يعود انتصار مرشح حزب"الحلم الجورجي"في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى غياب منافسين جديين. فهؤلاء أودعوا السجون في السنة الاخيرة من حكم"الحلم الجورجي"، وعلى رأس المسجونين وزير الداخلية السابق، فانو ميرابيشفيلي، الذي"نظف"البلاد من العناصر الإجراميّة. ونتائج الانتخابات الرئاسية في جورجيا هي مرآة مآل الديموقراطية في البلاد الفقيرة. وقبل 2003 كانت جورجيا دولة فاشلة. وكان التيار الكهربائي شبه مقطوع عن العاصمة تبليسي، وصفة المجرم كانت أقرب إلى لقب شرف، والأجهزة الأمنية كانت ضالعة في سرقة السيارات وبيع المخدرات وعمليات الخطف. لكن إثر"ثورة الورود"في جورجيا، تمكنت حكومة ميخائيل ساكاشفيلي من احراز نتائج باهرة وبسرعة خارقة. وفي مدة وجيزة، أرسيت سلطة القانون، وأودع المجرمون السجن، وخفضت الضرائب، وأصبحت جبايتها أكثر فعّالية. والتزمت عمليّة الخصخصة"معايير"الشفافية، وأصبحت جورجيا تنافس سنغافورة على مستوى معايير يسر مباشرة الاعمال. وعمّ الامان الطرقات وأصبحت الشرطة محترفة ومحترمة. ولكن منذ سنة خلت، بدا ان الناخب الجورجي الذي تعوّد على العبوديّة السوفياتيّة والرعاية الكاملة من الدولة لا يكترث بهذه الانجازات. ووعد بيدزينا إيفانيشفيلي، زعيم تحالف"الحلم الجورجي"الناخبين بمضاعفة معاشات التقاعد أربع مرات، وتخفيض أسعار الوقود. خلاصة القول إنه وعد الناخبين بأنهر من اللبن والعسل. والنتيجة كانت فوزه في الانتخابات. ولكن لا يمكن القول ان ساكاشفيلي لم يخطئ ولم يخلق لنفسه أعداء. فجلّ ما فعله هو مراكمة الاعداء. وهؤلاء هم الخاسرون من عملية بناء الدولة التي قام بها. وبادر ساكاشفيلي الى التخلص من رفاقه وشركائه عندما بدأوا ينغمسون في ملذات الحكم لحسبانهم أن أملاك الدولة هي أملاك من يمسكون بالسلطة. وعليه، صار هؤلاء من ألد أعدائه، وما انفكوا يتهمونه بأنه يضيق على الناس الشرفاء. واختار ساكاشفيلي أن يزور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أول زيارة رسمية خارجية قام بها. وعلى رغم رغبته في الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا إلا ان تدخلات بوتين لم تتأخر. فهو تمنى على ساكاشفيلي إبقاء وزير الدفاع خابوردزانيا في موقعه. لكن ساكاشفيلي سارع، إثر عودته إلى تبليسي، الى إقالة وزير الدفاع ليس لمناكفة بوتين بل لأن الإصلاح الجذري لا يسمح بإبقاء وزير"عميل"لدولة في موقع حساس. ولم يسامحه بوتين على هذه الخطوة. وفي المجمل فإن"طبيعة"الحكم والاصلاحات التي كان ساكاشفيلي علماً عليها وجهت صفعة الى الكرملين وكانت نقيض السلطة الروسية. ودأبت المعارضة الجورجية طوال مرحلة الإصلاحات على كيل الاتهامات الكاذبة للسلطة. وفيما كانت البلاد تتعافى اقتصادياً وتنمو، واصلت المعارضة اتهام السلطة بالفساد. وفي العام الماضي، أي منذ ان استلمت الحكم، لم تفلح المعارضة في اثبات الاتهامات التي كالتها للسلطة السابقة، لا بل فعلت كل ما اتهمت به السلطة سابقاً. واعتقلت السلطة الجديدة ميرابيشفيلي ورمته في السجن كما غيره من الوزراء بتهم ملفقة تعذر إثباتها. واستخدمت الأموال العامة لمصلحة أفراد موالين لها عُيّنوا في مناصب رسميّة، وأطلقت متهمين بالفساد والسرقة. وعوض تخفيض أسعار الوقود، انخفضت معدلات الاستثمارات الخارجيّة، وبدلاً من رفع معاشات التقاعد ارتفعت نسبة الجريمة. وفي عام لم يحقق"الحلم الجورجي"أياً من وعوده تقريباً. وعلى رغم هذه الوقائع، منح الناخب الجورجي هذا الحزب ثقته و"صوته"مجدداً. أرسى ساكاشفيلي أسس المنافسة الديموقراطيّة والشفافة. فحرم نفسه من"فرصة"الاعتماد على فريق من المجرمين الفاسدين الذين يشد أواصرهم هدف واحد هو الحفاظ على السلطة بأي ثمن. واليوم، يسعى الأوليغارشي بيدزينا إيفانيشفيلي جاهداً لتفادي ارتكاب هذا الخطأ. * محلّلة سياسيّة، عن موقع"يجيدنفني جورنال"الروسي، 31/10/2013، إعداد علي شرف الدين