مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    اتحاد الغرف يطلق مبادرة قانونية للتوعية بأنظمة الاستثمار في المملكة والبرتغال    الاحتلال لا يعترف ب (الأونروا)    «الكونغرس» يختار الرئيس حال تعادل هاريس وترمب    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة ومولدوفا تعززان التعاون الثنائي    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    «حديقة السويدي» من ثقافة باكستان إلى الأسبوع اليمني    شتاء طنطورة يعود للعُلا    «الأسبوع العربي في اليونسكو».. ترسيخ المكانة الثقافية في المملكة    12 تخصصاً عصبياً يناقشه نخبة من العلماء والمتخصصين بالخبر.. الخميس    برعاية الأميرعبدالعزيز بن سعود.. انطلاق المؤتمر والمعرض الدولي الرابع لعمليات الإطفاء    ليلة الحسم    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    رئيس الشورى يستقبل السفير الأمريكي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    تنوع تراثي    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    ترمب وهاريس في مهمة حصاد جمع الأصوات    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على مناطق المملكة حتى السبت المقبل    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    قائد القوات المشتركة يستقبل الشيخ السديس    الأمين العام للتحالف الإسلامي يستقبل وزير الدفاع العراقي        حرس الحدود بعسير يحبط تهريب 150 كلجم من القات    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدير مكتب التربية لدول الخليج العربية: أطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب! . علي القرني ل "الحياة": التعليم مختطف... وخاطفوه في المجتمعات كُثر!
نشر في الحياة يوم 14 - 11 - 2006

شئنا أم أبينا فالتربية والتعليم تسكن كل حيز في كوننا، وكل شيء يرتبط بعلاقة مباشرة وغير مباشرة مع كائنات التربية والتعليم، وأصبح تفوق الأمم مرتبط بنظام تعليمي قوي وبمؤسسات تربوية تمنح أفراد المجتمع برامج تصنع لهم شخصياتهم وتطور أفكارهم.
الدكتور علي القرني تربوي من رأسه حتى أخمص قدميه، ما من مجال تربوي تعليمي إلا وطرق أبوابه ووضع بصمته عليه، تدرجت مناصبه وتنوعت هنا وهناك، من معلم إلى مدير للبحوث التربوية فمستشار، فأمين للجنة العليا لسياسة التعليم ثم مديراً لمدارس المملكة الأهلية وآخر محطاته تسلمه لمنصب مدير مكتب التربية لدول ال خليج العربي. والدكتور علي يتميز بالوضوح والشفافية في كل شيء ومواجهة الصعاب وعدم التشدق بالانجاز. لن أطيل عليكم ولن أسرقه منكم... دعوني أتجول به معكم في أفياء التربية والتعليم، لنتلمس واقعنا فنفرح لفرحه ونحزن لحزنه.
هل اخترت التربية لحياتك العملية أم هي اختارتك؟
- اختار الله وقدّر، كانت الظروف غير الظروف ولم أكد أنهي المرحلة المتوسطة إلا وقد أنهكتني الغربة وتداعياتها، فالتحقتُ بمعهد إعداد المعلمين الثانوي من أجل المكافأة المادية... وهكذا كان.
ألاَ تشعر أن القرار التربوي مستباح من الكل؟ والتربويون المختصون هم مجرد أدوات تنفيذ ليس إلاّ؟
- قليلة تلك القرارات التربوية المبنية على أساس تخصصي أو على نواتج بحث تربوي"فكلٌ يدعي وصلاً بليلى"غير أن للتربويين دوراً في التنازل عن أدوارهم لغيرهم جراء تواضع مستويات أداء الكثير منهم وجمود البعض منهم في مجال نزاع إلى التغيير.
التعليم يا صاحبي مختطف وخاطفوه في المجتمعات كثر، ومن يظن أن وزارة التربية والتعليم هي من يتحكم في التعليم فقد جانبه الصواب.
