ارتبط مهرجان الجنادرية الذي يتضمن رسالة من الأجداد إلى الآباء والأحفاد، بذاكرة الشعب السعودي. تسافر خيالات البعض لتعود بهم الذاكرة إلى المهرجانات السابقة، وما أسهمت فيه من ترسيخ وتجسيد لتاريخ أبى أن يدفن، مثبتة للعالم أجمع أن المملكة ذات تاريخ بني على عقيدة إسلامية واضحة. معجب القحطاني أحد المشاركين في مهرجان هذا العام، عادت به الذاكرة إلى عقود خلت، حينما كان لا يزال فتى لم يبلغ الحلم، وشاهد للمرة الأولى مهرجان الجنادرية الرابع، الذي اصطحبه إليه عمه سعيد، ومرت السنون ليصبح شاباً في العقد الثالث من العمر، فتربى على حب الجنادرية وآثر حضورها والمشاركة بهذا التقليد الوطني سنوياً، كما أبى أن يكون وحده فعمد إلى اصطحاب أبنائه لمشاهدتها كما كان يصطحبه عمه سعيد طفلاً. ويروي القحطاني قصته قائلاً:"للجنادرية عندي ذكريات لا تنسى، أحببتها من بدايتها، وبدأت مشاركتي منذ عام 1409ه في جناح منطقة عسير". ويضيف"سألت عمي رحمه الله عن آلة كان يستخدمها سكان منطقة عسير لتجهيز الحليب وكنت أجهلها، فاشتراها وشرح لي عند عودتنا إلى المنزل طريقة استخدامها، فعلمت أن الأجداد كانوا يضعون فيها الحليب ويقومون بخضها لنحو ثلاث ساعات لاستخراج الزبدة منها. وما زلت إلى الآن احتفظ بتلك الآلة كذكرى جميلة لن أفرط فيها، وتوليت تعريف أبنائي بطريقة استخدامها". ويشير إلى أنه من خلال معايشته للمهرجان في الأعوام الماضية، لاحظ أن هناك إقبالاً كبيراً عليه من فئات المجتمع كافة، ليتضاعف الإقبال عاماً بعد عام. وزارت"الحياة"جناح منطقة عسير الذي يقع في الجهة الشمالية من قرية الجنادرية، ولاحظت أن عدد الزوار لا يقل عن عدد زوار جناح المدينةالمنورة إن لم يكن أكثر، ولعل العامل الرئيس هو تميز فرقتها الشعبية المشاركة بأسلوب جديد ووجوه جديدة لهذا العام. وكان شاعر فرقة عسير أبدع في قصائد وطنية، أبرزت وحدة الشعب السعودي ووقوفه إلى جانب القيادة الرشيدة. وتفاعل الزوار مع هذه القصائد إلى درجة أنهم حاولوا أن يتعلموا طريقة"العرضة والخطوة"، وحمل الكثير من الزوار كاميرات الفيديو لتصوير المشاركين في الفرقة، وانفرد أيمن الذي حضر من محافظة جدة بأحد المشاركين في الفرقة بعد انتهاء العرض ليوضح له كيفية إتقان"العرضة"، فما كان من المشارك إلا أن أوقفه إلى جانبه، وبدأ يشرح له لمدة تجاوزت النصف ساعة كيفية إتقان الخطوات. ويقول أيمن:"استمتعت كثيراً بزيارة جناح عسير وسأتعلم رقصة الخطوة في مهرجان العام المقبل بعد أن أتقنت العرضة التي كنت أحاول تعلمها منذ مدة طويلة". ولم يخف بائع عصير السمسم عبده الفرج المشارك في الجناح للسنة السادسة معاناته"الطريفة"التي تواجهه منذ مشاركته في أول سنة، ويقول:"يشتكي الجمل، مصدر رزقي، الذي أصحبه دائماً إلى الجنادرية من مضايقات لم يحلها القائمون على تنظيم المهرجان، وإذا لم يتم حلها في هذا العام فلن أشارك في المهرجانات المقبلة". وتتلخص المشكلة في مضايقات الأطفال للجمل وكأنهم لم يروا جملاً في حياتهم. ويشير الفرج إلى رمي الجمل بالأحجار وإعطائه بقايا الوجبات السريعة التي لم يتعود عليها في محايل عسير، ما أثر على صحته وقلل من إنتاجيته في العمل، مطالباً في الوقت نفسه أولياء الأمور بتنبيه أطفالهم إلى عدم إيذاء الجمل أثناء حضورهم إلى القرية التراثية، أو زيادة عدد الحراس من شخص واحد إلى اثنين كحل معقول. وشرح عبده طريقة تحضير عصير السمسم السليط مستخدماً عصا صغيرة وخشبة أخرى لدقة الإيضاح، ويقول:"يوضع السمسم في المعصرة، وهي عبارة عن وعاء يتسع ل 100 لتر تقريباً وتصنع من السدر، ويقوم الجمل بالدوران حولها حتى يخرج العصير بعد أن يلف الجمل لمدة تتجاوز الساعة". وعن أنواع السمسم الذي يتم عصره، يوضح أن"السمسم قد يكون بلدياً يزرع في محايل أو خارجي يستورد من السودان والصومال"، مشيراً إلى أن السمسم البلدي هو الذي يكثر الإقبال عليه، ويتراوح سعره من 30 إلى 100 ريال للقارورة الواحدة. ابن جدلان والأسمري في قرية عسير التراثية تزامناً مع افتتاح مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة، تفتح قرية عسير التراثية أبوابها للزوار اليوم، بحضور شعراء كبار، مثل سعد بن جدلان وعبدالله الأسمري في الشعر النبطي، والشاعر يحيى رديف في الشعر الفصيح. ويقول صالح البكري المكلف من إمارة منطقة عسير بتطوير قرية عسير التراثية:"إنه تم الاستعداد لهذه المشاركة الوطنية من خلال برامج متنوعة، تجمع بين الموروث والأصالة والحاضر والمستقبل الذي تمثله الفرق المشاركة". ويضيف:"إن العروض الشعبية ستفرض حضورها في المهرجان، إضافة إلى الأمسيات الأدبية والمحاورات التي يحييها كبار الشعراء في المملكة، إضافة إلى الشعراء سعيد بن هضبان، صالح بن عزيز، علي الخراشي وعلي السالمي للون العرضة، كما تضم القرية فرقتي رجال الحجر ورجال ألمع، وذلك ضمن فعاليات الرقصات الفلكلورية.