ربما كان نفاع العنزي، سيمضي حياته كلها يعمل فرَّاشاً في إحدى الدوائر الحكومية في محافظة حفر الباطن، لكنه قرر أن يغير مجراها، ليحمل اليوم صفة وظيفية أخرى"وكيل مدرسة". بدأ العنزي حياته العملية مستخدماً في إدارة حكومية، ولكن الإباء الذي يملكه، والإصرار على مواصلة التعليم، جعلاه يواصل تعليمه منذ نحو 16 سنة، فقرر أن يلتحق في التعليم الليلي، حتى اجتاز المرحلة المتوسطة، ومن ثم تابع مسيرته في التعليم عبر نظام المنازل، وحصل على الثانوية العامة، وانتسب بعدها إلى جامعة"الملك عبد العزيز"في جدة، وهو لا يزال مستخدماً، فتخرج بعد أربع سنوات، والتحق في قطاع التعليم مدرساً، وترقى حتى أصبح الآن وكيلاً مكلفاً في المدرسة. ومسيرة نفاع مع التعليم والدراسة أتاحت له لأن يتحول من مُستخدم إلى"نموذج مشرف"بين الكثيرين من سكان حفر الباطن، كما أنه أسهم في تغيير النظرة إلى تعليم المنازل و"الليلي"، إذ كان ينظر إليهما بنظرة مملوءة بالاستخفاف. ولكن مجموعة من العصاميين الذين تحملوا تلك النظرة والصعوبات في متابعة الدروس بمفردهم، ومن دون مساعدة معلمين، كسروا تلك النظرة، لتقفز أعداد الدارسين في نظام المنازل في حفر الباطن هذا العام إلى 1882 طالباً، تختلف أهدافهم، وتتشابه طموحاتهم في تحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية، ومنهم العسكريون الذين يطمحون في الحصول على ترقية مشروطة بالحصول على شهادة دراسية محددة، ومنهم من شعر بأنه أخطأ في الماضي، حين أهمل الدراسة والحصول على شهادة، ظناً منه أن الوظيفة مضمونة، ولما شعر بقيمة الشهادة واضطراره إلى القبول بعمل أقل من ما كان يتمناه، عاودته الرغبة في تحسين وضعه الدراسي. ويشعر عبد العزيز الشمري، الذي يعمل حارس أمن في إحدى الشركات بالندم على ما فات من سنوات، من دون أن يحصل فيها على شهادة. ووجد فرصته في نظام المنازل، الذي مكّنه من الدراسة، مع مواصلة العمل، ليتمكن من الحصول على الثانوية العامة. ويقول:"بمساعدة أشقائي استعنت بمدرسين خصوصيين لمساعدتي على فهم الدروس، كما أن هناك أقارب مدرسين يقدمون لي العون في بعض المواد والدروس. وأديت أول امتحانين في شكل جيد". الطريف أن مقاعد امتحانات طلاب المنازل جمعت بين أب وابنه، يؤديان امتحان الثانوية العامة لهذا العام، فالأب يطمح في الترقية في عمله، بينما يسود الابن الأمل في تعويض ما فات، لعله يتمكن من دخول الجامعة. ويقول المعلم خلف الظفيري:"إن طلاب المنازل، منهم من يدرس في جدية، ويسعى إلى التواصل مع المدرسة في شكل مستمر، ويجتهد في الحصول على الملخصات الدراسية، ويدرس يومياً، ومنهم من يعتمد على الغش ويُدخلون أوراقاً صغيرة معهم إلى قاعة الامتحان، قناعة منهم ان المراقبين سيتساهلون معهم، ولكنهم يكتشفون جدية التعليم، وان ليس هناك تهاون في هذه المسألة، وهؤلاء انتهازيون بعكس العصاميين". وفي المقابل، يشكو طلاب منازل من"عدم العدالة والمساواة بين طلاب التعليم النظامي وطلاب الليلي، ووضع مستوى واحد للامتحانات، وعدم الأخذ في الاعتبار ظروف طلاب المنازل، الذين يعتمدون على جهودهم الذاتية في تحصيلهم العلمي"، مطالبين ب"وضع أسئلة مختلفة في اختبار المنازل، بحيث تراعي الفروق". وشهد أول يوم امتحانات هذا العام واقعة ذات صلة، إذ قرر أحد طلاب الأول الثانوي الانسحاب من اختبار مادة الفيزياء، وطلب سحب ملفه بالكامل، عندما وجد صعوبة في الأسئلة وضياع جهده، ولولا الجهد الذي بذله أحد المعلمين وأقنعه بالاستمرار وتأدية باقي الامتحانات، والحصول على دور ثانٍ في مادة واحدة على الأقل، لما بقي.