مؤسساتنا التربوية أسيرة فكر أشخاص، لذا تتغير الهويات كل حين، ودائما نعود للصفر... إلى ماذا تعزو ذلك؟
- هذه المشكلة مرتبطة بالنقطة السابقة، وبخاصة إذا اقتنع من يتولى أمر التربية في أي زمان بامتلاكه الحل الحاسم لقضايا التربية، فيصبح صاحب رأي واحد يسعى لفرضه وتسفيه كل ما سواه، في حين أن أهم سمة يجب أن يتسم بها التربوي تحلّيه بالمرونة في التفكير وإيمانه وإدراكه بأن المنطقة الضبابية في ميدان التربية هي السائدة. وأنه لذلك بحاجة إلى كل فكر لتتراكم التجارب ويتحقق الإنجاز. من جانب آخر فإن أهم ما يميز العالم المتقدم ويقف خلف إنجازاته هو وجود أنظمة ناضجة تجعل المؤسسة فوق الفرد. أما في عالمنا فلا يزال الفرد هو الأساس ولهذا ترانا ندور حول أنفسنا وتزداد المسافة بيننا وبين التطور طولاً يوماً بعد يوم.
البحث التربوي المظلوم الأكبر محلياً وخليجياً، على رغم أننا نملك كل الأدوات... أهو عدم إيمان به أم خوف من تبعاته ونتائجه؟
- أين هو البحث التربوي كي يُظلم! صحيح أن دولنا لا تنفق على البحث، وأن ما يخصص له يثير الضحك مقارنة بما يحدث في العالم، غير أن الباحث التربوي لدينا لا يزال يعد بحوثاً جامدة يترقى بها في الجامعة أو يحصل بها على شهادة ليس إلاّ، لكنه لا يتصدى للبحث التربوي - المعقد بطبيعته - بالطرائق المنهجية المطلوبة ولا يعالج المشكلات الحقيقية. يكفي أن أشير إلى أن مكتب التربية العربي لدول الخليج يخصص جائزة جيدة للبحث التربوي، لكنها تحجب عاماً بعد عام لعدم وجود بحث تربوي جدير.
التربية والسياسة
التربية والتعليم أصبحت حاضرة في كل خطاب سياسي... أهي دعاية سياسية أم هي شيء آخر؟
- إذا أراد الساسة تطوير الدولة فلا بد من أن يبدأوا بالتعليم، فهم يدركون هذه الحقيقة ويؤمنون بها، ولهذا يتصدر ميدان التربية والتعليم الخطاب السياسي غير أن المهم هو ما بعد الخطاب، فالساسة عادة يصطدمون بواقع ارتفاع كلفة التعليم وتعدد متطلباته فيأتي الإصلاح قاصراً لا يلامس الجوهر ليكون ذلك محركاً لخطاب سياسي آخر وهكذا. غير أنه للإنصاف بالنسبة إلى دولنا في الخليج العربي أن أشير إلى صدق التوجهات لدى القيادات العليا لتطوير التعليم، لكن العلة في اختلاط الأولويات واستعجال النتائج وضعف إدارة الموارد وغياب العمل المؤسسي واختطاف مسؤولية إصلاح التعليم.
محطاتك التربوية العملية تعددت وتنوعت... أيّها استمتعت بها أكثر؟ وأيها حمدت الله على الخلاص منه بأقل الخسائر؟
- ما من محطة وقفتُ بها إلا وظننتها الأخيرة فأتفانى بها وأسعد، وحين يقتضي الأمر المغادرة تظل في الذهن ذكرى جميلة لا تنسى ولم تفارقني المتعة في كل ما قمت به إلا أن العمل الميداني يظل الأصعب والأكثر تفاصيلاً، وحينما شرفت بالعمل في مدارس المملكة أدركت عن قرب ضخامة العبء على مديري المدارس والمعلمين وراودتني المخاوف مراراً على الصحة.
