تجتاز الساحة السورية مرحلة سياسية صعبة وشديدة التعقيد بعد عامين من الثورة، وأساس المشكلة، هو الضعف الشديد الذي تبدو عليه المعارضة السورية، مما ينعكس سلباً ليس على دورها فقط، وانما على الثورة، ومجمل الوضع السوري ومستقبل سورية. والتجليات الاساسية لضعف المعارضة تبدو في انقسامها وتشرذمها، ليس من ناحية تنظيمية وان بدا الامر عادياً في هذا الجانب وانما من ناحية سياسية، حيت تتعدد الاقطاب والسياسات وتتصارع. اذ هناك الائتلاف الذي تسيطر عليه جماعات الاسلام السياسي وتحالفاتها، وهذا يسعى الى حل عسكري، يقوم على اسقاط النظام، وهناك هيئة التنسيق وعلاقاتها والتي تدعو الى حل قائم على التفاوض للوصول الى حل سياسي، وباستثناء هذين القطبين هناك كتلة سياسية مشتتة خارجهما، تميل نحو حل يمكن ان يكون خليطاً بين الموقفين السابقين مقارباً في ذات الوقت استخدام القوة والعمل على حل سياسي اذا أمكن. وخارج الكتل الثلاث السابقة، فإن ثمة كتلة سياسية ? عسكرية قائمة على الارض تجسدها الجماعات الجهادية السلفية التي تعبر عنها"جبهة النصرة"لأهل الشام، والتي تتبنى اسقاط النظام لاقامة دولة اسلامية في سورية من خلال القوة. ووسط تلك الاختلافات السياسية، تمكن رؤية ملامح مشتركة اخرى، تتمثل في غياب البرامج والخطط العملية، التي تعالج الشؤون السورية، وشؤون الثورة بشكل خاص، وان حضرت تكون ضعيفة وتعاني ضعفاً في التنفيذ. والنقطة الثانية في تجليات ضعف المعارضة، تتمثل في شبكة علاقاتها الداخلية ? الخارجية، وهي علاقات تقوم في مستواها الداخلي على السيطرة والاخضاع سواء في مستوى جماعات المعارضة او في العلاقات البينية بين الهياكل والتنظيمات، وهذا السلوك واضح في تجربة المجلس الوطني الطويلة، كما هو حاضر في تجربة الائتلاف القصيرة، وينطبق الامر في هذا الجانب على علاقة المعارضة مع التنظيمات المسلحة بمافيها الكتائب التابعة للجيش الحر. اما علاقات المعارضة مع الخارج الاقليمي والدولي، فهي اقرب الى علاقات الخضوع والتبعية، تحت مبررات كثيرة، وان كان بعضها صحيح ويستحق الاهتمام، لكن تلك المبررات تستخدم في الغالب بوصفها ذريعة لتبرير الضعف الظاهر بالمعارضة، ولعلاقات التبعية التي تغرق فيها. وعلاقات السيطرة والاخضاع القائمة في واقع المعارضة، لا تتم ممارستها بالطرق التنظيمية والسياسية المعتادة فقط. بل اضافة اليها، فثمة مساران آخران، تتم من خلالهما ممارسة علاقات السيطرة والاخضاع، اولهما استخدام المال السياسي او ما يقوم مقامه من مساعدات عينية، والثاني من خلال القوة المسلحة، وهو نهج آخذ في التنامي، حيث يتم اجبار اطراف على الخضوع لاطراف اخرى او القبول بسيطرتها. والكلام عن علاقات السيطرة والتبعية، لا يشمل الجانب السياسي فقط، وانما يمتد الى الجوانب التنظيمية. وفي حالة التشكيلات المسلحة، تمتد تلك العلاقات الى الابعد من ذلك، حيث تلقي تلك العلاقات بظلالها على وفرة الاسلحة والذخيرة وامدادهما، كما تؤثر على تخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية او وقفها وفي وقائع اخرى. ومما لا شك فيه، ان وضع المعارضة بما هو عليه، يترك اثره السلبي وسط الفئات الاوسع من السوريين، وهذا يشكل الى جانب عوامل داخلية واقليمية ودولية ضغطاً على المعارضة بكتلها وجماعاتها من اجل اصلاح بناها وسياساتها وعلاقاتها