يتحمل المجتمع بمؤسساته مسؤولية تجاهل واقع الفتيات المعوقات ذهنياً، من حيث عدم طرح قضاياهن وتناولها بشكل عملي وإنساني واجتماعي مركز، والاكتفاء بترديد عبارات معلبة وجامدة مثل ضرورة إدماجهن في المجتمع وحصولهن على الرعاية اللازمة والاهتمام بهن، من دون تحرك فعلي لوضع تصنيف يحدد ذكاء هذه الفئاتً. أوضاع المعوقات والمعوقين ذهنياً تطرح سؤالاً ملحاً حول مبررات العزوف عن الاستثمار في تعليمهم وتركهم لعشرات الأعوام على ذات المناهج والبرامج القديمة التي تهالكت، واستحدث بدلاً منها في الدول المتقدمة الجديد لتأهيلهم وتدريبهم ليتجاوزوا إعاقتهم. وعلى رغم المحاولات الفردية التي لوحظ التحرك بصددها اخيراً مثل إطلاق ملتقى"واقع التربية الخاصة في المملكة العربية السعودية"، الذي عقد في الرياض اخيراً برعاية الأمانة العامة للتربية الخاصة وتنظيم من"مدارس رياض الخزامي للتربية الخاصة"، وربما تتكشف حدة تجاهل هذه الفئة في صورة اكبر بعد قراءة المشهد الكامل لواقعهم، من حيث المتوافر لهم من معطيات في مناخ التعليم والتربية والترفيه في ظل المتغيرات الاجتماعية، على رغم توافر صروح حكومية تعليمية وتربوية تحتضن بعضهم وترعاهم، إلا أن القطاع الخاص هنا يوشك ألا يكون له أثر أو تتعرض مبادراته الفردية لتطوير المناهج، من حيث البرامج المقدمة في التعليم مثلاً إلى التجاهل، فضلاً عن المقومات التي تفاقم من الناتج السالب المنتظر في حال ترك هذه الفئة من دون محاولة حصرها في التعداد السكاني ودرس أوضاعها وإيجاد منافذ للحلول التي ارتفع صوت المختصين في هذا الحقل بالمناداة بها. تذكر رئيس مجلس إدارة"مدارس الخزامي لذوي الاحتياجات الخاصة"أماني العايدي أن المدارس الخاصة المعنية بهذه الفئة لا تتوافر في قطاع التعليم الخاص حتى ولا بعدد محدود:"والاستثمار هنا معدوم في السعودية الا من مدرسة في المنطقة الشرقية توفر هذا النوع من التعليم الخاص"، ما استدعى تفكيرها في افتتاح فروع للمدارس في مناطق أخرى تعني بهذه الفئة. تقول العايدي عن تاريخ مدرستها التي تخصصت بتقديم الخدمات التعليمية والتأهيلية لذوى وذوات الإعاقات العقلية منذ افتتاحها في الرياض عام 1404ه أي ما يقارب 23عاماً ان بدايات المدرسة شهدت استقبال جيلين من الأطفال أصبحوا الآن هم وأقرانهم ممن يعانون من ذات الإعاقة من فتيات وشبان لهم متطلباتهم و"قادرين على لفت أنظار المجتمع إلى معاناتهم اليومية لو وجدوا القنوات التي توصل أصواتهم". وتوضح العايدي أن المدرسة تستقطب الفئات العمرية بداية من سن التدخل المبكر3 أعوام من تمهيدي وروضة وابتدائي وثانوي حتى 15عاماً، وبعدها يتم توفير برنامج تأهيلي يصمم بحسب حاجات ومعطيات الطالب أو الطالبة بالتعاون مع القطاعات والجهات المختصة في هذا المجال. تتطرق العايدي في حوارها مع"الحياة"إلى تفاصيل تتعلق بهذه الفئة، وتحذر من البنية التحتية الأساسية لتعليمهن ومدى هشاشتها وافتقادها لأبسط المقومات المهارية التي ينبغي للمعوق أن يكتسبها ويستند إليها في تفاصيل حياته، فإلى نص الحوار. واقع التعليم والتربية الخاصة للبنات، كيف تقوّمينه؟ وهل ينهض بمستجدات العصر من حيث التعليم؟ - الآن وزارة التربية والتعليم والأمانة العامة للتربية الخاصة تسعى لإيجاد برامج للفتيات المعوقات ذهنياً، ولا نزال بحاجة ماسة لبرامج متطورة أكثر، ونحن في المدارس نستعين بالبرامج المصممة في الخارج، لكن ما يؤرقنا هو إلى أي مرحلة نريد إيصال الفتاة المعوقة ذهنياً في حال وفاة ذويها أو أهم واقرب القائمين عليها، أو تعرضهم لما يستدعي اعتمادها على ذاتها؟ هناك حالات إعاقة يتوفى الأهل ولا يعلم احد عنهم، ولكونهم لم يؤهلوا أبناءهم المعوقين، المقدور على تأهيلهم، وفي حال مواجهتهم لأي صعوبات يعيشون مكتوفي الأيدي. وهناك عائلات لا تعلم أبنائها إما لضعف الإمكانات المادية أو بسبب الجهل، وعائلات تقوم بحبسهم وإخفائهم عن الأنظار من دون توقع حدوث الأسواء لهم، ومن ذلك ماحدث مع أسرة توفي الأب والأم في حادثة وبقى الأبناء حبيسي المنزل حتى توفي احدهم وتصاعدت الرائحة، وعند الوصول إلى داخل المنزل اكتشف أن الموجودين ثلاثة، فتاة مراهقة معوقة ذهنياً لم تستطع التصرف وطفل آخر معوق، وحتى من توفي كان معوقاً لعدم استطاعتهم التصرف لكونهم لم يأهلوا في الأساس، ويرجع ذلك إلى غياب التوعية والشراكة المجتمعية، وعدم السعي إلى إدماجهم في المجتمع للتعرف عليهم وعلى أحوالهم ومتطلباتهم. صحيح، أنه بدأ الاهتمام بهم أخيراً، لكن بشكل مشتت وبلا تنظيم، وحتى الآن المجتمع لديه نقص في المعلومات والمعارف حول المعوقين ذهنياً وجهل بطرق التعامل معهم، وربما تبقى هذه الحال حتى ترزق العائلة بطفل معوق ذهنياً فيتحرك ذووه لتثقيف ذاتهم، ومن هنا يصلون إلى التعرف على هموم هذه الشريحة، وبالتالي معرفة ماذا يدور في عالم الإعاقة الذهنية، وينتج من ذلك معاناتنا من كون المجتمع غافلاً عن هذه الفئة. برأيك لماذا الاستثمار في مدارس مخصصة للمعوقين ذهنياً، هل تتحصل على عائد مادي مشجع؟ - من ناحية العائد المادي هو مشجع جداً، وربما كان الاستثمار في تعليم هذه الفئة أجدى من ناحية كون الإبداع في التعليم مع الأفراد العاديين والأصحاء من وجهة نظري سهلاً، لكن مع المعوق يعتبر تحدياً يصعب إبرازه إلا بعد مجهود مضاعف، واعتبر تقديم أطفال مبدعين عقلياً ومؤهلين بحسب قدراتهم أكاديمياً بعد تنميتهم عمل ضخم ومبدع بحد ذاته، وهذا هو الانجاز الحقيقي. وهنا، أود التنويه إلى أنهم مبدعين في حال اكتشاف مهاراتهم وتطوير قدراتهم، ويبرع منهم الكثير في الرسم والرياضة مثل السباحة والعاب القوى، ويتغلب علينا بعضهم في الكمبيوتر والحاسب الآلي. لدينا أطفال توحديون يفوقوننا في تعاملهم مع الانترنت والالكترونيات، فضلاً عن مهارات الإلقاء والتمثيل وتأليف النكات وإطلاقها. كما قدم الطلبة والطالبات عرض جسدوا من خلاله العرس الخليجي ضمن فعاليات الاحتفالات للجمعية الخليجية للإعاقة. هل هم بحاجة إلى قانون خاص وتشريع معين لحمايتهم؟ - بالتأكيد، فالكثير منهم لضعفهم وقلة حيلتهم تنتهك ابسط حقوقهم، وبالذات في قضايا الميراث للفتيات المعوقات ذهنياً! من الذي يضمن ذمة الوصي عليها ومراعاته حقوقها المالية، أيضاً فيما يتعلق بالتعليم تكلفة تعليم ذوي الإعاقة العقلية باهظه ومكلفه وتحتاج للمساندة. هناك اسر لا تستطيع تعليم أبنائها فتحبسهم ويتحولون إلى عبء، والمختصون في هذا المجال كلفتهم باهظة جداً حتى على العائلات الميسورة، ومن الضرورة بمكان منح مقاعد مجانية للتخفيف عن كاهل الأسر، ونحن في المدارس نمنح 20 مقعداً، عشرة منها خصصت للفتيات. ماذا عن المراهقات من المعوقات ذهنياً؟ - المراهقة ذات الإعاقة العقلية تمر بالتفاصيل ذاتها التي تمر بها البالغات من الفتيات العاديات، ولكن تختلف طرق التعبير هنا لكونها كمعوقة غير مستوعبة لما يحدث لها ولجسدها من تغيرات، وفي حال تثقيفها وإعدادها مع ذويها لهذه المرحلة تجد أنه أمر عادي وطبيعي وتتكيف معه. ويتوافر لدينا قسم للبرامج التوعوية موجه للأسر يتعلق بهذه المرحلة ومتطلباتها وكيف يتم احتواؤها، ونحذرهم من الوحدة الطويلة أو عزل المراهقة أو حتى المراهق، فمن المحتمل والمتوقع أن يؤذي نفسه أو الآخرين. وهناك من تشعر بالصدمة منهن عند تعريفها بالبلوغ، ويحدث لها رد فعل نفسي حاد، وهنا يأتي دور الاختصاصية الاجتماعية والنفسية بالتعاون مع الأهل، وأيضاً تتصف هذه الفئة بالشراهة في الأكل، ونحاول ترشيد ذلك بالاهتمام في النفس أكثر وإشغالهم بالهوايات وتنمية القدرات ومشاهدة البرامج التلفزيونية، على ألا يتعرضوا للمثيرات مع الاستعانة بالعلاج النفسي والموسيقي لكونها من احد الطرق الفعالة جداً ويستجيب لها المعوق بصورة مذهلة وتخلق لديه فرقاً في الحالة النفسية. هل تفكر المراهقة في الزواج والأمومة، وألا يخشى عليها علمياً أو على أبنائها في ما بعد من هذه الخطوة؟ - إذا كانت الإعاقة من نوع"الإعاقة العقلية البسيطة"وتتراوح فيها درجات الذكاء بين 75 و80 تكون الفتاة قادرة على الزواج والإنجاب مع ضرورة تثقيفها وذويها حول العلاقة الجنسية وتوعيتها وتحضيرها لمرحلة الأمومة، والحالات غير الصالحة للزواج هي من تصنف درجات ذكائها من 60 درجة واقل وأيضاً شديدي الإعاقة غير قادرة على الزواج ذهنيا، وبالتالي أجد من الضرورة أن يشترك العلم والقانون والشرع والمجتمع في تحديد مصير هذه الفئة ووضع تشريعات تراعي تباينها من ناحية وحقها في الحياة والزواج والإنجاب من ناحية أخرى، إذ تعلن بعض المعاقات عن رغبتها في الحمل والإنجاب ونقنعها بان ذلك متاح لها بعد إنهاء تعليمها ونحاول تهيئتها نفسياً، وتأهيل الفتيات بعد عمر 15 عاماً من خلال الاعتناء بالنظافة الشخصية والطبخ والخياطة والأشغال اليدوية والتعامل مع الأطفال. ومن الضرورة معرفة أنه لابد أن يكون الطرف الآخر في الزواج طبيعي أو شبه طبيعي وذهنياً يفوقها بدرجة، وبعد إتمام الزواج هناك متابعة وتوعية ورعاية تصل إلى التثقيف بالعلاقة الجنسية، ومع ندرة حالات الزواج التي ترتبط بفتيات من ذوات الاعاقة الذهنية، إلا انه لا يتوافر تنظيم في الدول العربية يعني بحقهم في تكوين أسرة، مع أن ذلك حق من حقوقهن تهفو أنفسهن إليه ولا يستطعنه. وعلى رغم مطالبة كثير من الآباء والأمهات أن يتزوج أبناؤهم، أرى انه في الإمكان التعاون المجتمعي وأن نتحد مع الأسر لاحتواء رغباتهم، وعلى المجتمع والدولة مساعدتنا لتزويج المعوقين ذهنياً ومتابعتهم. هل تعاني بعض المراهقات من ذوات الاعاقة الذهنية من انحرافات سلوكية؟ - انحرافاتهن تتعلق في التعبير عن الحيرة في هذه المرحلة، وتأتي ممارسة"العادة السرية"بشراهة كأول الإشكالات، نتيجة الحاجة الماسة إلى التعبير عن التحول من مرحلة الطفولة، ويعد التعبير عن الحاجات الجنسية بلا وعي، وهو ناتج من قوة الهرمونات لديهن، والرغبة الملحة التي للأسف هي طاقة غير موجهة وبعض الأسر تعيش حالة من عدم الوعي بذلك، ما يفاقم المشكلة، وبالتالي لا تتم معالجتها بالشكل الصحيح، كما يوجد فتيات من ذوات الإعاقة البسيطة معرضات للابتزاز العاطفي أثناء تعرضهن للمعاكسات وتورطهن في قضايا نتيجة عدم معرفتهن بخطورة ذلك، في الوقت الذي لا يعرف الطرف الآخر المستغل أن هذه الفتاة لديها إعاقة ذهنية وتعرض نفسها للخطر. +