كيف كنتَ تنظر إلى مكتب التربية لدول الخليج؟ وكيف وجدته من الداخل؟
- منذ إنشاء مكتب التربية العربي لدول الخليج قبل أكثر من 30 عاماً، وأنا أسمع به وأقرأ بعض إصداراته، فقد كان المصدر التربوي الوحيد للجديد في التربية ومع اقترابي منه عبر الأيام ومشاركاتي في بعض نشاطاته نشأتْ لي معه علاقة وجدانية لم يدر بخلدي أنها ستتحول إلى مسؤولية عملية، والآن وقد كان فإن المهمة كما رأيتها جسيمة جداً، خصوصاً أن من سبقوني لم يتركوا مجالاً من المجالات التربوية إلا وطرقوه، ومع ذلك فالمكتب بإذن الله على موعد مع إنجازات قريبة تسهم بوضوح مع وزارات التربية في عملية تطوير التعليم المنشودة.
دول الخليج والتربية
أليسَ عيبا أن دول الخليج غير متفقة على إطار تعليمي موحد ولو في السلم التعليمي والدوام الدراسي؟
- أؤكد لك أن الرغبة موجودة في تبني هيكلة تعليمية واحدة... ولكن أي هيكلة وأي نموذج؟ هذا هو السؤال. كل دولة ترى في نموذجها مزايا تفي بظروفها وحاجاتها، ولو ثبت بالمؤشرات فعالية نموذج في دولة معينة لسارعت بقية الدول إلى تبنيه، لأنها جميعها في حال بحث دائب عن تعليم فاعل يؤهل أجيالها للمنافسة عالمياً. وطالما أن لكل نموذج سلبياته فإن طريق توحيد الأنظمة واقترابها من بعضها يأتي من خلال الاشتراك في مشاريع تربوية موحدة كالتي ينفذها مكتب التربية العربي لدول الخليج مثل توحيد الأهداف العامة للتعليم والمواد الدراسية والأطر المرجعية الموحدة لقضايا مختلفة كالتقويم الدراسي ومصادر التعلم، والمكتب يعمل حالياً على جمع جميع معلمي دول المكتب على صعيد تقني واحد وتهيئة بيئة حوارية تفاعلية تنمي القدرات وتنقل الخبرات والتجارب المميزة من بلد إلى بلد.
يشاع أنك ضد توحيد المناهج الخليجية، وأنك تؤمن بخصوصية كل دولة؟
- هذه الإشاعة قد تهبط بالمؤشر... لكنها صحيحة في جزئها الأول، أما جزء الخصوصية فلا أعلم عن خصوصية لأي دولة من دول الخليج إلا في نطاق ضيق جداً يرتبط أكثره بالتاريخ والجغرافيا.
إنني أؤمن بأهمية تعدد التجارب التربوية وتنوعها وفيما عدا السياسات والأهداف العامة أميل إلى أن تختار المدارس مقرراتها الدراسية من قوائم معتمدة، ولا بأس أن تكون تلك القوائم موحدة بين دول الخليج. وبالمناسبة فقد بذل مكتب التربية في السابق جهداً غير عادياً وألف كتباً موحدة للعلوم والرياضيات، وهي تطبق حتى الآن في بعض دول الخليج، لكنها يجب ألا تكون عائقاً أمام التنوع وأمام الإبداع ومسايرة متطلبات العصر.
ما المشكلة التعليمية التي يتفق عليها الخليج؟
- في نظري أن مشكلة ضعف الحافز لدى الطلاب هي أهم مشكلة تواجه التعليم في دول الخليج، ويعود ذلك إلى التكافل الاجتماعي الاستثنائي الذي يميز مجتمعاتنا، والذي يضعف الشعور بالحاجة إلى التعليم لدى الشباب. تليها مشكلة كفاية المعلمين وتدني إنتاجيتهم، ولهذا فإن المناداة بتطوير المناهج بهذا الإلحاح الذي نراه في وسائل الإعلام هو خلط للأولويات، وأنادي من هنا بتأجيل تطوير المناهج والالتفات قبل ذلك إلى رفع كفاية أداء المدرسة مديراً ومعلماً وطالباً. لن نجني من تنفيذ مشاريع تطوير المناهج في وزارات التربية والتعليم سوى مزيد من الهدر المادي ومزيد من فقدان الثقة في المؤسسات التعليمية وفي التربويين، فما الطائل من منهج مطور في يد معلم غير فاعل، وفي حقيبة طالب تتثاقل خطاه إلى المدرسة كل صباح.
