أثناء مناقشة مسودة تقرير وطني ليقدم إلى سكرتارية إحدى الاتفاقيات البيئية العالمية، بدعم من الأممالمتحدة، حظي التقرير في شكل مبرر ببعض النقد الفني نتيجة خلل في المضمون. قبل نهاية الورشة رفع أحد المسؤولين الحكوميين يده للحديث، وقال إنه عضو في اللجنة المكلفة تحضير التقرير، ولكنه لم يره حتى تلك اللحظة ولا يتحمل مسؤولية ما ورد فيه! أمام هذا التصريح الغريب، لم يجد مدير المشروع نفسه إلا مضطراً للتوضيح للمشاركين بأن المسؤول الحكومي لم يستجب أياً من الدعوات التي وجهت إليه لحضور الاجتماعات التحضيرية وكتابة التقرير ومراجعته. ما فعله المسؤول كان محاولة لكسب الدنيا والآخرة معاً: الحصول على مكافأة مخصصة لفريق العمل من دون أن يبذل جهداً، وكذلك التنصل من مسؤولية تدني نوعية التقرير. في كل المؤتمرات وورش العمل البيئية في العالم العربي، هناك نحو عشرة أنواع من المشاركين، سبعة منهم من الأنواع الغازية التي تنتشر بسرعة، وثلاثة منهم من الأنواع المهددة بالانقراض. وفي ما يأتي نبذة عن هذه الأنواع، بدءاً بالأنواع الغازية: 1- المنتقد: يصر دائماً على انتقاد كل ما هو مطروح في المؤتمر من أوراق عمل ودراسات ومسودات تقارير وأعمال بحثية، مؤكداً أنه لو كان موجوداً في الفرق التي أعدت التقارير - المدفوعة الأجر طبعاً - لما وقعت هذه الأخطاء. المنتقد شخص لا يستطيع إلا أن ينتقص من جهد الآخرين ويروّج لنفسه في إطار مزعج من الغرور والاستعلاء، ولا يقدم أية مساهمة معرفية مفيدة للآخرين. 2- الحالم بالماضي: يستغل هذا النوع المؤتمرات البيئية للحديث عن ماضيه التليد الذي يعوض عن حاضره المرير. يتحدث عن دراسات وأبحاث وجهود قام بها منذ 30 سنة وكأنها ما زالت صالحة حتى اليوم. معظم المداخلات إضاعة للوقت والجهد ولا تقدم جديداً بل تعيد تكرار مفاهيم انتهت منذ فترة طويلة. 3- الباحث عن مكان: يستعد هذا النوع للقفز في أي مركب من المشاريع والبرامج التي يتم تنفيذها أو التخطيط لها. يستعرض نفسه وآراءه أمام الجميع، وبخاصة الممولين والجهات المانحة، لإقناعهم بضرورة وجوده في المشاريع التي يصبو إليها. الذاتية هي أساس حضور هذا النوع الذي يهتم أكثر بإنشاء العلاقات في فترات الغداء واستراحات القهوة بدلاً من الاستفادة من الحدث. 4- المخبر: مسؤول أو موظف حكومي دوره الأساسي تسجيل النقد الموجه الى مؤسسته أو مديره في ورشة العمل ونقل تلك المعلومات إلى المدير، وكذلك مراقبة نوعية الغداء والتفاصيل اللوجستية ولقاءات الأشخاص لإعداد تقرير مفصل بمجريات الورشة. 5- الجائع: يحضر في فترة الافتتاح واستراحات القهوة والغداء ولا تجد له مشاركة ولا مساهمة إيجابية طوال الورشة. وغالباً ما يكون من المسؤولين الحكوميين الذين يسجلون في دفاتر ملاحظاتهم مواعيد المؤتمرات للتسلية والغذاء المجاني، تماماً كما في بيوت العزاء. 6- مصفي الحسابات: شخص لديه حساب سابق مع أحد المحاضرين والمشاركين في المؤتمر ويسعى للحصول على حق الكلام لتوجيه نقد مخصص لذلك الشخص أمام مرأى الجميع ومسمعهم، وذلك تشويهاً لسمعته والانتقام منه. 7- صاحب نظرية المؤامرة: شخص ليس مختصاً بالقضايا البيئية بشكل رئيسي ولكنه مؤمن بنظريات المؤامرة ويعشق حضور المؤتمرات للترويج لنظرياته الوهمية، التي تبدأ من عدم وجود تغير مناخي وتنتهي بالمؤامرة الدولية لحرمان الدول النامية من حق التنمية بحجة حماية البيئة. على الصعيد الآخر، هناك 3 أنواع مهددة بالانقراض بات من الصعب وجودها في المؤتمرات البيئية: 1- الخبير المفيد: الشخص الذي يعتبر مرجعية علمية حقيقية في خبرته ومعرفته وتتم الاستعانة به لتقديم الرأي النهائي أو الأكثر إقناعاً في القضايا التي يتم الجدال حولها، ويحظى باحترام المشاركين ولا يحاول فرض نفسه على الآخرين بالاقتحام بل يفرض نفسه بالوقار والاحترام والخبرة. 2- القوة الدافعة: الشخص الذي تحتاج إليه المؤتمرات كافة لإبقاء الزخم مستمراً في النقاشات وتنظيمها وضمان عدم انحرافها إلى السلبية والذاتية وتنظيم النقاش والإصرار على الوصول إلى نهاية إيجابية ومفيدة للمؤتمر. 3- صاحب الحلول: الشخص الذي يبقى صامتاً عندما تكون المداولات والنقاشات تسير في الاتجاه الصحيح ولكنه يتدخل فقط عند الحاجة لإيجاد الحلول التي ترضي الأطراف كافة في حال ازدادت حدة النقاش والاختلاف في القضايا التي تثير الإشكالية. صاحب الحلول يكون عادة الشخص الذي يحدث الفرق بين مؤتمر ناجح وآخر فاشل. أتمنى أن تكونوا جميعاً من الأنواع الثلاثة المهددة بالانقراض، لأن وجودها والحفاظ عليها باتا في غاية الأهمية. * ينشر بالتزامن مع مجلة"البيئة والتنمية"عدد كانون الأول ديسمبر 2013