يلاحظ أخيراً ازدياد أخبار"القاعدة"في الصحافة التركية، وليس القصد"القاعدة"التي تعمل في العراق أو سورية، بل نشاطها داخل تركيا. وأبرز خبر ورد خلال الأسبوع الأخير عن نشاط"القاعدة"في المحافظاتالجنوبية لتجنيد الشباب الأتراك من اجل القتال في سورية. وهو خبر كان له وقع الصدمة على القارئ. فالمنظمات الجهادية و"القاعدة"استطاعت تجنيد حوالى 30 شاباً من محافظة أضي يامان في جنوبتركيا للقتال في سورية ضد الجيش النظامي، والحديث مع أهل هؤلاء الشباب يوضح حجم المأساة. فعائلاتهم كانت آخر مَنْ يعلم، وأبلغت الشرطة باختفاء ابنائها المفاجئ قبل أن تصلها رسائل تفيد بأنهم يقاتلون في سورية. وقرأنا حكاية أب كردي ذهب ابنه ليقاتل الى جانب قوات الأسد بعد تجنيده على يد"حزب الله"الكردي المحظور. وتشير الحادثة الى سباق بين المنظمات المحظورة في عملية التجنيد في تركيا، ووفق هذه الاخبار، جُنِّد في العامين الماضيين حوالى 200 شاب تركي من محافظاتالجنوب التسع للقتال في سورية. والغريب أننا لم نسمع من المسؤولين أو الجهات الامنية عن الموضوع الى حين نشر هذه الاخبار. وأعلنت مديرية أمن أضي يمان اعلاناً مريباً ينفي وجود ما يثبت تجنيد 30 شاباً، واقتصار الأدلة على تجنيد 11 منهم والباقي يتواصل التحقق من مصيره. والمروّع أن الأمن الذي لم يرفّ له جفن أثناء تجنيد هؤلاء، يشكك في عدد المجندين وليس في الحادثة! أبعاد المسألة خطيرة، ويموت هؤلاء الشباب في قضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وهم ربما يقتلون بعض الأبرياء في سورية خارج الصراع الدائر هناك، لكن هذا هو الجانب الانساني في المسألة وثمة جوانب أخرى لا تقل أهمية، منها الجانب الأمني. فإذا كانت"القاعدة"تستطيع التنقل من غير قيود في تركيا لتجنيد الشباب والدعاية، فهل نحن في مأمن ومنأى من هجماتها؟ وماذا عن الشباب الذين سيعودون من القتال في سورية تحت راية"القاعدة"؟ هل سيعودون الى بيوتهم ويجلسون فيها بهدوء أم أن كلاً منهم سيتحول قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت؟ وحرية الحركة التي يتمتع بها تنظيم"القاعدة"في تركيا وعملية التجنيد والترويج، ليستا من بنات الصدفة، ومردهما الى اطمئنان"القاعدة"الى أن عيون الأمن مغلقة أو تغض النظر. والأخطر أن هذا النشاط لا يحدث في مدينة كبيرة ومكتظة مثل اسطنبول كي نقول ان قوات الأمن والاستخبارات يعصى عليها ضبط الأوضاع هناك ومراقبة هذه المنظمات، بل يحدث في مدن صغيرة ومكشوفة. والسؤال هو هل ثمة ثغرة أمنية أم ان التغاضي عن هؤلاء سياسة مقصودة ومدبرة؟ وهل صارت سياسة تركيا فعلاً تقضي بدعم الجهاديين و"القاعدة"في حربهم في سورية، ولم يعد دور أنقرة يقتصر على تأمين العبور الآمن لهؤلاء ودعمهم لوجستياً؟ تُفاقم هذه الأخبار قلق الشارع ازاء تداعيات هذه المجازفة الغريبة والخطرة، وهذه العلاقة مع تنظيم مثل"القاعدة". وانصرفت قوات الأمن والاستخبارات الى تتبع جماهير ثلاثة من اكبر أندية كرة القدم في تركيا، وعدّت عليهم انفاسهم وصوّرتهم وحسبت كل خطأ ارتكبوه. ولم يلفت انتباهها عمل أخطر تنظيم إرهابي في العالم على ارضها وفي أماكن مكشوفة، وتحركه بحرّية وجرأة تدعوان احياناً للغيظ. هذا من أغرب وأخطر ما تشهده تركيا في 2013. * صحافي، عن"حرييات"التركية، 5/10/2013، إعداد يوسف الشريف