المعلمات أفضل من المعلمين
ما رأيك في تأنيث التعليم الابتدائي وجعله حكراً على المعلمات فقط؟ وهل تؤيد دمج الطلاب مع الطالبات في هذه المرحلة؟
- تؤثر المواقف التي يتعرض لها الأطفال لدى التحاقهم بالمدرسة تأثيراً مباشراً في مسيرتهم التعليمية سلباً أو إيجاباً، ولذا يجب تركيز الاهتمام بالأطفال في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية من حيث الوفاء بحاجاتهم الجسدية والنفسية والذهنية والحرص الشديد على إكسابهم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب قبل انتقالهم إلى المرحلة التالية، وإلا فإن الضعف سيلازمهم إلى نهاية تعليمهم. ولكون التعامل مع التلاميذ في هذه المرحلة العمرية المبكرة يحتاج إلى روية وسعة صدر وروح أبوية وحنان فإنني أرى أن المعلمات الإناث هن الأنسب لتدريس طلاب هذه الصفوف، إذ إنه قل من المعلمين الذكور من يتسم بهذه السمات، ويؤيد ذلك العزوف الملحوظ لدى المعلمين عن تدريس هذه الصفوف.
إعداد المعلم الخليجي لا يزال أقل من مستوى الطموحات على رغم كثرة المؤتمرات والبرامج... برأيك أين الخلل؟
- بكل أسف فإن برامج إعداد المعلمين لا تزال تقليدية كما كانت قبل سنين طويلة. واختيار الطلاب المعلمين في كليات ومؤسسات إعداد المعلمين لا يزال بالأسلوب ذاته، ولا تزال برامج التدريب نظرية جامدة لا تلائم حاجة المعلم وظروفه... كيف نطمح إلى تعليم متطور في ظل وضع كهذا... ومع مراعاة عدم التعميم اعترافاً بوجود قلة من المعلمين المتميزين إلا أنني وبكل مرارة أقول أن وراء ضعف التعليم معلمين غير منتجين.
لا بد من أن نصل إلى المعلمين ولا نتركهم وحدهم ولا بد من أن نوفر لهم الدعم الذي يمكنهم من التعليم المستمر مدى الحياة ولا بد من أن نكافئهم ونعترف بفضلهم، ولعلي هنا أستعير عنوان كتاب صدر أخيراً:"أطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب".
هل أنت مع رخصة للتعليم واختبار كفايات مقنن وربط العلاوة بالأداء؟
- تمهين التعليم وإيجاد تنظيم للترخيص لمهنة التعليم أمر يعتنقه مكتب التربية، ويقوم حالياً على تنفيذ مشروع في هذا الاتجاه يهدف إلى إيجاد نظام للترخيص وإلى توفير اختبار لكفايات المعلمين. هذه ضرورة ولا شك في ذلك.
أما عن ربط العلاوة المالية السنوية بأداء المعلم في اختبار كفايات المعلمين فهو من حيث المبدأ أمر مطلوب إلا أن استثناء المعلمين بهذا التنظيم من دون سائر موظفي الدولة لا يحقق الغرض ويخلق شعوراً بعدم العدالة، وربما عدم الانتماء إلى مهنة التعليم، غير أنه يمكن ربط نتائج اختبار الكفايات بمحفزات أخرى غير العلاوة كتخصيص مكافأة تشجيعية أو الترقي لرتب أخرى مشرف، مدير مدرسة أو الأولوية في الترشيح للدراسات العليا والابتعاث أو الدورات التدريبية أو الأولوية في تلبية طلب الانتقال أو ما شابه ذلك.
