قطعت السياسة النقدية السعودية، بعد مرور نحو ستة أشهر من العام، إلى حد كبير شوطاً كبيراً في محاولاتها للجم معدلات التضخم في البلاد. ومن المنطقي الإشارة إلى أن التضخم كظاهرة في بلد مثل السعودية، تسيطر العائدات النفطية على 75 في المئة من وارداتها المقومة بالعملة الأميركية وترتبط عملتها ارتباطاً وثيقاً بالدولار من حيث سعر الصرف، تحظى بجل اهتمام مؤسسة النقد العربي السعودي ساما. وإذا كان النمو الاقتصادي وما يتبعه من زيادة في الإنفاق الحكومي، وإذا كان نمو زيادة عرض السيولة النقدية هو"الوجه الجميل"لإيرادات النفط، فإن التضخم من الجانب الآخر هو"الوجه القبيح". وكان من الطبيعي أن تركز"ساما"جل إمكاناتها عبر سياسات نقدية أكثر تشدداً لمحاولة كبحه. ولا شك في أن قرار خفض أسعار البنزين، أسهم في خفض معدلات التضخم في الشهر الأخير، عما ستكون عليه لو لم يتم خفضها. وشهدت الساحة الاقتصادية أخيراً، جدلاً كبيراً بين الاقتصاديين السعوديين في ما يتعلق بنقد شفافية مؤسسة النقد العربي السعودي في الإعلام، والكشف عن مستويات التضخم، وآخرها انخفاضه في حزيران يونيو 2006 بنسبة 2.1 في المئة. وفي حين يعتقد الاقتصاديون أن معدلات التضخم أكبر مما يتم الإعلان عنه رسمياً، بناءً على ضعف معلومات طريقة حسابه وبيان أنواعه، فإن دولة مثل السعودية اشتهرت تاريخياً بانخفاض معدلات التضخم فيها، فسياساتها المالية تستهدف القضاء على التضخم، وتراقب عن كثب أي مؤشر فيه. لكن على رغم السياسات المالية المتقشفة، ارتفعت معدلات التضخم في الفترات الأخيرة بسبب زيادة السيولة من جهة، وانخفاض قيمة الدولار من جهة أخرى. وبحسب أرقام نشرتها"ساما"أمس، فإن مستويات عرض النقود ن 2، انخفضت من 599.1 بليون ريال في حزيران إلى 597.4 بليون ريال في تموز يوليو. وهذا رقم قياسي على رغم انخفاضه، ويعتبر مستقراً إلى حد كبير، وانخفاضه يفسر إلى حد كبير تحركات"ساما"للحد من نموه عبر سياسات سعر الفائدة تارة، وقرارات إلى المصارف بخفض التسهيلات المصرفية للمستثمرين الأفراد تارة أخرى. نمو السيولة في السعودية، كما سبق الإشارة، يعبر عن زيادة الإنفاق الحكومي بسبب ارتفاع إيرادات النفط، والطفرة في سوق الأسهم، التي جذبت أموالاً كانت في الخارج، أو منعت الأموال الموجودة من الرحيل إلى دول أخرى. والمعروف أنه غالباً ما ترتفع معدلات التضخم فجأة إذا كان الاقتصاد ينمو، ويقترب الاقتصاد من طاقته الاستيعابية الكاملة. وفي هذه الحال تصعب على البنوك المركزية السيطرة على التضخم، لأن اتخاذ أي سياسات انكماشية لكبح جماح التضخم، ربما ينعكس سلباً على من معدلات النمو الاقتصادي. في الجانب الآخر، دلت التجربة على أن التضخم في السعودية ارتبط تاريخياً بانخفاض الدولار، إلا في الفترات الأخيرة التي ارتفعت فيها السيولة في شكل كبير. وتحتفظ"ساما"بربط سعر صرف الريال السعودي في مقابل الدولار الأميركي الدولار الأميركي = 3.75 ريال سعودي، منذ عام 1986، علماً بأن اتفاق توحيد العملة والقواعد العامة للأداء الاقتصادي والمالي في مجلس التعاون الخليجي، يتضمنان الحد الأقصى لعجز الموازنة والدين العام وعجز الحساب الجاري ومعدلات الفائدة والتضخم. وفي أعقاب رفع الولاياتالمتحدة أسعار الفائدة، عمدت"ساما"، إلى رفع معدل الفائدة، وهي تمتلك احتياطاً مهماً للعملة الأجنبية بإمكانها اللجوء إليه للمحافظة على تعادل القيمة في أسواق صرف العملة الأجنبية تتجاوز قيمته 24 بليون دولار حتى حزيران 2006. ومارست"ساما"سياسة رفع معدلات الفائدة على الريال، اتساقاً مع قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، محاولة إبقاء سعر إعادة الشراء مرتفعاً بمقدار نصف نقطة مئوية على الدولار الأميركي. وبلغ التباين في ما بين معدلات الفائدة ما نسبته 0.502 في المائة لمصلحة الودائع لمدة ثلاثة أشهر بالريال السعودي في نهاية عام 2005 في مقابل نسبة 0.044 في المئة فقط بنهاية العام الماضي. ومنذ عام 2005، تطلبت الظروف الاقتصادية تبني سياسة نقدية أكثر تشدداً وعليه، أقدمت مؤسسة ساما على رفع معدل احتياطي سعر إعادة الشراء مرتين في الربع الأخير من عام 2005، أي بمعدل 25 نقطة أساسية في كل مرة من 4.25 في المئة إلى 4.75 في المئة بنهاية العام. وتسهل ملاحظة تدفق السيولة في البلاد من خلال الارتفاع الكبير في عرض النقد بمعدل نمو سنوي مركب، بلغت نسبته 13.4 في المئة في الفترة الممتدة من 2001 إلى .2005 ومع ارتفاع أسعار الفائدة، شهدت الودائع الادخارية والودائع لأجل نمواً سنوياً كبيراً بلغت نسبته 20.9 في المئة وصولاً إلى 200.9 بليون ريال في تموز. ومع توقع تحقيق معدلات الفائدة لمزيد من الارتفاع في عام 2006، فإن مزيداً من الأموال ستتدفق إلى الودائع المصرفية، بما يدفع عرض النقد إلى مزيد من الارتفاع. وسيواصل عرض النقد ارتفاعه على رغم توجه مبالغ هائلة من الأموال إلى سوق الأوراق المالية وغيرها من القطاعات الاستثمارية كالقطاع العقاري، ما يعني مزيداً من الرقابة على معدلات التخضم.