تميزت جلسات اليوم الثاني في"ملتقى النص"بالنقاش والسجال الساخن، حول جوانب عدة في شعر حمزة شحادة وشخصيته. من جهة أخرى، يملك الدكتور عبدالله الغذامي قدرة معرفية كبيرة تؤهله لإثارة الإشكاليات وتوسيع دائرة الالتفاف الجماهيري حول نصه، واستنبات الأسئلة الولود من أرحام مجدبة، وكعادته أشعل ليل أول من أمس بورقته التي قدمها في ملتقى النص عن"الرجولة عماد الخلق"الواردة كعنوان لأحد كتب حمزة شحاتة ردود أفعال الكثير من المثقفين والمثقفات من حضور تلك الجلسة. واعترف الغذامي بأن كتابته عن حمزة شحاتة بدأت"بخطيئة"معللاً ذلك بأنه اقتحم خصوصية شحاتة، وجمع وقدم للقراء نصوصاً كان الشاعر يرفض نشرها، ويأبى أن تعرض على رغم أهميتها وجودتها، بل لقد كان شحاتة يشجع بناته على حرق كل ما يقع في أيديهن من نثر أو شعر ويكافئهن على ذلك. وأضاف الغذامي بأنه كان ضحية لكتاب"الخطيئة والتكفير"، ولا ينكر أنه أخطأ في كتابته"ليتعالى التصفيق من أكف الحاضرين"ما جعل الغذامي يستدرك بأن الكتاب وثيقة مهمة في زمنها، لكنها قابلة للمراجعة، باعتبار أنه نجح فيها من ناحية تشريحية، وأخفق معها ناقداً ثقافياً. وعد الغذامي"الترميز"أهم وأكبر مشكلة في مسيرة الثقافة السعودية، معتبراً الجودة في الرجوع عما كتبت من قبل، لا في الإصرار على المضي في ما تكتب. واستعرض الغذامي، مسيرة المحاضرة الكتاب"الرجولة عماد الخلق الفاضل"، موضحاً أنها ألقيت في جمعية الهلال الأحمر في مكة، وتسلمها عبدالله عبدالجبار لتكون بين أوراقه في شقته في القاهرة، ومن محاسن الصدف أن يأتي شحاتة لاسترداد هذه المحاضرة، قبل يوم واحد من القبض على عبدالجبار ومصادرة كل ما بحوزته من أوراق. وتوافق الغذامي مع طرح الدكتورة لمياء باعشن التي ذهبت في ورقتها إلى أن"الأنوثة هي عماد الخلق الفاضل"مستشهدة بما خص به شحاتة المرأة، مثلة في زوجاته وبناته من فضيلة الحياء، والتي هي ضابط العفة وصمام الأمان. وفي ورقته عن مثالية الشاعر الفيلسوف والذات الحرة في نتاج حمزة شحاتة، تحدث الدكتور صالح بن زياد عن أهم الملامح ومنها غياب التاريخ، واختفاء الأحداث والوقائع، والأماكن والأشخاص، إلا أن هناك إشارات كما يرى ابن زياد ترمز إلى أساطير وشخوص تتجاوز حدود الواقع باتجاه فضاء أكثر رحابة، وهو الفضاء الإنساني المفتوح على معاناة الوجود، ولا تتوقف الرؤية الشحاتية عند هذا الحد، بل يرسم موقفاً شمولياً ضد العبودية والذل. وألمح الدكتور صالح إلى التطريب في شعر شحاتة، والذي يمثل تجلياً من تجليات الحرية، ووصف ذات الشاعر بأنها متجاوزة للأنا العملية أو النفعية، كما لفت الباحث ابن زياد النظر إلى التكرار الملح لبعض المفردات في شعره والتي تؤكد النزعة الفلسفية نحو التجرد من قيد الزمن ورفع مستوى الفكرة فوق مستوى الوقتي العابر. وقدم الدكتور محي الدين محسب، ورقة عن"المفهوم ورؤية العالم"من خلال أسلوبية حمزة شحاتة، سعى من خلالها إلى التفكيك المعرفي، الذي يحدد العلاقات بين المقولات والروابط، وأوضح محسب