خصخصة التعليم... هل هي الحل الأمثل لمشكلاتنا التعليمية؟ أم ترى بوادر أفضل من الخصخصة؟
- الذين يُنادُون بخصخصة التعليم لا يملكون الرؤية ولم يقدموا لنا الوصفة التطبيقية للتخصيص حتى الخبراء الأجانب الذين يحاولون تزيين الوضع في أعيننا لم يخصص التعليم في بلدانهم. إن إناطة إدارة المدارس بالقطاع الخاص يقتضي أن يحقق القطاع الخاص ربحاً وعائداً مادياً من وراء ذلك، وأنا لم أقتنع بعدُ بمعادلة تجمع بين الربح المادي والتعليم النوعي، واسألوا المدارس الأهلية الخاسرة. وهناك محاولات في بعض دولنا مرتبطة باستقلالية المدرسة وإسناد إدارتها إلى القطاع الخاص، إلا أنه لم يتبين بعدُ مدى فعالية هذا التوجه.
وفي رأيي أن التوجه إلى استقلالية المدرسة أمر محمود بحيث تعطى صفة الاستقلالية في اتخاذ قراراتها الاستراتيجية والتنفيذية في ضوء سياسات عامة وأهداف محدده ولكن بطواقم تربوية من الوسط التعليمي لتتفرغ الوزارة للمحاسبة والمتابعة. أما إسنادها إلى القطاع الخاص فلديَّ شكوك في عدم مناسبة ذلك حيث ستنجم مشكلات إدارية جديدة، إضافة إلى ارتفاع الكلفة وطغيان هاجس الربح.
الاستثمار في التربية والتعليم
من أبرز محطاتك العملية إدارتك لمدارس المملكة الأهلية... كيف ترى لقاء الاقتصاد بالتربية؟ وما الذي شجّعك على خوض هذه المغامرة؟
- الاستثمار في التربية يمثل أملاً كبيراً وأحلاماً عراضاً، ولكن بشرط ألاّ يكون الهدف هو تحقيق أرباح عاجلة وحينما شرفت بالانضمام إلى مدارس المملكة كان المطلوب مني هو تحقيق ممارسات تعليمية مميزة في بيئة فريدة فعلاً من حيث المباني والتجهيزات ذات الكلفة العالية وكانت بالنسبة لي تجربة ثرية جداً لن تنسى. أعود فأقول إن أفضل صيغة للقاء الاقتصاد بالتعليم هو في أن تكون المؤسسة التعليمية غير ربحية في البداية إلى أن تكون لها ثقافة تعليمية وتربوية تميزها عن غيرها وتجعلها محط أنظار المجتمع وتمكنها من اختيار طلابها وعندها يمكن أن تبدأ بعد ذلك في تحقيق الأرباح غير أن هذه الصيغة تتطلب أمداً طويلاً للاستثمار لا يقل عن 20 سنة.
هل إدارة العمل التربوي حكر على رجال التربية أم تؤيد أهل التخصصات الأخرى أن يديروا دفة مؤسساتنا التربوية؟
- حركات الإصلاح التربوي اليوم تنادي بإنقاذ التعليم من قبضة التربويين الذين ينقادون إلى توظيف تخصصاتهم في عملية الإصلاح ويقضون الكثير من الوقت في الجدل حول المصطلحات ويأتون ببرامج مكلفة ولا يلبثوا أن يتركوها إلى غيرها في عملية لا نهائية تكرس الأمر الواقع، ولا تتماشى مع المنطق، فالمدرسة على سبيل المثال لم تنل من التطوير ما نالته المناهج، وأداء المعلم لم يتم التركيز عليه بالقدر نفسه الذي يركز فيه على برامج مساندة في التربية مرتبطة هي الأخرى بالمناهج، فلا يؤتي التطوير أكله، أي تطوير ننشده إذا لم يرتفع أداء المدرسة إدارة ومعلمين؟ ومن هنا فإن التركيز على الجانب الإداري في العملية التعليمية أمر بات مطلوباً ومعه تأتي المناداة بإشراك غير التربويين في قيادة التعليم. وحينما يرتفع الأداء وترتفع أخلاقيات العمل وتبرز الحاجة إلى برامج مطورة في التربية يأتي عندها دور التربويين. وبالطبع فإن الوضع المثالي أن تسند قيادة التعليم إلى من جمع بين الحسنيين، القدرة الإدارية والتخصص التربوي.
