الشاعر إبراهيم الوافي صاحب الإصدارات الشعرية الأربعة رماد الحب 1989، رائحة الزمن الآتي 1997، سقط سهواً 2000، وحدها تخطو على الماء 2004، والتجربة السردية المميزة على الشبكة الإلكترونية"ثلاثة رابعهم قلبهم"وشاعر المحكي، والقارئ النوعي للنصوص... كل هذا وهو على مشارف مجموعته الشعرية الخامسة"وحيداً من جهة خامسة"، التي ستصدر من دار كتابات في بيروت خلال الأيام القليلة المقبلة. الوافي صوت شعري بارز متمكن من أدواته، يغامر في شعره حينما يقامر به الآخرون. أصر بجدل مقنع على أن تقويم التجربة الشعرية في السعودية، يتم بصورة جمعية لا تخلو من الانفعالية، ويصر أكثر على ضرورة إثارة قضية النص الإلكتروني وأهمية درسه كملمح إبداعي خاص... هنا حوار معه حول قضايا الشعر والشبكة الإلكترونية، وسواهما. يقول الدكتور عبدالله المعيقل:"إذا كانت حركة الحداثة في الشعر السعودي عرفت شعراء مثل الحميدين والدميني والصيخان والحربي ابن جبير، وغيداء المنفى وثريا العريض ولطيفة قاري والزيد، فإن الجيل التالي من الشعراء يمكن تصنيفه إلى فئتين: الفئة الأولى اتجهت إلى قصيدة النثر والثانية ظلت تدور في فلك من سبقها من دون أي إضافة، ماعدا استثناءات قليلة أحدها إبراهيم الوافي"، في ظل هذا التقديم العلمي الذي يشكل مأزقاً كما يصفه قائله، كيف استطاع الوافي من خلال قصيدة التفعيلة أن يختطّ لنفسه هذا الصوت الشعري الخاص؟ - الشعر لا تصنعه الأدوات، لكنها ترعاه لينمو فتياً، وأجزم أن هناك دوافع للكتابة، دوافع مختلفة لكنها متى استشعرت قيمة"المكتوب"من خلال الحصول على الأدوات المعرفية توجهت إليه مباشرة... الشعر على تعدد عصوره واختلاف مدارسه، لم يعترف يوماً إلا بشاعر كانت كتابته خالصة لوجه الشعر، بالنسبة إلي لم أشعر يوماً أنني كتبت لغير الكتابة، أجثو على ركبتي في حضرتها، فإن سألتني لِمَ أفعل هذا عرضت عليها أمري، وقلت لها هو حل،م فافعلي به ما تشائين! تقف موقفاً وسطاً بين ساحتي الفصيح والشعبي أو المحكي، كما تحب أن يطلق عليه، حين يسفه أقرانك من الطرفين بعضهما، فكيف استطعت التوفيق بين الموقفين؟ - لن أوغل في هذا الجانب مطلقاً، فالأمر بالنسبة لي لا يحتمل الخلاف ولا حتى الاختلاف، فالشعر هاجس بأي لغة جاء، إذ يختلف الشعر الفصيح عن المحكي من حيث التدوين فقط، إذ اعتدنا تفصيح المكتوب مطلقاً، فنحن مثلاً قد نترك ورقة على الباب مكتوب عليها حضرت ولم أجدك لكننا حين نخبر عن هذا سنتحدث بلغتنا الدارجة. إذاً الأمر لا علاقة له بنوعية الشعر، بل بتوثيقه، ولهذا سيختلف الأمر بالنسبة إلي حين أصدر ديواني المحكي، لأنني أرغب في أن أصدره صوتياً، من هذه النقطة فقط ينتفي عندي الفرق، وتبقى القصيدة عندي بنت لحظتها تماماً ونتاج للحال الشعرية الخالصة، فيجيء النص المحكي مثلاً في حال التنصل من قيود اللغة والانصراف الخالص للشجن الشعري، أو الرغبة في التعبير العفوي الصرف، ويأتي النص الفصيح خارج إطار هذه الحال. تحتفي دائماً بالسياب ومدرسته الشعرية، وتأثيره في أجيال الشعراء الجدد، ماذا تقول حول هذا الإحتفاء؟ - بالنسبة إلى السياب، لا أدري هل هو اعتراف مني أستحق عليه منزلة الشاهد لهذا الشاعر العظيم حين أقول إنه أكثر شاعر عربي أثر بقوة في تجربتي الشعرية، منذ أن بدأت تلمس جوانبها أو محاولة استشعارها، وبدأت قصتي معه حينما اصطحبت مجموعتي الشعرية الأولى"رماد الحب"باتجاه مكتب الدكتور حسن ظاظا - رحمه الله - في قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة الملك سعود، لأهديه إياه، فأجلسني في مكتبه، وأخذ يتصفحه قليلاً ثم التفت وراءه، وأخرج كتابًا بجزأين كان عبارة عن المجموعة الكاملة للشاعر بدر شاكر السياب، وكانت حينها غير متوافرة في المكتبات، وطلب مني قراءتها في شكل مكثف، ومنذ ذلك اليوم، بدأت علاقتي بهذا الشاعر العظيم الذي أسس لقصيدة التفعيلة وناضل من أجلها، وأكاد أدعي أن قدراته وموهبته العظيمة كانت السبب الرئيس في شيوع قصيدة التفعيلة وتغلغلها في الذائقة العربية، حين جاءت خروجاً على المألوف في الشعر العربي، وإن كانت نازك الملائكة هي أول من اخترق عمود الشعر وكسرت بالتالي نمطه العروضي. قصيدة النثر والإبهام ما موقفك من قصيدة النثر؟ وما رأيك في تجربة شعراء النثر في السعودية؟ - المشكلة ليست في التصنيف بل في التمييز، فمشكلة النقد الأزلية لدينا هو الطابع الانفعالي والوقوف في إحدى الركيزتين"مع وضد"فشعراء التفعيلة مثلاً في الثمانينات أغفلوا نقد التمييز بين تجاربهم الخاصة، حين كان الحماس للحداثة، في توهجه والانشغال بالصراع لها وبها، جعل فريق المناصرين يجمعون الكل في سلة واحدة، بينما يرفض التقليدون السلة كلها، ويتكرر المشهد ذاته في قصيدة النثر في صورة أكثر تعقيدًا، حين يكون النص النثري ذاته مبهماً وغير واضح المعالم، وفي حاجة دائمة إلى قارئ نوعي عندما جاء النص النثري مسرحاً خصبًا للخلط بين الجيد والرديء والشاعر المتميز والآخر المتملق، كما يرى ذلك كثير من النقاد، منهم على سبيل الذكر الناقد علوي الهاشمي، إذ يقول قصيدة النثر طاغية في الوقت الراهن على خريطة الكتابة الشعرية في الوطن العربي، وذلك لأسباب كثيرة، قد تكون متناقضة، وليس من الضروري أن تكون متكاملة، ومنها كتابة قصيدة النثر صعبة إلى الحد الذي لا يمكن أن يكتبها في شكل إبداعي متميز إلا من قطع رحلة الإبداع كلها في مراحلها المختلفة، ابتداء من قصيدة العمود والتراث وقصيدة التفعيلة، وانتهاء بقصيدة النثر. "ثلاثة رابعهم قلبهم"نشرت كعمل سردي على الشبكة باكرا،ً لكنها لم تظهر على الورق بعد، هل أنت متردد حول إصدارها، عندما دارت حولها شبهة السيرة الشعرية تحديداً؟ - ليس هناك تردد مباشر، لكنها مراجعة دقيقة جداً، غيّرت الكثير من معالم النص المنشور عبر الشبكة، عندما اتَّكَأ على السرد بطريقة الحكايات التي لا تتوافق مع منهجية الرواية، وكنت دائماً أرى أن النص الروائي في حاجة فائقة إلى مراجعات مستمرة جداً، تزيد كثيراً عن مراجعاتنا للنص الشعري، أما قصة نشرها على الشبكة فالأمر لا يخلو من الطرافة، فلم يكن هناك تخطيط أو حتى تفكير في كتابة عمل روائي. كنت أرغب في نشر سلسلة معينة تشبه المذكرات، ولعل من تابع العمل من بدايته عبر الشبكة يذكر أنه كان في عنوان"حينما كنت صغيراً"، وهذا يشي بما أقول لكن مع تتابع الحلقات وتفاعل القراء انطباعياً معه، تحول إلى عمل شبه روائي على الشبكة، كل ذلك جعلني أصر دائماً على أن النشر الالكتروني رحم تتخلق فيه النصوص، تبعاً لطبيعته التفاعلية، وليس منبراً إعلامياً فقط. وها أنا أحاول جاهدًا أن أحول نص"حينما كنت صغيرا"إلى عمل روائي من خلال إعادة هيكلة كثير من المواقف فيه، ولهذا لن أتعجل مطلقاً في إصداره ورقياً، أما في ما يتعلق بالسيرة الذاتية فلعل الاعتراف بفكرة نشوء ذلك النص يكشف هذا بوضوح، لاسيما في بداياته، لحاجتي الماسة إلى توظيف الذاكرة في ترتيب المواقف الزمنية، لكنني خلال مراجعته أحاول جاهداً فصله بطريقة فنية لا حدثية، ليأخذ صيغة العمل الروائي الناضج.