بعد مضي 38 عاماً من عمرها، لا تفكر جليلة في أن يعقد قرانها على رجل يغير مجرى حياتها إلى الأحسن، أو أن ترزق أطفالاً كبقية الأمهات، فكلمة"عانس"تطوق عنقها كقلادة، وهي تدعو على أخيها يومياً بالموت والهلاك، بعد أن حرمها من حقها الفطري في الزواج من أجل حفنة من المال. أخوها الأعزب ذو الخمسين عاماً، صار ولي أمرها بعد وفاة والديها في مرحلة الطفولة. في تلك الأثناء، لم تكن تعي ما يدور حولها لصغر سنها، وكانت تعيش على وقع صوته وتحت مظلته وكنف رجولته في منزل واحد. تقول عن معاملته لها ولأخواتها، إنه"أحكم قبضته عليّ وعلى أخواتي الثلاث، ليس ذلك من منظور أخوي وإنما جاهلي، وحرمنا من نعمة الزواج". وتقول جليلة بصوت حزين:"بعدما كبرنا وصرنا على مشارف الزواج، طرق باب منزلنا عدد من الشبان الراغبين في الاقتران بنا، وكان أخي يختلق أعذاراً واهية لا تمت للحقيقة، ودائماً ما يقول إن المتقدمين غير صالحين أخلاقياً، أو ليسوا من مدينتا، فهم غرباء ولا نعرف أي شيء عن سلوكياتهم وإمكاناتهم المادية، ويضع عشرات العيوب في المتقدم للزواج، ونحن لا نملك حريتنا". وتذكر أن أخاها"كان يرفض زواجنا من أجل حفنة من المال، تأتي سنوياً من وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي إعانة تقدر بعشرة آلاف ريال، وخوفاً من أن تقطع عنه تلك الإعانة، أو تتقلص بعد إزالة أسمائنا من دفتر العائلة بعد الزواج، جعلنا عوانس". وتضيف:"رحل قطار الزواج بلا عودة، وأخي يتكئ على أريكته القديمة واضعاً رجلاً على رجل، لأن مصروفه اليومي يكون على حسابنا، فنحن أربع، التحقت ثلاث منا بسلك التعليم بعد التخرج من الكلية، ما جعله يتشدد أكثر في منعنا من الزواج، خوفاً من أن يصير الراتب من نصيب ولي أمرنا الجديد". وتضيف:"ظل الزواج حلماً يراودنا حتى نخرج من قفص الحرمان، وكل فتاة فقيرة تحلم بفتى يحمي مملكتها وعشها الزوجي، وتكوين عالمها الزوجي والخيالي، ومع كل يوم يمر نشعر بالمرارة، خصوصاً حينما يتعجرف ضارباً بمشاعرنا عرض الحائط، رافضاً مناقشتنا عن مستقبل حياتنا". وتشير إلى أنهن شكونه إلى أقرب الناس إليهم، خصوصاً في ما يقوم به تجاههن من ضرب وإهانة ومنع من الخروج من المنزل أياماً عدة، وتقول إنه"يبرر ذلك بالخوف علينا من الانحراف السلوكي، ودائماً ما يرد على من يريد التدخل:"اتركونا وشأننا، فهذا الأمر لا يخصكم ولا يخص عوائلكم حتى تعاقبونا". ولم يفلح تحرك رجال الدين في لجمه وردعه، وإقناعه في العدول عن قراراته المجحفة والمتصلبة تجاه أخواته، على رغم الضغط الممارس عليه، وتقول جليلة:"نعيش حياتنا اليومية في مرارة وكدر، نتذكر ما فعله بنا هذا الديكتاتور، رافعات أيادينا إلى السماء، داعيات عليه بالحرمان والموت".