ما مدى استفادتنا من"اليونسكو"في مجتمعنا التعليمي؟
- ليس كثيراً للأسف، مع أن لهذه المنظمة إصدارات وفعاليات مميزة، لكنها لم توظف لدينا، وهذا شأننا مع الكثير من المنظمات في الشأن الاجتماعي، ونحتاج إلى ذلك إلى مد جسور وتواصل مباشر بين المجتمع التربوي بصفة عامة، وهذه المنظمات بدلاً من حصر العلاقة في مكاتب اتصال تنتهي عندها المخرجات. أما عن مشاريع"اليونسكو"التي تنفذها في بعض الدول فلم نستفد منها كثيراً في دولنا، لأن المنظمة تنظر إلينا كدول ميسورة لا تحتاج إلى دعم، هذا إلى جانب أن ما تنفقه"اليونسكو"على المشاريع التي تنفذ في الدول يكون عادة محدوداً وغير مؤثر.
المنهج الخفي
"المنهج الخفي"مصطلح أصبح متداولاً على السطح... هل ترى فيه حضوراً لافتاً؟ أم هو تهويل ليس أكثر؟
-"المنهج الخفي"مصطلح دقيق يعبُر بنا إلى الجسر المهتز الذي طالما اضطررنا إلى عبوره باضطراب في كل مرة يتهم فيها منهجنا التعليمي بتحريضه على الإرهاب. إن نشر محتويات المنهج في الكتب المدرسية التي هي متاحة للجميع في كل زمان ومكان لا يمكن أن ينطوي على نية مبيتة للتحريض على الانحراف على رغم وجود بعض المحتويات المثيرة للجدل والتي استغلت من أصحاب التوجهات الخفية للتأثير في الشباب فكان أن نشأت ممارسات ظاهرها تعليمي وباطنها نار ودمار وكوّنت تلك الممارسات"المنهج الخفي"الذي نأمل أن نكون قد تحررنا منه بعد كشفه وتعريته إلى غير رجعه، والذي يجب أن تكون الحرب ضده مستمرة بلا هوادة.
عندما قرأتَ ملاحظات وانتقادات الغرب لمناهجنا الدينية... ماذا كانت رد الفعل الأولى لك؟ وهل التغيير يعد تبعية لهم؟
- أصدقك القول بأنني شعرت بالمرارة تجاه نفسي أولاً في ما يرتبط بالملاحظات الموجودة فعلاً في بعض مقرراتنا الدراسية، وذلك بحكم علاقتي بالعمل التربوي وشعوري بأن هناك أناساً احتكروا التأليف ومررواً علينا جميعاً مفردات تعليمية ما كان يجب أن تكون وقد أتى تعديلها متجاوباً مع حاجة ذاتية لنا في بلادنا فقد تضررنا بالإرهاب من بين أيدينا ومن خلفنا. لكن هناك انتقادات وملاحظات أخرى وردت من الغرب ليست واقعية ولا منطقية وفيها تدخل فج في شؤوننا، وهذه لا يلتفت إليها ولا يمكن حتى التفكير فيها.
