خرج إبراهيم وهو في العقد الثالث من العمر، من السعودية معلماً في إحدى مدارس مدينة الرياض، إلى إمارة دبي في دولة الإماراتالمتحدة ليصبح معلماً في شوارعها وأزقتها وأحيائها، وبخاصة أنها أكثر الإمارات اكتظاظاً بسكان دول الخليج والدول العربية والأجنبية. في إحدى مقاهي دبي يستلقي إبراهيم بين رواد المقهى المطل على بحر الخليج المشهور ب"خور دبي"، الممتلئ بسفن وقوارب للصيد وللرحلات في المياه الزرقاء في محاذاة البنايات الشاهقة التي تبعث الى الخور انوارها الملونة ليلاً. وعلى رغم جمال المكان لكن هناك من يعكر صفو نسيم البحر وغناء أم كلثوم وهي تغني"ألف ليلة وليلة"، وهم أشخاص من أمثال إبراهيم. فهو ما أن يلحظ شباناً بالثوب الخليجي، حتى يرتفع صوته ليتأكد من أنهم سعوديون، وفي أي مدينة يعيشون، ثم يطلق كلمات الترحيب والتهليل"أهلاً بأهل الشهامة والنخوة والكرم". لا يعلم رواد المقهى أن الشاب في حالة غير طبيعية، وعندما يرى خليجيين يقترب منهم ليعرض عليهم مساعدته التي تتنوع بضاعته فيها من سكن وخدمات فندقية وغيرها ليعممها بقوله:"أي مساعدة أو حاجة تريدونها أنا أخوكم أعين وأعاون". لم يكن ما شربه مؤثراً عليه، لربما اعتاد على ذلك بيد أن رائحته كانت نفاذة تزكم بها الأنوف من قذارتها. وعلى رغم أن ملابسه تدل الى أنه ذو جاهٍ ومالٍ، فإن ملامح وجهه المتجهم، توحي بأنه يفترس أبرياء. نهض من بين كراسي المقهى، وراح يلقي أبيات شعر"ليس من المهم أن تعرفوا اسمي لكن الناس معادن". انتبه شخص آخر ليقول:"إنه يريد مالاً بعد أن أفلس في كازينوهات دبي المنتشرة"... وفعلاً كان إبراهيم يريد مالاً ولم يعد يجد سكناً يأويه بعدما أنفقه. وأصبح يجوب الشوارع يمد يده متسولاً، يستجدي المال من مكان لآخر. كان كثير السؤال عن السعودية فهو على حد قوله، لا يعلم من أخبارها شيئاً منذ قدومه قبل 11 شهراً أو أكثر. صعق من علم أنه كان معلماً يوماً ما، لأن حياته الآن لا تدل على أنه كان يوماً معلماً لأجيال تخرجوا بين يديه. ويقول إنه كان مخرجاً تلفزيونياً في السعودية أيضاً، ولا يتوانى عن الاعتراف بأنه ضيع آلاف الريالات على لهوه اليومي، بيد أن تلك التجربة علمته فسلك طريقاً غير مهنته التعليمية التي ربما فصل منها... فإنه يعشق عيشه بين الملاهي حتى كسب آلاف الريالات التي يزعمها من عمله. بعد فترة وجيزة أخرج من كيس كان يحمله زجاجة وشرب منها أمام رواد المقهى الذين استغربوا من تصرفه وأبلغوا العاملين في المقهى، خوفاً من أن يؤذي أحداً من الأطفال والرجال والنساء، فهرب إلى مكان آخر يبحث عن من يدفع له مالاً يعينه. العاملون في المقهى كانوا يعرفون إبراهيم فهو دائماً ما يتردد عليهم، ويقول أحد العاملين:"تراه يوماً ويختفي أياماً لسجنه من جانب شرطة دبي". وعن السماح له بالجلوس في المقهى، يقول العامل:"لا نستطيع أن نمنع أحداً فالمكان يستقطب جميع الزوار من الجنسيات العربية والأجنبية كافة". ويشير عامل المقهى الى"أن هناك عشرات السعوديين الذين يتربصون ببني وطنهم لتقديم المساعدة لهم ومد يد العون بعد أن صرفوا مالهم وأصبحوا على قارعة الطريق يستجدون المال، ويجوبون الشوارع، منهم من يفكر كيف يرجع إلى السعودية مقر مسكنه حتى يجلب مالاً ثم يعود إلى عمله ومنهم من نسي العيش في السعودية وفضل المبيت على شوارع دبي". إبراهيم لا يفضل الرجوع إلى السعودية لأنه استأنس في دبي وجوها بعيداً عن رقابة المجتمع. بيد أن هناك من يلقي اللوم على الجميع، كيف نرجع إبراهيم إلى حالته الطبيعية ونزيل عنه براثن الفساد الذي وقع فيها؟