قانون النفط اللبناني أعدته شركة نروجية بتكليف من الحكومة اللبنانية قبل سنوات، واستغرقت ترجمة نصوصه إلى العربية سنوات أيضاً. والسؤال هنا: هل يصلح النموذج النروجي للبنان؟ ولماذا النروج لا إحدى الدول العربية الشقيقة المنتجة للنفط بخبرة تمتد عقوداً؟ المهم أن المسؤولين عن قطاع النفط في لبنان اعتمدوا القانون النروجي بموافقة مجلس الوزراء. ولا ندري هل أدخلت على النص النروجي تعديلات، خصوصاً تشكيل هيئة إدارة قطاع النفط المؤلفة من ستة أعضاء ينطبق عددهم على عدد الطوائف الرئيسة في لبنان. ووفق قرار مجلس الوزراء جاء أعضاء الهيئة العتيدة كل منهم يمثل الطائفة التي ينتمي إليها، وهذا في رأي البعض تمثيل ديموقراطي على رغم خلوه من تمثيل طوائف أخرى لها أهميتها في النسيج اللبناني وفي الاقتصاد اللبناني كالطائفة الأرمنية والأقليات الممثلة في البرلمان. وفكرة التمثيل الطائفي في هيئة منوطة بها إدارة قطاع النفط في لبنان، ليست فكرة صائبة، فأي هيئة يقع على عاتقها تنفيذ سياسة الدولة، يجب أن تكون مجموعة من الاختصاصيين يكونون رؤساء وحدات فنية وإدارية وقانونية ويكون رئيس وحدة مسؤول عن وحدته وموظفيها. ولا يبدو تداول الرئاسة بين الأعضاء الستة سنوياً ملائماً، فما علاقة المسؤول عن وحدة القانون عندما يترأس الهيئة لسنة، بالجيولوجيا مثلاً؟ ثم ما هي صلاحيات الرئيس عندما يترأس الهيئة؟ والهيئة تتبع الوزير مباشرةً، ولا نحسب أن الوزير يحضر اجتماعات الهيئة باستمرار ويشرف على أعمالها، فلديه من المهمات ما يجعل اهتماماته متعددة، كما أن وزارة الطاقة ليست صلاحيتها محصورة بالتنقيب من النفط. وتتطلب الوحدات الستة المشكلة لهيئة قطاع النفط تنسيقاً في ما بينها، علماً بأن غايتها هي حتماً الإشراف على استخراج النفط عبر الشركات المتخصصة. يقول الوزير جبران باسيل إن هناك عدد من الشركات العالمية أعربت عن رغبتها في الحصول على امتيازات للتنقيب عن النفط، فمن هو المرجع الصالح لدرس العروض واختيار افضلها؟ والمفاضلة تشمل المنافسة بين هذه الشركات حول الرسوم التي تدفعها للدولة لقاء حصولها على الامتياز. وهنا نشير إلى أن هذه المنافسة هي نوع من المزايدة لا المناقصة بين هذه الشركات، ثم تشمل المفاضلة حول عائدات الدولة عندما يبدأ الإنتاج، وعلى أي مستوى من عمق الحفارة والكمية المستخرجة. لذلك فإن التعاطي مع كل هذه الأمور يناط عادةً بخبيرٍ في العقود النفطية كما حدث عندما باشر الوزير الراحل غسان تويني بتفعيل موضوع التنقيب عن النفط عام 1975 ووضع شروط الملائمة لمصلحة الدولة. والى جانب العائدات المادية"المالية"هناك عائدات عينيةّ تخصص للتكرير وتأمين حاجات السوق المحلية من المشتقات النفطية. وهذا يجرنا إلى ضرورة المباشرة بإعداد الترتيبات لبناء مصفاة لا تقل طاقتها عن 150 ألف برميل يومياً. هذا بالنسبة لإنتاج النفط الخام، أما بالنسبة إلى إنتاج الغاز، فاستخداماته محلياً واسعة كوقود لمولدات الطاقة الكهربائية والمصانع، وفي المستقبل في الوحدات البتروكيماوية، وهذا من اختصاص وحدة التخطيط في الهيئة، ناهيك عن إنتاج وقود السيارات ومتفرعاتها. نحن في الواقع أمام ورشة عمل على جانب كبير من الأهمية اقتصادياً واجتماعياً. أما الصندوق المستقل المنصوص عنه في المادة الثانية من قانون النفط والذي ستودع فيه عائدات النفط والنشاطات البترولية المختلفة، فهو سيؤسس في قانون، نأمل بأن تكون نصوصه واضحة حول من يدير الصندوق، ومن هي الجهة المختصة بالإنفاق منه. ونأمل كذلك بتضمين القانون إشارة لتخصيص جزء من العائدات لإطفاء الدين العام الذي نرجو أن يتوقف عند الرقم الحالي. وبانتظار استكمال نصوص الأجهزة النفطية وتحديد صلاحياتها، خصوصاً عملية التنسيق بين رؤساء الوحدات الستة، لعل من المناسب إيجاد جهاز يشرف على أعمال هذه الوحدات ويعدّ التقارير الفنية ويرفعها إلى الوزير. ربما يقول أحد إننا نستبق الأمور، لكننا وفق معلوماتنا عن قطاعات النفط ومؤسساته في البلدان المنتجة للنفط، خصوصاً البلدان العربية الشقيقة منها، نجد أن من واجب الصحافة أن توجه عناية المسؤولين إلى الأمور التي تنبغي مراعاتها. ومناقشة موضوع الثروة النفطية أمر على جانب كبير من الأهمية، فهي خشبة الخلاص في لبنان المرهق بالديون وبالأوضاع الاقتصادية المتردية. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - بيروت