ثارت زوابع من ردود الفعل القلقة عندما أُعلِن عن تخطي مستوى ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، نسبة ال400 جزيء في المليون، وهو ما يعتبره علماء البيئة خطاً أحمر ينذر بوصول التلوّث بهذا الغاز إلى حافة الكارثة، خصوصاً أنها المرّة الأولى التي يصل فيها ثاني أوكسيد الكربون إلى هذا المستوى منذ ما يزيد على ثلاثة ملايين سنة. وفي خطوة تبدو وكأنها بداية للرد على هذا التهديد لبيئة الكوكب الأزرق، سجّل العلماء تقدّماً مهمّاً في السباق إلى تطوير مصادر طاقة متجددة خالية من انبعاثات غاز الكربون، إذ أعلن علماء في"مختبر لورنس بيركلي الوطني"التابع لوزراة الطاقة الأميركية، عن أوّل نظام نانوي متكامل للتمثيل الضوئي الاصطناعي Artificial Photo Synthesis. وفي الطبيعة، تجري عملية التمثيل الضوئي في أوراق الأشجار التي تأخذ ثاني أوكسيد الكربون وتمزجه مع الماء الموجود في مادة الكلوروفيل الخضراء في نسغها، ثم تستعمل ضوء الشمس لتفكيك هذا الماء مع إعطاء كمية من الأوكسجين إلى الهواء. واستطاع علماء"مختبر بيركلي"تقليد هذه العملية عبر نظام يستند إلى تقنية النانوتكنولوجيا. ويُعرَف هذا النوع من النُظُم ب"ورقة النبات الاصطناعية"Artificial Plant Leaf مع ملاحظة أن ما صنعه"مختبر بيركلي"هو أقرب إلى أن يكون"غابة اصطناعية". غابة النانو شرح بيدونغ يانغ، وهو عالم الكيمياء الذي قاد هذا البحث في"قسم علوم المواد"في مختبر بيركلي، هذا الإنجاز قائلاً:"إنّ نظام التثميل الضوئي الاصطناعي، يعمل بطريقة تشبه عملية التمثيل الضوئي التي ينجزها ال"كلوروفيل"في النبات الأخضر. ويتألّف النظام من اثنين من أشباه الموصلات المُمتصة الضوء، مع طبقة لنقل شحنات الكهرباء، ومواد تساعد التفاعلات الكيماوية فيه. وبغية تسهيل عملية تحليل الماء بطاقة الشمس في هذا النظام، صنعنا بنى متنوّعة من أسلاك النانو على هيئة شجرة مؤلّفة من جذوع من السيليكون وأغصان من أوكسيد التيتانيوم. وإذا نظرت إلى صفوف من هذه البنى النانوية، فإنها تبدو كغابة اصطناعية. يشغل بيدونغ يانغ منصباً أكاديمياً رفيعاً في قسمي الكيمياء وعلوم المواد والهندسة، في"مختبر بيركلي"في جامعة كاليفورنيا. ووضع يانغ دراسة تشرح هذا العمل النانوي - الضوئي في مجلة"رسائل النانو"NANO Letters. حملت الدراسة عنوان"نظام نانوي متكامل من الأسلاك النانوية شبه الموصلة لتحليل الماء مباشرة باستعمال طاقة الشمس"A Fully Integrated Nanosystem of Semiconductor Nanowires for Direct Solar Water Splitting. وشاركه في هذه الدراسة فريق من العلماء ممن شاركوا في هذه التجربة، وهم تشونغ ليو وجينياو تانغ وهاو منغ تشين وبن ليو. تشكّل طاقة الشمس حلاً ممتازاً ضمن مصادر الطاقة المتجدّدة الخالية من انبعاثات الكربون، إذ تحمل أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض في ساعة، كميّة من الطاقة تكفي حاجات سكان الأرض لسنة كاملة. ويُعتبَر التمثيل الضوئي الاصطناعي الذي يحوّل طاقة الشمس وقوداً بصورة مباشرة، من أبرز التقنيات الواعدة في الطاقة الشمسية. ثمة وجه آخر لهذه التقنية النانوية. فمع تفكّكه، يعطي الماء الأوكسجين والهيدروجين. وفي النظام الطبيعي، يستعمل الهيدروجين في أنسجة النباتات. أما في النظام الاصطناعي النانوي، فمن المستطاع تجميع الهيدروجين لاستخدامه وقوداً يكون صديقاً للبيئة لأن احتراقه لا يعطي سوى... ماء! وظهر كثير من المشاريع لاستعمال غاز الهيدروجين وقوداً بديلاً في الصناعة ومركبات المواصلات العامة. ويتمثّل التحدي الأكبر الذي يواجه نظام التمثيل الضوئي الاصطناعي في أن تكون كلفة إنتاج الهيدروجين منخفضة بصورة كافية كي تتيح له منافسة الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز الطبيعي. وتتطلّب مواجهة هذا التحدي نظاماً متكاملاً يقدر على امتصاص ضوء الشمس بفعالية، وتفكيك الماء إلى غازَي الأوكسجين والهيدروجين، باستخدام تقنيات النانوتكنولوجيا. وفي النبات، يمتصّ الكلوروفيل ضوء الشمس عبر جزيئات تولّد إلكترونات تحوّل في نهاية المطاف ثاني أوكسيد الكربون إلى نشويات متنوّعة. وتسمّى هذه السلسلة في نقل الإلكترونات ب"المخطط زد"Z-scheme. ويتبع يانغ وزملاؤه أيضاً مخطط Z في نظامهم النانوي، إلا أنّهم يستخدمون مادتين شديدتي التوافر هما السيليكون وأوكسيد التيتانيوم، وهما غنيّان بالمواد التي تحفّز العمليات الكيماوية في هذا النظام الاصطناعي، إذ يُستَعمَل السيليكون في توليد الهيدروجين، وأوكسيد التيتانيوم لتوليد الأوكسجين. وكذلك اعتُمِدَت هيكلية لهذا النظام تشبه الشجرة لرفع مستوى الأداء إلى حدّه الأقصى، لأن المصفوفات الكثيفة من أشجار الأسلاك النانوية الاصطناعية، على غرار الأشجار في غابة حقيقية، تمنع انعكاس ضوء الشمس كما توفّر مساحة أكبر لحصول التفاعلات المنتجة للوقود. وحقّق هذا النظام الاصطناعي في التمثيل الضوئي المرتكز تقنية أسلاك النانو، نسبة 0.12 في المئة في فعالية تحويل طاقة الشمس وقوداً، ما يعني أنه يحتاج إلى كثير من التحسين كي يصبح قادراً على الدخول إلى مرحلة الاستخدام الفعلي. وفي هذا الصدد، يبدو هذا النظام قابلاً للتطوير بسلاسة، وفق ما أشار إليه يانغ في دراسته المذكورة.