أن الفتنة في أسلوب شحاتة مؤشر جمال، وقيمة إيجابية تنهض بالتعبير. ومن خلال المداخلات العديدة على الجلسة التي أدارها برحابة صدر الدكتور سعيد عطية أبو عالي، دار نقاشاً بلغ حد السخونة في بعض الأحيان، حين خالف الدكتور محمد ربيع الدكتور الغذامي في فكرية الشعبية عند شحاتة، واستدل بما ورد في كتاب الرجولة، مؤكداً أن شحاتة مع الفارابي في الرسمي، وهو تبني الفضيلة مفاهيمياً وإن لم تفعل على أرض الواقع، فيما يرى الدكتور حسين المناصرة أن مقولة كراهية شحاتة للنشر أكذوبة، وتحفظ الدكتور عبدالله الفيفي على منهجية النسق، طالما أن النص صريح في مدلوله. من جهة أخرى، استأنف"ملتقى النص"نشاطه صباح أمس، بجلستين صباحيتين، كانت الأولى قراءة في نصوص حمزة شحاتة، حيث ألقى الدكتور حافظ المغربي ورقة عن استدعاء الأسطورة وتحولات الخطاب في قصيدة"أبيس"، فيما قدم الدكتور سعيد أبو عالي قراءة تربوية لنتاج حمزة شحاتة. واستعرض الدكتور عالي القرشي ذهنية النص في رسائل حمزة شحاتة. وتحدث الشاعر أحمد قران الزهراني، عن الأسطورة في شعر حمزة شحاتة، وأدار الجلسة الدكتور محمد ربيع. مفكر تقدمي يفكر بحداثة وفي الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور محي الدين محسب، وبدأها الدكتور صالح بن رمضان، فتحدث عن الخطاب الأخلاقي عند حمزة شحاتة"الأصول والغايات"وأثر سيكولوجية القوة المادية والجسدية ليبرز نيتشه واستناده إلى نظرياته، التي دحضت الأصول اليونانية القائمة على الأخلاق، وبين أن خطاب شحاتة لم يكن أكاديمياً عن الأخلاق، بل روح مفكر تقدمي يفكر بحداثة. واختارت الدكتورة فاطمة إلياس، جانباً إنسانياً خاصاً من حياة الأديب شحاتة، في محاضرة بعنوان"الأمومة في حياة حمزة شحاتة"، وتحكي عن جانبه الشخصي بحكم صداقتها بابنته الصغرى زلفى، ووصفت نصائحه لابنته وكأنها نصائح أم في ليلة زفاف ابنتها. تحدثت عن اهتمامه بالجانب الغذائي وحتى الحميمي لدى بناته، وما نتج من تربيته لهن من قوة شخصية وتدفق أفكار وصلابة. واستند الدكتور محمد حبيبي إلى أبيات شعر مختلفة، ألّفها حمزة شحاتة ليستشهد بعنوان المرأة في شعر حمزة شحاتة، وبخاصة الجانب العاطفي من نظرته لها، ومحاولة استنتاج الجانب الرومانسي لصورة المرأة، من خلال نصوصه الشعرية، ويوضح أن مفهوم المرأة لديه متنوع نتيجة لاتساع ثقافته. الدكتور شوقي علي الزهرة تطرق إلى المقاربات التشبيهية، في شعر حمزة شحاتة ومخاطبته لليل ووجود نمط ثان، وهو الصعب والمخيف. إضافة إلى رؤية شحاتة للحس المادي كرؤية تشكيلية فنية ضاع فيها الجمال. واختتم الملتقى نشاط الأمس بجلسة مسائية واحدة، شارك فيها الدكتور محمد الشنطي بورقة عن"أثر الموقف الفكري في جماليات القصيدة عند شحاتة"، كما تحدث الدكتور محمد ربيع الغامدي في ` عن"شحاتة فيلسوف الحرية"، والدكتور سيد إبراهيم بورقة"للشعراء أيضاً مدنهم الفاضلة"، وسحمي الهاجري، بورقة عن"مركزية الذات المبدعة عند حمزة شحاتة"، وأدار الجلسة الدكتور عبد المحسن القحطاني.