"حينما يشعر المتقاعد بأن وجوده في هذه الدنيا، لم تعد له فائدة، تتحول حياته إلى جحيم على المستويين الشخصي والأسري"، بهذه الكلمات يحذر الاختصاصي النفسي أحمد السعيد من الإحباط الذي يغمر المتقاعد، خصوصاً أولئك الذين تجاوزا ال 60 عاماً من عمرهم، الذين يشعرون بأنهم تحولوا من أشخاص منتجين يملكون الخبرة، إلى مجرد أعداد تعيش على هامش الحياة، معتبراً أن ما يشاع حول عدم الاستفادة من المتقاعد أمر في غاية الخطورة، وله مضاعفاته على الصعيد الاجتماعي. وعلى رغم أن قلة من المتقاعدين يمضون وقتهم في شيء منتج، إلا أن كثيراً منهم يمضي وقته في بؤس يومي، حتى لو لم يعترف معظمهم بذلك. لكن محمد علي وهو متقاعد في سن ال65 عاماً، يعترف بأنه"لم يعد ينتج عملاً نافعاً"، وعلى رغم أن خبراته العملية كبيرة، إلا أن المجتمع لم يسعَ إلى الاستفادة منه، ويقول:"لم أتلقَ طلباً من جهات اجتماعية مثل الجمعيات الخيرية، أو غيرها من أجل الاستفادة من خبراتي". وعن وقته يقول:"أمضي وقتي في الجلوس مع أقراني من كبار السن، من دون أن أنتج شيئاً"، مضيفاً:"تعلمنا في شركة أرامكو مكان عمله السابق كيف نكون منتجين على الدوام، وهذا ما لم يحصل معي بعد التقاعد". ويشدد الاختصاصيون النفسيون على ضرورة عدم استسلام المتقاعد للركود الوظيفي، الذي يراه أمراً واقعاً عليه بعد تركه العمل. ويدعو السعيد إلى ضرورة استقطاب هذه الكفاءات في مختلف مجالاتها، ويضيف:"إن استفادة المؤسسات الاجتماعية من الخبرة العملية للمتقاعد، ستعزز من عطائها، وسيحصل المتقاعد على حياة تطوعية، ما يضع حداً للوحدة التي يعيشها بسبب الفراغ المؤلم". ويرى السعيد أن المشكلة التي يواجهها المتقاعد، لا تخرج عن وجهين رئيسيين، فإما أن يكون الخطأ في المتقاعد أو في المجتمع، موضحاً:"أن المشكلة تتركز في المتقاعد بعد ال60 عاماً، والمتقاعد في سن 45 عاماً الباكر قد لا يواجه هذه المشكلات لأنه في الغالب يتغلب على فراغه عبر الاستثمار في مشروع خاص"، مضيفاً أن"المشكلة وتشخيصها يكمنان في أن المتقاعد المسن يفكر في نفسه، وكل همه وشغله الشاغل يكمن في كيفية انتهاء ساعات اليوم، وهو يقضي يومه في الأكل والشرب والجلوس، ما يجلب له الاكتئاب". ويقول:"إن تغيير روتين الحياة يخلق للإنسان حالاً من الانتقال من مرحلة إلى أخرى تماماً، مثل الطفل الذي ينتقل من البيت إلى المدرسة، ففي بداية الانتقالات التي يعيشها الإنسان لا بد من أن تحصل له بعض التغيرات، وما يشعر به المتقاعد عبارة عن التفكير في تراكم خبرات السنوات الطويلة، التي من الممكن أن تختزن داخل ذاكرته من دون أن يستفاد منها، خصوصاً إذا عاش بين أربعة جدران، وهو شعور يسبب له نوعاً من الأسف والهم والغم، فينعكس ذلك على حياته في شكل بالغ السوء". ويقول:"يجب أن ينخرط المتقاعد بخبراته المتراكمة في المجتمع"، مشيراً إلى الدول المتقدمة التي تسير في هذا الركب المتقدم"في الغرب نرى كثيراً من المؤسسات التي ينخرط فيها المتقاعدون المسنون، والتي يعملون فيها بحسب تخصصاتهم، ما يسهم في بناء مجتمعهم". ويقول محمد البشراوي:"إن الحياة تبدأ بعد سن التقاعد، فكل ما هو متعب سيكون مختلفاً، الأولاد الذين كانوا صغاراً في السابق، أصبحوا الآن يعتمدون على أنفسهم، والالتزامات الوظيفية والعائلية أقل وطأة"، مضيفاً:"ما لم يستطع المتقاعد أن يعمله في شبابه بسبب الأسرة، يستطيع فعله في التقاعد، فهو يستطيع التمتع بكامل وقته، مثل السفر وغيره". الأمر الذي يرفضه المتقاعد محمد علي رفضاً قاطعاً بقوله:"على رغم أن راتبي يكفيني، إلا أن هناك عدداً من المتقاعدين لا يستطيعون تنفيذ أحلامهم بسبب نقص المال"، مضيفاً:"مثلاً السفر لا أستطيع القيام به، فأولادي يعانون من البطالة، وراتبي يصرف على العائلة حتى هذه اللحظة".