احتد النقاش بينهما، وعلا صوتها على صوت صاحبتها بضجر، حتى تساقطت العبارات محدثة دوياً مزعجاً لا يكاد يفهم منها شيء إلا بضع كلمات متقاطعة بأنفاس متتالية. واجهتها بألم: لو كنت مكاني لأحسست بما أحس به، هدأت من روعها وبحنان بالغ قالت: الإحساس شيء والفعل شيء آخر، حدقت بها متسائلة فبادرتها: نعم كونك تحسي بالألم ومعك حق لا يعني أن تقومي بعمل ينافي أنك زوجة وأم. حدقت بها أكثر وأكثر، بعد أن جففت دموعها، وبادرتها مرة أخرى وبعطف ظاهر: يا صاحبة الحزن، دعينا نتحاور بفكر واعٍ، وقلب أوعى، ولنترك جنباً الأصوات المدوية والتي لا توصلنا إلى جذور المشكلة وحلولها. تنهدت صاحبتها بقوة لتقول بحسرة: لن أقول عما أحس به، فلا يعرفه إلا من ذاقه، أما ما تلمحين إليه ما أقدمت عليه فمع علمي بشناعته إلا أني أقدم عليه بشدة وكأنه دواء يشفيني مما أنا فيه أو كأنه حاجة للانتقام تساعدني على الشفاء. تبسمت في وجهها قائلة: وهل وجدتي شفاء لعلتك أم زادت علة على علتك؟! وهل بقي الانتقام في حدودك أنت أم تسرب إلى المجتمع مضراً به؟! انفعلت صاحبتها: لا تقولي مجتمعاً فهو أسهم في ما أنا فيه وغيري. وإلا فقد عاشت مجتمعاتنا العربية ردحاً من الزمن لا تعرف مثل هذا إلا بعد انتشار "الفضائيات"، و "النت"، و "البلوتوث"، و "الجوال"، ما أغرى الأكثرية لرفض ما أنعم الله عليها من رحمة وزواج واستقرار غير مؤسوفة عليه، لتفضل المغامرات الغرامية التي سهلتها وسائل الاتصال مع تهاون المجتمع... قطعت استرسالها بالكلام لتقول لها: مهلاً لا تلومي المجتمع وحده، وإن كنت ألومه في طريقة تعاطيه لمثل هذه المشكلات، فمجتمعات تنفخ عليها وترسلها كريح صرصر مع كل إشراقة صباح عبر وسائل الإعلام وكأنها ظاهرة خاصة بمجتمعاتنا العربية، ومجتمعات تتوجس خيفة من طرح المشكلة لإيجاد حلول لها، هذا ما ألوم عليه المجتمع. أما مشكلتنا فلا تخرج من بوتقة اتباع الهوى وحب النفس، فالإنسان على نفسه بصيرة وباستطاعته أن يستعمل ما ذكرته في الخير والشر. هزت صاحبتها رأسها شبه مقتنعة فما كان من الأخرى إلا الانتقال إلى نقطة أخرى، لتقول: إذا اتفقنا على براءة المجتمع من سقطات الأفراد لننتقل الآن إلى نقطة أعمق بكثير مما أثرته وهي في اعتقادي السبب الرئيس في الانتشار السريع لما تعاني منه الآلاف. هل تعني خيانة الزوج لزوجته خيانتها له بالمقابل كند بند؟ توترت صاحبتها محركة يدها بشكل عشوائي وقد تعرقلت الكلمات على شفتيها فقاطعتها مسترسلة: هل وجود رجل ثانٍ في حياة الزوجة يشفي غليلها مما اقترف زوجها الخائن؟ انحدرت الدموع على وجنتيها، وبكلمات متقطعة قالت: أنتِ تعلمي أن علاقتي به هاتفية، وغرضي الانتقام لذاتي الجريحة. بابتسامة حانية اقتربت منها وربتت على كتفيها لتقول: هنا تكمن المشكلة هذا يخون والآخر ينتقم، وهذه تخون والآخر ينتقم فتنتشر الخيانة معلنة انتصارها على قيم أضعناها في زحمة وسائل الاتصال المختلفة وسهولة استعمالها كأداة ضارة لا نافعة، قيم وآداب أضعناها عندما حملنا غيرنا مسؤولية أفعالنا.