المنطقة 511 مركزاً ما بين مستشفى ومستوصف ومجمع للعيادات وصيدليات ومراكز نظارات تشرف عليها جميعها"صحة المدينة"، أمر صعب لا يمكن معه توظيف مشرفين مستمرين على تلك المراكز، غير أن المستشفيات الخاصة في المنطقة والبالغة 17 مستشفى تستحق أن يوضع لها مكتباً تابعاً لمديرية الصحة في المنطقة يقبل شكاوى الناس واقتراحاتهم ويتابع عمل المستشفى قبل حدوث كوارث صحية أخرى، بحسب قول شقيق السيدة نجاة بلحمر المهندس عمر بلحمر، حين تحدث للإعلاميين عن تجربته مع المستشفى الذي قضت فيه شقيقته، رافعاً باقتراحاته هذه لوزارة الصحة متأملاً ألا تتكرر مأساة نجاة مع تكرر الأخطاء. وأشار في تلك المداخلة المفاجئة بطريقة كاريكاتورية ساخرة إلى أن تلك الطبيبة التي"عالجت"نجاة شوهدت،"تعالج"في غرفة العمليات مريضة أخرى في الوقت ذاته الذي كانت فيه مريضتها - الميتة - منذ ساعات فقط، يحثى على جسدها التراب. "المستشفيات الحكومية أكثر صدقية وأجدر بالثقة"، مقولة لا يجادل حولها الكثير في المدينةالمنورة، على رغم عدم المعارضة في كونها تحمل هي الأخرى في أرشيفاتها ذكريات موجعة لأخطاء طبية قد تكون فادحة غير أنها لا تجد من يتهمها بالمصالح المادية الضيقة التي قد تقف وراء خطأ طبي في مستشفى قطاع صحي خاص. ويعتقد الطبيب في مستشفى أحد في المدينةالمنورة، وهو مستشفى حكومي، الدكتور منصور الشاماني، أن الأخطاء الطبية في القطاع الصحي الحكومي اقل عدداً منها في نظيراتها الأهلية، بل ويضيف:"وهي أن حصلت فهي اقل ضرراً وابسط علاجاً كونها تتعلق بالتقصير غالباً في صرف أدوية إضافية أو إهمال أحياناً في إجراء طبي سريع، بينما يحصل العكس في بعض المستشفيات الخاصة التي تبالغ في الإجراءات الطبية، وهو الأمر الأصعب".