يعملن كالنحل من غرفة مريض إلى غرفة مريض آخر، ومن نقل مصاب إلى إسعاف غيره. يضمدن جرح هذا ويسكّن ألم ذاك. يسهرن على راحة المرضى صغاراً وكباراً بلا كلل أو ملل ليلاً ونهاراً. يزرعن الأمل في نفوس مرضاهن. ويرسمن ابتسامة تلوح على محياهن تبعث الاطمئنان في قلوب المرضى. هكذا هي حال الممرضات أو"ملائكة الرحمة"كما يحلو للبعض تسميتهن، هؤلاء اللائي يهبن أنفسهن طواعية لهذه المهنة الإنسانية بالمبدأ. ويكرسن حياتهن لإسعاد الآخرين من خلال تحقيق أمل الشفاء. من بين تجارب هؤلاء الممرضات، سجلت في المدينةالمنورة تجربة متميزة لرئيسة قسم العناية المركزة لغسيل الكلى في مركز الملك عبدالعزيز لغسيل الكلى التابع لمستشفى الملك فهد العام الممرضة نجلاء سندي 22عاماً. لم تعتقد سندي بعد عامين من العمل المتواصل أنها ستفوز بشهادة أفضل ممرضة في المركز لهذا العام، خلال احتفال اليوم العالمي للتمريض الذي نظم حفله السنوي أخيراً، لتحصل على المركز الأول بين زملائها وزميلاتها من الممرضين والممرضات. وتقول سندي:"لم يكن هدفي على الإطلاق الفوز أو التكريم، لأن هدفي الأساس، وغايتي الأولى التي أسعى جاهدة من أجلها هي مساعدة المرضى بجميع الوسائل. إذ أن مجرد تحسن صحته وعودة الابتسامة على وجهه أو دعوة صادقة منه تنسينا متاعب وعناء المهنة". وعن ترشيحها تقول:"رشحتني المشرفة على المركز زهوة الشمري لدوري في الاهتمام بمرضى العناية المُركزة لغسيل الكلى المنومين في المركز. وعندما سمعت الخبر تذكرت تلك الوجوه الطيبة التي أنهكها المرض. إذ كنا كممرضين وممرضات نمضي أوقاتاً طوالاً معهم لنعبر بهم ما استطعنا إلى بر الأمان". تعمل سندي في غرفة العناية المركزة التي تحوي أربعة أسرّة فقط لا تكفي دائماً للمرضى، تلك الغرفة الصغيرة المليئة بالأجهزة الخاصة، لعدم وجود مستودعات تحويها، والتي يستغرق المريض فيها لغسيل كليته الواحدة من ثلاث إلى أربع ساعات، إذ لم تقتصر المعاناة على العمل المتواصل الذي يمتد إلى 12 ساعة في اليوم كوردية واحدة فحسب. تصف طبيعة عملها، قائلة:"مهمتنا تقتضي عمل الفحوصات والتحاليل اللازمة لعملية الغسيل، وهي تصفية دم المريض بسحب السوائل الزائدة من جسمه، لعدم إمكان تصفية السوائل طبيعياً في الكلى، ليكون الغسيل هو بمثابة كلية صناعية لمن يعانون من الفشل الكلوي، إما بسبب مضاعفات الضغط أو السكر أو لوراثة في العائلة، ولعدم توافر الإمكانات لديهم لا يستطيعون زراعة كلية بديلة، والكثير منهم ينتظرون في لائحة الانتظار". وتضيف:"كما نستقبل حالات مرضى يعانون من تسمم نتيجة مضاعفات شرب الكحول ومرضى الإيدز. كما نصفي أيضاً الدم لمن يعانون بمرض التهاب الكبد الوبائي B الذي تطول فترة علاجه والكبد الوبائي C، وهذا المرض الأخير ليس له علاج، ويعاني أكثر من 60 مريضاً ومريضة منه في المركز، وهو سريع العدوى، وإن لم نأخذ احتياطاتنا اللازمة بأنفسنا فإن حياة أي ممرض وممرضة معرضة للخطر مدى الحياة". وتستطرد سندي في الحديث عن معاناتها وزميلاتها في هذا القسم:"على رغم النقص في أعداد الممرضين والممرضات، إلا أن الإقبال على هذا القسم يقل عن غيره من الأقسام، نظراً إلى عدم وجود ما يسمى"بدل عدوى"، لذا، فإن الكثير من الممرضين والممرضات يفضلون الانتقال إلى أي قسم تمريض آخر خوفاً على صحتهم، كما أن المركز هو الوحيد في المنطقة الذي يقدم خدمة غسيل وتصفية الكلى مجاناً، ففيه نجري غسيل الكلى للمرضى من داخل المدينةالمنورة، وللقادمين من القرى القريبة منها، إضافة إلى الزوار من الحجاج والمعتمرين الذين يحتاجون إلى ذلك". وتسرد سندي قصة بداية دراستها للتمريض من معارضة الأهل ونظرة المجتمع لهذه المهنة قائلة:"عارض أهلي في البداية دخولي مجال التمريض، تبعاً للتقاليد الاجتماعية والأعراف التي تنتقص من شأن الممرضة. كما أن مسألة الاختلاط كادت تحول بيني وبين العمل، إلا أني كنت وما زلت متسلحة بالثقة، والتزامي بديني وحجابي، وحبي ورغبتي الشديدين في معاونة المرضى، حتى استطعت إقناع أسرتي بأهمية هذه المهنة الإنسانية، ورفعتها، وعظيم أجرها". لم يبدأ مشوار سندي في العمل التمريضي بمجرد تخرجها في المعهد الصحي للبنات قسم التمريض في المدينةالمنورة، بعد عامين وأربعة أشهر من الدراسة المتواصلة، إذ كانت تعمل مجاناً في مجال التمريض خلال الإجازات السنوية في أحد المستوصفات القريبة من منزلها. فكان أول تدريب لها في مركز صحي الأزهري للرعاية الأولية، ثم في مستشفى الأنصار. تقول سندي:"نهجت طريق العمل خلال الإجازات، لشغفي بالعمل، وغريزة الاستطلاع التي تتملكني، ورغبتي في الاستزادة من العلم بخبايا هذه المهنة التي تظهر للآخرين بسيطة، فيما هي تُحمّل ممتهنها مسؤولية كبيرة على عاتقه".وأضافت:"مارست العمل أيضاً خلال فترة"امتياز التمريض"لمدة أربعة أشهر، كتطبيق رسمي لما درست في المعهد، فجاء تدريبي في مستشفيات الملك فهد والأنصار وأحد، كما تدربت في مستشفى الصحة النفسية في المدينةالمنورة". وتطمح سندي حالياً إلى الإسهام في تغيير نظرة المجتمع إلى الممرضة، لأنها تخدم أهلها ووطنها بالدرجة الأولى، كما تطمح إلى افتتاح كليات للتمريض، لتكمل دراستها العليا، وتحصل على درجة البكالوريوس والماجستير.