وجملة اوضاعها الاخرى. ان المخرج الممكن من مأزق المعارضة، يكمن في اعادة تركيبها وتأهيلها، من دون ان يؤدي ذلك الى تدميرها الذي سيقدم خدمة كبيرة للنظام ولاعداء الشعب السوري وثورته، والامر في هذا يتطلب بالفعل اقامة كيان ديموقراطي قوي وفعال داخل المعارضة السورية، وهو مطلب مطروح بقوة في اوساط شعبية ونخبوية واسعة بما فيها اوساط العسكريين والفئات الانتظارية. والاساس في الكيان الديموقراطي المطلوب هو تشكيله كتلة منافسة في الساحة السياسية مقابل الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، او ان يكون قوة منافسة داخل الائتلاف، بحيث يكون له تأثير على توجهاته وقراراته، وستكون لهذا التشكيل في الحالتين انعكاسات ايجابية في ثلاثة مستويات: في مستوى المعارضة، انه سوف يخلق مجالاً لتنافس ينبغي التركيز على جعله ايجابياً لتقديم افكار ومبادرات وسياسات افضل تخدم الثورة والشعب السوري، وهذا سيجعل الجميع في حرص على تقديم وممارسة الافضل، الامر الذي سوف يؤدي الى تحسين مستوى الاداء السياسي للمعارضة عموماً وللطرف الذي يقدم الافضل، مما سيغير قاعدة العلاقات وشروط العمل السياسي في المعارضة ويزيد من وزنها وتأثيرها في الداخل كما في الخارج. في مستوى العلاقات الوطنية، وسيكون من شأن تشكيل كيان ديموقراطي معارض اطلاق روح جديدة في اوساط شعبية سورية اصابها الاحباط من اداء القوى الديموقراطية من جهة، ومن صعود التطرف الاسلامي، ومن غياب الاداء السياسي المتسم بالحيوية، مما سيوفر فرصة نادرة امام الكيان الديموقراطي للعمل مع وفي اوساط الاكثرية القلقة والخائفة والمحبطة، بل ان"الاقليات"كما في واقع الاكراد والمسيحيين والعلويين والدروز، ستجد لها في كيان ديموقراطي جدي وفعال خير معبر عنها وعن طموحاتها، وهو ما يمكن ان ينعكس بصورة ايجابية على المستوى الشعبي. فليس اهم من ان ترى بقية السوريين ان الاكراد على سبيل المثال دخلوا بصورة جدية وفعالة صفوف الثورة واندمجوا فيها. ولا شك ان تحسن الوضع السياسي في المستوى الوطني بفعل حضور واداء كيان ديموقراطي، سوف يقلب معادلة العلاقة بين المعارضة والنظام، والقائمة الآن على اختلال اساسه ان النظام لا يرى المعارضة لأنها ضعيفة ومتناحرة وذات اداء غير محسوس، واذا تغير الوضع، فإن النظام سيكون مجبراً على تغيير رؤيته وبالتالي يمكن ان يبدل ولو جزئياً من استراتيجيته واشكال ادائه، وستكون له حسابات اخرى في حيثيات الصراع وغالباً سيتم دفعه أكثر للتوجه الى تسوية ما يتم فرضها او التوصل اليها. اما انعكاسات وجود الكيان الديموقراطي الفاعل في المعارضة، فيمكن ان تكون شديدة الايجابية، كلما كان اداء الكيان الديموقراطي نشطاً وفعالاً وايجابياً وله طابع استقلالي. اذ انه سوف يخفف مستوى التدخلات الخارجية وبخاصة للاطراف الضعيفة والبسيطة الصلة بالموضوع السوري، والتي استغلت ضعف بعض اطراف المعارضة للتدخل، وهذه الاطراف ستفقد معظم او كل قوتها في المرحلة القريبة، وسيكون على القوى الفاعلة في المحيطين الاقليمي والدولي اعادة تركيب علاقاتها مع قوى المعارضة وتفاعلاتها مع الموضوع السوري، مما قد يؤدي الى تغييرات في السياستين الاقليمية والدولية في الموضوع السوري وينبغي ان يكون ذلك بين الاهداف الرئيسية لكل المعارضة وللكيان الديموقراطي بصورة خاصة. * كاتب سوري