لولا أحداث 11 سبتمبر، لما شهدت مناهجنا فوره الإصلاح والتغيير... هل تتفق مع هذا الرأي؟
- القول بأن أحداث 11 سبتمبر أملت علينا نزعة تطويرية لم تكن موجودة من قبل غير دقيق، ولو تأملت واطلعت على خطط وبرامج وزارة التربية والتعليم قبل هذا الحدث لوجدت أنها موجّهة بقوة نحو تطوير التعليم، بل إن إيقاع التطوير كان في نظري أسرع قبل 11 سبتمبر وأكثر تركيزاً منه بعد 11 سبتمبر، إذ بدا على بعض المسؤولين عن التعليم الحرج في التعامل مع التطوير، لكي لا يقال أنهم مسيّرون وغير مخيرين، وأن التطوير يأتي بإملاءات خارجية بعد ما حدث في نيويورك، خصوصاً أن بعض ما ينادي به الغرب يذهب بعيداً إلى حد المساس بثوابت راسخة في ديننا الإسلامي. الذي تغير بعد 11 سبتمبر هو اتساع دائرة الاهتمام بالمناهج في المجتمع وفي وسائل الإعلام، ما أدى إلى زيادة الضغوط على مطوري المناهج، وربما أربك هذا خططهم وبعثر أولوياتهم. أنا لا أقلل من حجم تأثير 11 سبتمبر غير أنه من المنصف التدقيق في مشاريع الوزارة التطويرية قبلُ وبعدُ، فالتعليم هو أساس النهضة والحضارة ويأتي تطويره نابعاً من حاجة ذاتية، وهي حاجة ماسّة جداً.
الإصلاح والاصطدام
هل خطط الإصلاح والتطوير للتعليم تصطدم بثقافات ومؤسسات تقاوم التغيير في كل شؤون الحياة؟
- مشكلة التعليم أن الجميع يُفْتُون فيه، وأن الكل يضع نفسه مسؤولاً عنه، وهو دوماً في بؤرة متناقضات أيدولوجية وسياسية تجعل كل الناس منظرين في التعليم وإصلاح التعليم، فهناك من نصّبوا أنفسهم حراساً للفضيلة، وكثير من هؤلاء لديه حساسية شديدة تجاه أي تطوير أو تعديل في التعليم ومناهجه وأدواته. وهناك من يرى أنه يملك الحل الحاسم في تطور التعليم حتى وإن كان ماضيه الدراسي لا يشفع له، وكان الله في عون من تناط به مسؤولية قيادة التعليم.
عندما ترى حقيبة ابنك الدراسية... ما التساؤلات التي تثيرها في داخلك؟
- هل تقصد أن الحقيبة الدراسية ثقيلة؟ هذه شكوى دائمة التردد، وهي مرتبطة بمشكلات أخرى تتعلق بالبيئة المدرسية للصفوف المبكرة بالمرحلة الابتدائية وبمعلمي هذه الصفوف. ولا أدري إن كان بالإمكان تخفيف وزن هذه الحقيبة، ولكن الوضع الصحيح ألاَ يحمل الطفل في الصفوف المبكرة جميع كتبه روحةً وجيئةً إلى المدرسة كل يوم، فهذه الصفوف تعد لتكون بيئة خاصة مختلفة عن حجرة الدراسة العادية، يطلق على هذه البيئة عادة مسمىHome base ويكون لكل معلم ومعلمه مقر دائم ويقوم بتدريس جميع المواد أو فلنقل غالبيتها. وفي ظل هذا الثبات يمكن لمعلم ومعلمة الصف حفظ أوراق الأطفال وكتبهم الدراسية وإعطاؤهم يومياً ما يحتاجون إليه فقط لاطلاع أهاليهم أو للتدريب في المنزل. هذا هو الأسلوب التربوي المطلوب. هل نستطيع تطبيقه في مدارسنا؟ لكي يتم ذلك نحتاج إلى إعادة نظر في تجهيز المدارس وإنشائها وفي إعداد معلمي هذه المرحلة الخطيرة من التعليم.
وقد أجريت بعض الدراسات حول تخفيف الحقيبة المدرسية خلصت إلى استخدام ورق خفيف لطباعة الكتب، ودمج المواد الدراسية ببعضها، وهذا يمكن تجريبه غير إني أميل إلى علاج المشكلة بشكل أعم وأشمل لا ينحصر في الحقيبة المدرسية.
