تتكون الأحلاف الجديدة عندما يختل ميزان القوى الدولي، وتظهر مؤشرات ذلك الاختلال وهي: تغيير جديد مهدد من الناحية العسكرية أو سعي الدول المسيطرة لدعم مركزها في مواجهة الخصم أو رغبة الدول المسيطرة في تدعيم مركزها حيال حلفائها. وما نحن بصدده في هذا المقال هو ظهور قوة في العالم ترغب في تحديد منطقة نفوذ لها على خريطة العالم السياسية. ومن الطبيعي أن ظهور القوة الجديدة لا يكون مرغوباً فيه من القوى الحالية التي تتبع مصالحها في منطقة نفوذها، وستقاسمها تلك المصالح وتصبح قوة جديدة بعد الاعتراف بها قوة تملك نفوذاً جيوبولتيكياً، وتشترك في صناعة القرارات الدولية وتصبح عدوة للقوى القديمة، وتدخل في ما يعرف بالحرب الباردة، وممكن أن تتطور إلى مواجهة عسكرية في المستقيم. وكما هو المسح السياسي في الوقت الحاضر سقط ميزان القوى باعتبار الميزان تتجاذبه جهتان، ولم يبق سوى الولاياتالمتحدة الأميركية، لأنها لا تثقل وزناً وقوة فاختل ميزان القوى منذ سقوط روسيا من الميزان عام 1991. إيران تريد أن تأرجح ميزان القوى، ويصبح لها نفوذ في الجغرافيا السياسية لدول العالم الإسلامي، من الجهة الشمالية ودول الخليج العربي من الجهة الجنوبية، وتكون شريكة في رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط بصورة عامة. ذلك يتطلب الحصول على قنبلة نووية، ويبدو أن إصرار إيران على المضي قدماً في برنامجها النووي شجع روسياوالصين على مناقشة مشروع تحالف عسكري بين روسياوالصين ودول الشرق الأوسط لعله يعيد ميزان القوى إلى سابق عهده ويكون حلفاً جديداً تنضم إليه الهند وبعض دول الشرق الأوسط التي تتمتع بقوة ممكن أن تضيف بعضويتها للحلف قوة إضافية. هذا المشروع ورد في صحيفة روسية برلا منتسكايا، بتاريخ 3-4-2006. وقد طرح فكرة التحالف القاري بين روسياوالصينوالهند رئيس وزراء روسيا ووزير خارجيتها سابقاً يفجيني بريما كوف، ومنصبه الآن في الحكومة الروسية رئيس غرفة تجارة وصناعة روسيا. ومن المؤشرات لاهتمام دول الشرق بالشرق الأوسط، ما توصل له المشاركون في المؤتمر الدولي المخصص لقضايا تطوير الدراسات الشرقية والأفريقية، الذي جرى في عاصمة روسيا الشمالية. إذ تم إنشاء عدد من المعاهد ومراكز الدراسات الشرقية لتعليم اللغات الشرقية والديانات، وبالدرجة الأولى الإسلام، كما أن اللغة العربية تدرس في موسكو في 15 مركزاً. ويقول أحد المشاركين الروس في ذلك المؤتمر إن انشغال المجتمع الروسي بإصلاح البلاد العميق وبالدرجة الأولى في مجال السياسة والاقتصاد منذ مطلع التسعينات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عطل إلى حد كبير أولويات الدراسات العلمية، بما فيها المتعلقة بميدان الاستشراق. ولكن الوضع تغير الآن، ففي الأعوام الأخيرة تتجلى فيها التطورات الإيجابية في ميدان الدراسات الشرقية، والمصالح السعودية تتطلب البحث عن حليف يقدر مكانة السعودية الإسلامية والاقتصادية، إذ أن الولاياتالمتحدة الأميركية ونخبها المثقفة ما زالت تكيل الاتهامات للمملكة بإنتاجها متطرفين إسلاميين، بل أنه جرى استطلاع للرأي شارك فيه 38 من خبراء السياسة الخارجية الأميركية، وحددوا فيه الدول التي تمثل تهديداً لأمن الولاياتالمتحدة الأميركية وخطراً عليها خلال السنوات العشر المقبلة، فخلصوا إلى الدول هي بالترتيب إيران، كوريا الشمالية، باكستان، الصين، السعودية، العراق، ليبيا. جاء ذلك، في صحيفة أخبار الخليج البحرينية بتاريخ 30-3-2006. كما صوت مجلس النواب الأميركي على مشروع قرار يطالب السعودية بالوفاء بالتزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية، وان تنهي تماماً كل أشكال مقاطعة إسرائيل بحسب ما جاء في صحيفة الثورة اليمنية بتاريخ 8-4-2006، لا يوجد في عضوية السعودية لمنظمة التجارية العالمية ما يلزمها بمقاطعة إسرائيل، وأوردت هذين الخبرين من أجل الاستدلال بهما على أن المواقف العدائية ضد السعودية أصبحت مترسخة وتلقى قبولاً عاماً في أميركا، بل إن هذا المفهوم ضد السعودية أصبح جزءاً من ثقافة النخب الأميركية. ومن دون شك ان زيارة الملك عبدالله للصين والهندوباكستان وزيارة ولي العهد لليابان وباكستان وتوجه السعودية نحو الشرق، أربكا الحسابات الأميركية التي لم تتعود أن يتم الاستغناء عنها بالمفهوم السياسي، بل تعودت أن تستغني هي عن الدول وجهودها، في حفظ السلام العالمي متى أرادت ذلك، وبحسب الاستراتيجيات الأميركية لكل رئيس أميركي جديد، وحزبه الفائز في الانتخابات الأميركية. ولا أعتقد أن ما قاله في الدوحة بتاريخ 3-4-2006، الباحث الكويتي عبدالله النفيسي صحيح، بأن السعودية تناقش الآن برنامجاً للأبحاث والتطوير النووي، لأن السعودية تدرك المخاطر التي تتبع التوجه النووي والسلبيات المترتبة عليه أكثر من الإيجابيات. ولكن الدخول في تحالف دول الشرق روسياوالصينوالهند، من وجهة نظري يكون أحد الخيارات الاستراتيجية السعودية في المستقبل ? إذا كان خبر مشروع إنشاء الحلف صحيحاً ? لأن الدولة تبحث عن التحالف عندما تواجه تغييراً جديداً وتبرز قوة مهددة لمصالحها. وفي المقابل ستضغط الولاياتالمتحدة الأميركية للمحافظة على ما تبقى من نفوذها في الدول التي ترغب في الانضمام على حلف الشرق الجديد. وفي الحقيقة السعودية تملك قوة إيديولوجية وهي الإسلام وقوة اقتصادية وهي النفط، أي أنها ستضيف قوة إلى أي حلف تنضم إليه. * باحث في"الجيوبولتيك [email protected]