تبوأ العلامة المرحوم الدكتور مصطفى جواد توفى 15/5/2004 مكانة اجتماعية كبيرة ومنزلة علمية رفيعة ليس في بلده العراق فحسب وإنما على الصعيدين العربي والإسلامي بل والعالم أيضاً في المحافل العلمية لما تميز به من معارف وعلوم وثقافة موسوعية كبيرة تجلت في جهود كثيرة لخدمة اللغة العربية ومفرداتها والأدب والشعر والتاريخ أيضاً في مجالاته المتعددة كالسير والتراجم والأخبار والحوادث إلى جانب الآثار والخطط والبلدان والزوايا والربط والمدارس وغير ذلك. وكان المرحوم"عبد الرحمن هامل غياض"قد وضع مؤلفاً وكشافاً تفصيلياً لآثار جواد المطبوعة والمخطوطة ونشره بيت الحكمة ببغداد عام 2011 فيه ترجمة لحياة مصطفى جواد ودوره في المجمع العلمي العراقي والمجامع العربية الأخرى وآثاره العلمية وبيان تفصيلي لآثاره العلمية وفهرس هجائي لكافة البحوث والمقالات المنشورة في المجلات والجرائد. إن الذين كتبوا عن حياة مصطفى جواد كثيرون إلا أن هناك ترجمة كتبها المرحوم نفسه ونشرت في الجزء الأول من كتاب شعراء العراق لمؤلفة يوسف عز الدين، ويقول إنه ولد في الربيع الأول من القرن 14ه في بغداد لوالد امتهن حرفة الحياكة ثم دخل الكتّاب والتعليم الابتدائي وبعد وفاة والده انصرف الفتى إلى رعاية البساتين وبفضل أسرته عاد للدراسة ثانياً وبعد عدة مواقف اجتماعية ارتبطت وتوازت بتاريخ العراق في تلك الفترة إلى أن التحق بدار المعلمين الابتدائية ويذكر من معلميها الأستاذ طه الراوي وأميل ضوميط اللبناني ومديرها مصري اسمه سيد محمد خليل ومال إلى دراسة العربية منذ الصف الأول وأصبح خطيب المدرسة في السنة الثالثة وشارك في التمثيل بها حتى تخرج عام 1924 معلماً ابتدائياً وعين مدرساً في مدرسة الناصرية في نفس الوقت الذي بدأ ينشر شعره في مجلة المعلمين ببغداد وعندما جاء ساطع الحصري للتفتيش العام فلقاه جواد ونصحه بالابتعاد عن الشعر فلن يفيده، وتأخذه الوظائف الإدارية حيث انتقل للبصرة فبغداد وواصل النشر في دوريات عدة ك"لغة العرب"و"العرفان اللبنانية"و"جريدة العراق"و"جريدة العالم العربي"و"النهضة البغدادية"ونشر التاريخ المسمى غلطاً الحوادث الجامعة المنسوب لأبن القوطي كما ساعد الأب انستاس الكرملي في تحرير"لغة العرب"، وجاءته البعثة في البداية للتخصص بالآثار في أميركا ولكنه توجه إلى فرنسا وأرسل إلى القاهرة ليكون مستمعاً في كلية الآداب ولتعلم مبادئ اللغة الفرنسية وفي ذات الوقت نشر للأب انستاس الجزء التاسع من تاريخ"الجامع المختصر"وعيون التواريخ وعيون السير لأبن الساعي، ونشر قصيدة في فلسفة الوجود في"المقتطف"وشارك بقصيدة في إحياء ذكرى شوقي بالقاهرة، وفي 1934 سافر إلى باريس وبمساعدة الأستاذ لويس ماسينيوس قبلته السوربون لإعداد أطروحه الدكتوراه في موضوع"سياسة الدولة العباسية في أواخر عصورها"وللأسف أعلنت الحرب العظمى فلم يتهيأ لجواد مناقشتها ولا طبعها ولا تزال مخطوطة غير مطبوعة ولا مترجمة. وعاد إلى العراق فعين مدرساً في دار المعلمين العالية كلية التربية وفي 1942 دعي إلى تعليم الملك الصغير فيصل الثاني اللغة العربية وعندما أنشئت جامعة بغداد ظل في كلية التربية وانتخب عضواً مراسلاً للمجمع العلمي العربي بدمشق ثم عضواً عاملاً في المجمع العلمي العراقي ونشر كثيراً من شعره في عدة دوريات وجرائد ثم جمع ما استطاع منه في دفتر سماه الشعور المنجم في الكلام المنتظم وأيضاً نظم أقاصيص منها: زينب بنت أسحق الجميلة وشيء من التاريخ، وذكرى الأندلس. نشر العلامة مصطفى جواد عدداً معتبراً من الدراسات والبحوث في دوريات وصحف شتى عراقية وعربية كما أسهم أيضاً في نشاط المجمع العلمي العراقي منذ تأسيسه وأسهم في تحرير مجلة المجمع وحتى عام 1950 وأيضاً ساهم في تحرير مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق منذ عام 1943 وانتخب عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة وحضر الاحتفال الذي أقيم لتخليد ذكرى ابن سينا وكذا الاحتفال بذكرى الإمام الغزالي بدمشق ومؤتمر الأدباء العرب بلبنان، كما أسهم بنصيب وافر في الأنشطة الاجتماعية فكان رئيساً لنادي المعلمين 1941 ورئيساً لجمعية المعلمين بالعراق، كما كان مغرماً بمشاهدة الأفلام