مناهجنا للاختبار فقط، وليست للحياة وتفاعلاتها؟
- من يوجه المنهج الدراسي للاختبار هو المعلم والنظام التعليمي، أما المنهج أهدافاً ومفردات فإسهامها في هذا الجانب هو في نوعية التدريبات والتطبيقات الواردة في الكتب الدراسية... ولكن أنت بسؤالك هذا تلمس جرحاً غائراً في جسد التربية والتعليم فقد أُختزل التعليم في أذهان الطلاب والآباء إلى أهداف قصيرة المدى تتمثل في الحصول على الدرجات في الاختبارات والنجاح من سَنَة إلى أخرى فكان الشغل الشاغل للطالب هو البحث عن وسائل واستراتيجيات للحصول على الدرجات والنجاح، وتجاوب مع هذه النزعة المعلمون الذين في معظمهم لا يجيدون بناء الاختبارات وكتابة الأسئلة في مستويات التفكير المختلفة فتأتي الاختبارات معتمدة على ما تختزنه الذاكرة، أو أن الأسئلة تكون تقليداً لأسئلة تم استعراضها في الصف، ولهذا نشاهد حال الاستنفار أيام ومواسم الاختبارات لفترة محدودة تحمل فيها المعلومات في الذاكرة وتنسخ على أوراق الإجابات وتنسى بعد ذلك، ونشأت مشكلات ومعوقات حجّمت تأثير التعليم على الناشئة فأضحت مخرجات التعليم ضعيفة ومتردية عاماً بعد عام. لا بد من أن نحرر نظامنا التعليمي في مراحل التعليم الأساسي من أساليب التقويم المعتمدة على المقارنات بين الطلاب وعلى الدرجات الرقمية الصماء التي لا تشخص الواقع والتي أدت إلى تضخم تلك الدرجات، إلى أن التوى المنحنى الممثل للقدرات كثيراً باتجاه التميز العام في ظاهرة غير طبيعية لا تتماشى مع المنطق. لقد تزايدت أعداد الطلاب الحاصلين على الامتياز في الوقت الذي نلمس فيه ضعف الناتج التعليمي، وهذا مأزق حلوله ميسورة، لكنها لم تطرق حتى الآن وأرجو ألاّ يطول بنا الوقت الذي نستمر فيه نعيش وهم التفوق هذا طلاباً وآباء وقيادات تربوية.
كم هو عسير إصدار القرار التربوي !
في زمان اللجنة العليا لسياسة التعليم أدركت كم هو عسير وشائك إصدار القرار التربوي غير أنني تعلمت أيضاً أن التغيير في التعليم على رغم تباين الآراء والتوجهات ممكن إذا ما وجد الإصرار وعدم اليأس، والدليل على ذلك لائحة تقويم الطالب وتحويل التقويم في الصفوف المبكرة إلى تقويم محكي المرجع، وهو ما خلص الأطفال في هذه المرحلة من هم الدرجات الرقمية وجعلنا نركز على المهارات ويجري تعميمه حالياً على بقية صفوف المرحلة الابتدائية. وبالإصرار وعدم اليأس يمكن تخليص تعليمنا من ثقافة الدرجات التي سادت في مجتمعنا وجعلت أكثر طلابنا مميزين ظاهرياً، وأدت مع الأسف إلى حدوث شرخ في الثقة بشهاداتنا الدراسية. أعود إلى اللجنة العليا لسياسة التعليم وهي الآن في طريقها لتكون المجلس الأعلى للتعليم الذي أرى ألاّ يكون من بين مهامه أية مهمة إجرائية، وأن يقتصر دوره على السياسات والأطر العامة وإعطاء الوزارة والجامعات مزيداً من الصلاحيات لإدارة التعليم. أما التطوير والتقويم فلعل مركز التطوير التربوي والتقويم يكتسب استقلالية واضحة ويتصدى لهذه المهمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.