85 سنة مرت سريعة. يبقى الفأر المجنون طفلاً، لكنه يتحوّل كثيراً ويتبدّل، وكذلك بدّل معه تقنيّات السينما والتلفزة والفنون البصريّة. وفي البداية، لم يستطع فيلمان سينمائيان صامتان "الخطّة المجنونة"و"غالوبان غوشو" استيلاد شخصية"ميكي ماوس"في المخيّلات في العام 1928. واقتضى الأمر تدخّل التكنولوجيا كي تُنجز تلك الولادة الأسطورية. ففي تلك السنة، استخدم العبقري والت ديزني مُبتكر أفلام الكرتون احتفل العالم بمئوية ولادته في 2001 تقنية الصوت في إخراج فيلم"المَركب البُخاري ويلي"، الذي أطلق"ميكي ماوس"إلى الأعين ليصبح الشخصية الخياليّة غير البشرية الأولى في الفن السابع. ومن نجاحه، انطلقت أفلام الكرتون وشخصيات"ديزني"ثم حدائقها التي راجت عالمياً. تناسل تقنيّ من التلفزة إلى الكومبيوتر مع المعلوماتية، وُلِدَت أنسال لفأر الكرتون التوهيمي. وصَنعت التكنولوجيا الرَقَميّة أفلام الإحياء بالكومبيوتر التي أغنت الترفيه الالكتروني وألعابه وكذلك طوّرت الفن السابع نفسه بطريقة جذرية. ووصل الأمر الى إحدى ذراه مع فيلم"بيوولف"2007 الذي صُنعت شخصياته بأسلوب المُحاكاة الإفتراضية الثلاثية الأبعاد، وبالاستغناء عن المُمثّلين البشر إلا في الصوت. وعندها، بدت الأمور كأنها دارت دورة شبه كاملة في التقنية والفن، لكنها لولبية لأنها عادت إلى نقطة أعلى كثيراً من نقطة الانطلاق:"المركب ويلي". فلربما صحّ القول إن"ميكي ماوس"أدى شخصية سينمائية لم يمثّلها جسد إنساني، إذ صُنِع برُسوم تُخطّ بالقلم على الورق، كما أنه شخصية خياليّة مَحضَة. وسواء بالمعنى التقني الضيق أم بالمعنى الفكري الأوسع، لم يظهر"ميكي ماوس"بولادة رَقَميّة، بل أنه ليس افتراضيّاً بالمعنى الذي يحمله مفهوم الافتراض"فيرتشيوال"Virtual في تقنيّات الكومبيوتر. ويلفت أيضاً أن الشخصيّات الخياليّة للرُسوم المُتحرّكَة وُلِدَت بلمسة نسويّة:"سندريلا"1922 و"إليس في بلاد العجائب"في العام نفسه. يمكن القول إن الرُسوم المُتحرّكَة من صنع الخيال المحض، وإنها استقت أفلامها الطويلة الأولى من حكايات الأطفال ك"الجميلة والوحش"و"كتاب الغابة"و"مئة كلب وكلب دلميشين" وأنها صنعت برُسوم الخيال ونُفّذت بشخصيات خياليّة يُعتبر"ميكي ماوس"رَمزاً مكثّفاً لها، ما جعلها تتمدّد على مساحة الترفيه الطفولي للتلفزيون في ال85 عاماً الماضية. ومع الكومبيوتر، ظهرت أفلام الكرتون من النوع الذي سُميّ"الأفلام الإحيائية بالكومبيوترComputer Animated Films التي وصلت إلى العالم العربي عبر أفلام ك"كتاب الغابة"و"الملك الأسد"و"حورية البحر"و"أنتز"و"بونوكيو"و"مولان"و"علاء الدين"وغيرها. وترافقت تلك الموجة مع تصاعد دخول الكومبيوتر ومؤثراته وتقنياته وأفكاره إلى السينما، وبصور يصعب حصرها. لا بد من توضيح أن التعريف الدقيق لمصطلح"أفلام الإحياء بالكومبيوتر"ينطبق على تلك الأشرطة التي تصنع شخصياتها بالأبعاد الثلاثية المُجسّمَة، وهذا ما يفرقها عن أفلام الكرتون التي استعملت الكومبيوتر لتطوير مشهدياتها وبصرياتها ومؤثّراتها. هناك فارق قوي بين"توي ستوري Toy Story الذي ينطبق عليه تعريف فيلم الإحياء المُجسّم بالكومبيوتر، و"حورية البحر"وهو فيلم كرتون استُعمِل الكومبيوتر في تدعيم مشهدياته. ولذا، يُنظر الى"توي ستوري"باعتباره أول فيلم إحياء بالكومبيوتر بشخصيات ثلاثية الأبعاد في تاريخ السينما. بعدها، تصاعد أمر التلاقي بين خيال السينما والعالم الافتراضي للكومبيوتر. وولدت فكرة الفيلم السينمائي بشخصيات يصنعها الكومبيوتر مع الاستغناء عن البشر في التمثيل. وأطلق سبيلبيرغ وعداً بأنه سيرفع أفلام الإحيائية إلى مرتبة الفيلم السينمائي الروائي. ولكن، لم تستطع ثلاثية أفلام"شْرِكْ"Shrek أن تفي بالوعد.