السينمائية. لا يمل من مشاهدتها لساعات وهو بعد هذا وقف حياته على الدرس والبحث وعني بمواضيع عدة أخصها اللغة وأعمها التاريخ تأليفاً وتحقيقياً وترجمة، وأصيب في سنواته الأخيرة وطال مرضه فقال: رشحتني الأقدار للموت ولكن أخرتني لكى يطول عذابي ومحت لي الآلام كل ذنوبي ثم أضحت مدينة لحسابي وأدركته الوفاة ببغداد في 1969. ترك حوالى 26 مؤلفاً منها الأدب العراقي في العصر المغولي. وكان قد نشر بحثاً أولياً تحت هذا العنوان وقال في الحاشية:"لنا كتاب مفصل في هذا الموضوع لا يزال خطياً"، أشعار النفوس بخلل تاج العروس في طبعة الكويت المحروس، أصول التاريخ والأدب وهو في خمسين جزءاً جمعه مما عثر عليه في المخطوطات النادرة في المكتبات الخاصة ولا سيما مكتبة الكرملي والقزويني والوطنية بباريس، أعيان العالم والعراق، ربط بغداد القديمة، سياسة الدولة العباسية في أواخر عصورها وهي أطروحته لنيل الدكتوراه، سيدات البلاط الأموي، الصباح النذير للمصباح المنير، فقه اللغة العربية الحديث، كتاب القلب والإبدال، مدارس بغداد القديمة، مستدرك أعيان الأكراد في التاريخ الإسلامي، معجم خطط بغداد التأريخية، نكت الهميان في نكت العميان: للصفدي تحقيق، نهج السداد في كلام النقاد وقال عنه في كتابه المباحث اللغوية: هو تمحيص النقد اللغوي الذي كتبه الشيخ إبراهيم اليازجي وأسعد خليل داغر والمنذر في كتابه النقدي اللغوي وغير ذلك من مقالات اللغويين وكتبهم وهو مخطوط لم يطبع منه إلا نماذج في كتاب أغلاط اللغويين القدماء للأب انستاس الكرملي. كتبه المطبوعة تبلغ نحو 37 بدأها بكتاب أبو جعفر النقيب، آثار بغداد الإسلامية، الأساس في تاريخ الأدب العربي بالمشاركة مع الشيخ محمد بهجة الأثري وأخر، بغداد عرض تاريخي مصور، بغداد مدينة السلام وهي ترجمة لريجار دكوك، تاج العروس للسيد مرتضى الزبيدي المجلد الأول صدر منه وكراسات في 556 صفحة، موجز تاريخ العرب، تكملة إكمال الإكمال في الأنساب والأسماء والألقاب لجمال الدين الصابوني وحققه جواد ونشر ببغداد في 1957، وكذا تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب لأبن القوطي، الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور لضياء الدين أبن الأثير الجزري وحققه د/ جواد مع د/ جميل سعيد، ولأبن القوطي أيضاً نشر وحقق كتاب الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة، وبالمشاركة مع أحمد سوسة نشر دليل خريطة بغداد المفصل ومع سوسة أيضاً خريطة بغداد قديماً وحديثاً، وطبع في لاهاي بهولندا ترجمة رباعيات حسين قدس نخعي، وترجم أيضاً رحلة أبي طالب خان إلى العراق وأوروبا، ومع يوسف يعقوب مسكوني نشر رسائل في النحو واللغة ثلاث رسائل هي تمام فصيح الكلام والحدود في النحو ومنازل الحروف، سيدات البلاط العباسي، الشريف المرتضى حققه رشيد الصفر وراجعه وترجم أعلامه د/ جواد ونشر في ثلاثة أجزاء بواسطة مطبعة عيسى البابي الحلبي بالقاهرة عام 1958، وفي القاهرة نشر أيضاً عصر الأمام الغزالي 1961 ومقترحات ضرورية في قواعد اللغة العربية 1968 ونساء الخلفاء المسمى: أمهات الأئمة الخلفاء من الحرائر والإماء لابن الساعي البغدادي وبالنسبة للبحوث والمقالات والأشعار فكان لفقيدنا نحو 661 أثراً نشرت من عام 1922 وحتى عام 1981م في نحو 65 مجلة و3 جرائد في بغداد والنجف والموصل وطهران وصيدا وبيروت والكويت والمغرب ودمشق والقاهرة، بدأها في مجلة الصراط المستقيم عام 1922 بدراسة عن المدرسة المجاهدية منذ 637ه وأنهاها عام 1981 بمقالة بعنوان"من أدب الذكريات توسط وشفاعة لدى الدكتور صفاء خلوصي لإعادة امتحان طالبة شعر"في دورية الورود البيروتية، وقبلها بعام نشر عام 1977"فن تحقيق النصوص"وهي محاضرات مشفوعة بتمارين في تحرير التصحيف ألقاها على طلابه عام 1965 وقد نشرت بتعليق عبد الوهاب محمد في مجلة المورد العراقية تحت عنوان"أمالي مصطفى الجواد في فن تحقيق النصوص"... وللقائمة الكاملة من أعمال العلامة يمكن الرجوع لكتاب عبد الزهرة هامل، ومحمد عبد المطلب البكاء: مصطفى جواد وجهوده اللغوية، وكوركيس عواد: معجم المؤلفين العراقيين، ج3 ... رحم الله العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى جواد.