موجة الإشاعات لها تأثير بالغ في الرأي العام في كل أنحاء العام، ووصولها إلى هذا الحد من الانتشار والسرعة نتيجة طبيعية لنقص المعلومات الصحيحة التي تدحض الإشاعة، إلى جانب عدم ثقة المواطن بالمؤسسات الرسمية في بلاده أو عدم قدرة هذه المؤسسات على بناء مستوى من الثقة والصدقية بينها وبين المواطن، ما يؤدى إلى انتشار تلك الإشاعات. وللإشاعات مصطلحات وتعريفات متنوعة، أشهرها تعريف جيمس دريفر"إنها قصة تدور في مجتمع معين تعلق على حدث معين"... والإشاعة كما يعرفها الباحثون هي قضية وعبارة نوعية مقدمة وقابلة للتصديق والتناقل من دون تدقيق في صحتها، وهي بالتالي نوع من الاتصال بالمعني الإعلامي . من هذه التعريفات يتبين لنا ماهية الإشاعة وكيف تنشأ، إما أن تكون حول قصص وهمية بعد كوارث... كإشاعة الأطباق الطائرة في الأربعينات من القرن الماضي أو الإشاعات التي دارت حول المفاعل النووي في جزيرة ثري مايل في ولاية بنسلفانيا أو التي أثيرت حول"الهولوكوست"أو ما يثار حالياً حول إشاعات أنفلونزا الطيور في مصر التي كان أخطرها بالطبع إشاعة تلوث مياه النيل بسبب الوباء. وكانت النتائج التي توصل إليها الباحثون، إضافة إلى الأبحاث التي نشرت في كتاب"الإشاعة والقيل والقال، وعلم النفس الاجتماعي والإشاعة"الذي ألفه روسنو مع العالم الاجتماعي غاري آلان، تدعم النظرية التي تقول إن الإشاعة تنتج من الامتزاج الأقصى بين الحيرة والقلق. وباختصار، فإن الإشاعة تعيش إما لتحقيق الحاجات أو التوقعات التي أثارتها أو لخفض مستوى القلق. وقد كان الناس منذ قرون ولا يزالون يتبادلون الإشاعات غير المألوفة التي كان أبطالها غالباً من المخلوقات الأسطورية أو الوحوش أو من القادمين من كواكب أخرى. من يلجأ إلى الإشاعات؟ تلجأ بعض الحكومة لنشر الإشاعات للتكتم على فضائح أو كوارث حقيقة مثل حوادث التجارب النووية أو استطلاعات الرأي حول قضية مستقبلية تهم المجتمع، كزيادة الأسعار مثلاً، وقد تستخدم لكسب التأييد الشعبي كما فعلت أميركا قبيل احتلال العراق من نشر كثير من الإشاعات حول ترسانته من الأسلحة النووية والكيماوية. وأدى استخدام الإشاعات في الحروب، كنوع من أنواع التكتيكات النفسية، إلى تأكيد بعض الأمور غير الصحيحة مثلما فعلت الولاياتالمتحدة مع الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة. ولم تسلم أسواق النفط من موجة الإشاعات، إذ حذر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عند تدشينه المنتدى الدولي للطاقة في الرياض من التأثر بالإشاعات، ودعا إلى الحوار بين الدول المستهلكة والدول المنتجة للنفط وزيادة الشفافية في الأسواق العالمية. وتشهد حالياً التداولات في أسواق المال والأسهم تأثراً واضحاً بالإشاعات، اذ أن بعض المستثمرين لا يعتمدون في قراراتهم الاستثمارية على مؤشرات السوق وحدها. فدافع الربح يحدو ببعض المستثمرين إلى الوقوع فريسة الإشاعات التي يطلقها البعض بهدف التأثير في حركة التداولات.في العادة، تتراجع الإشاعات عندما يصبح المجهول معلوماً، وتزول أسباب الغموض، ولكن المواضيع والأفكار العميقة المتضمنة في بعض الإشاعات تبدو كأنها لا تموت، وتصبح جزءاً من البنية الاعتقادية للمجتمع وانعكاساً لما يشغل بال الناس، كما وصف توماس كارلايل التاريخ بأنه عملية تقطير للإشاعات. وأسهمت وسائل الإعلام الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة، التي تنوعت بأجيال جديدة براقة وجاذبة في زيادة حدة القلق والوهم لدى الناس من خلال السرعة الفائقة التي تنقل بها الإشاعة عبر رسائل الهواتف النقالة SMS إلى الرسائل المتحركة على شريط أسفل شاشات القنوات الفضائية وكذلك عبر المنتديات أو الدردشة أو البريد الإلكتروني. إن فعالية وسائل الإعلام أوجدت طاحونة إشاعات متمادية، من شأنها إما أن تقرب الناس من بعضهم البعض، أو ترفع من حدة قلقهم وأوهامهم، وفي الحالتين كلتيهما نجد أن تكرار الإشاعات التي لها جذور ممتدة من القرون الماضية يرينا أن الناس لم يتغيروا كثيراً عبر التاريخ، وقد تكون أساليب حياتهم مختلفة الآن عما مضى، إلا أن قلقهم وأوهامهم لا تزال كما هي. سعود الهويريني - الرياض [email protected]