قدم أعضاء خميسية عبدالرحمن موكلي صورة مشرقة للوفاء، تمثلت في العناية برموز الفكر والإبداع في بلادنا، وتكريم الرواد الذين يقطنون العتمة ويقدمون أبهج الإضاءات، وذلك حين التفوا حول أعمق صوت شعري ناضح بالإنسانية ومضمخ بهم المتعبين، ليمسحوا عنه بعض تبعات الجفاء والجحود التي تعرض لها الشاعر الكبير علي بن أحمد النعمي. مبادرة شخصية وكريمة قام بها الموكلي ورفاقه، عرفاناً لرجل خدم وطنه وأمته بتفانٍ، ولم يجن - كما قال في كلمته - سوى المزيد من التجاهل حد الحرمان، ولربما كان للمتجاهلين عذرهم، إلا أن العقوق لا يبرر. ولا ريب في أن جيل الرواد من المبدعين السعوديين، يعرفون اسم الشاعر الرقيق والكاتب علي النعمي جيداً، ومن أبرز ملامح عرفان الرجال للرجال، زيارة وزير الثقافة والإعلام إياد مدني للنعمي والسؤال عنه، وطرح اسمه كشخصية تستحق التكريم في أهم المناسبات الوطنية. في أمسية الوفاء يوم الخميس الماضي، صنع الشاعر والمفكر إبراهيم طالع، وهو يقدم للحضور تعريفاً بالمحتفى به، مظلة لفظية تعبق برائحة الحب وتليق بمقام المكرم والمكرم، وسطر من خلالها أبيات فخر في هذا الجنوبي المكافح، والمنغمس في الإنسانية من رأسه حتى أخمص قدميه. وتحدث الشاعر النعمي عن رحلته مع الحرف منذ الستينات الهجرية، وعن مراحل الدراسة في المعاهد العلمية، وفي جامعة الإمام، وعن عمله في الصحافة، وذكر قصصاً مؤلمة تحمل أنماطاً من الاستلاب والتحجيم والتجاوز. ثم قدم الأديب الناقد إبراهيم أبوهادي ورقة، جال خلالها على جميع الدواوين الثمانية التي أنتجها النعمي، واستعرض بأسلوب شائق وممتع، نماذج من إبداع الشاعر، مستعرضاً ألوان المعاناة التي عاشها وعايشها النعمي. وشارك بعدها الشاعر حمزة الشريف باتصال هاتفي، أثنى فيها على قدرات النعمي الشعرية، واعتباره رمزاً من رموز العطاء الخلاق في السعودية. فيما تحدث الدكتور حمود أبوطالب عن جوانب إنسانية تجلت في سلوكيات النعمي، لمس بعضاً منها، وسمع الكثير من المعمرين وكبار السن. وتوالت المداخلات من عدد من الحضور الذين ثمنوا للموكلي هذه البادرة، وسعدوا بوجودهم في ليلة الوفاء. وتوقف الشاعر عبدالرحمن سابي أمام نبرة الشكوى المتأصلة في شعر النعمي، ليجيبه النعمي بأن من يزور بيتي ويعرف ظروفي سيكشف سر الشكوى التي تبرز، رغماً عني في قصائدي، ويضيف النعمي بأنه لا يجد منزلاً يليق به، ولا يملك رصيداً ينفق منه على نفسه وعياله، وربنا يديم الستر، كما قال. وكعادته كان للدكتور محمد حبيبي مشاركة مطولة تنم عن صلته الوثيقة بشعر النعمي، معتبراً أن علي النعمي أول من فصح الشعبي، وشعبن الفصيح، واستغرب هذا الجحود الظاهر والإعراض عن إبداع النعمي، علماً بأن جامعات العالم المتحضر تتسابق على احتواء مسودات الشاعر، بعد هذا العمر المديد، ناهيك عن دواوينه. واقترح الحبيبي وإبراهيم طالع فكرة طباعة مجموعة شعرية جديدة للشاعر على نفقة أعضاء"الخميسية"، ووجدت الفكرة ترحيباً وأصداءً جميلة من الحضور.واختتم الشاعر النعمي الأمسية بتقديم قصيدتين من جديده الشعري.