لا نظير للأزمة الحالية في الولاياتالمتحدة. فموقف الأقلية المتطرفة في"حزب الشاي"تي بارتي أدى الى إغلاق جزء من الحكومة الفيديرالية أو شللها. والموقف هذا يضع على المحك ركن الديموقراطية الأميركية الجوهري، أي حكم الغالبية. ولا يجوز أن يصدع باراك اوباما بوقوع حكومته رهينة في قبضة أقلية متطرفة. والطريق المسدود في الكونغرس هو مرآة 3 تغيرات بنيوية طرأت على السياسة الأميركية، وأدت الى وقف أقلية صغيرة في الكونغرس عجلة الحكومة عن الدوران. وليست الديموقراطية الأميركية في منأى من الأخطار حين يخرج المتطرفون على قواعد النظام التقليدية، ومنها قانون الغالبية الذي يقضي بانتظار الانتخابات المقبلة لنقض قانون لا يلقى قبولاً في وسط إحدى الجماعات. ولا يجوز أن يرفع سلاح الموازنة في وجه الحكومة. ولكن كيف بلغنا الحال هذه؟ لا شك في أن التقسيمات الانتخابية لعبت دوراً راجحاً. فانتخابات 2010 منحت المجالس التشريعية في الولايات الجمهورية سلطة تعتبر سابقة لتقسيم الدوائر الانتخابية. فبادر الجمهوريون الى تقسيمات خلقت حصوناً لهم"بيضاء مثل الثلج"يهيمن عليها البيض، و"عالماً بديلاً"ضعيف الصلة بتنوع المجتمع الأميركي. وبين عامي 2000 و2010، تدنت نسبة البيض الى السكان من 69 في المئة الى 64 في المئة، وفق الباحث في السياسة، شارلي كوك. لكن التقسيمات الانتخابية قبيل اقتراع عام 2012 ساهمت في رفع نسبتهم في الدوائر الجمهورية من 73 إلى 75 في المئة، فصارت الدوائر الجمهورية"أكثر بياضاً"، وخالفت نازع المجتمع الاميركي الى التنوع. فعدد الدوائر التي يغلب عليها الديموقراطيون انخفض إثر التزام التقسيمات الجديدة من 144 الى 136. وارتفع عدد الدوائر التي يهيمن عليها الجمهوريون من 175 إلى 183 دائرة. وعلى رغم الزيادة هذه، لم يفلح الجمهوريون في الفوز بالغالبية في مجلس النواب. وفي مثل هذه الدوائر الانتخابية، لن يخسر أعضاء"تي بارتي"شعبيتهم جراء شل عجلة البلاد. وقانون"سيتيزن يونايتد"الذي أقرته المحكمة العليا في 2010 يجيز للشركات المالية المساهمة في تمويل الحملات السياسية. فبوسع البليونير شلدون اديلسون، إيجاد عالمه البديل. ففي الدورات الانتخابية التكميلية، بالغ أديلسون في دعم ترشيح نيوت غينغريش مالياً، فطالت مشاركته في السباق الانتخابي في وقت لم يكن ليقيض له البقاء فيه كل هذه المدة من غير تمويل. وفي الشهر الماضي، خسر سيناتوران في ولاية كولورادو مقعديهما في انتخابات مولها لوبي السلاح،"جمعية البندقية الوطنية"، جزاء تأييدهما التحقق من سوابق الزبون عند شرائه السلاح. وبرز عالم إعلامي جمهوري قوامه مقدمو برامج اذاعية ومواقع إنترنت ومحطة"فوكس نيوز"، وسلط الضوء على وجهات نظر متطرفة وروّج لها. ومن يتراجع عن التطرف أو يبدي اعتدالاً تنهال عليه الاهانات عبر"تويتر". ومثل هذه التغيرات البنيوية"المشروعة"في سياسات التمويل والاعلان والتقسيم الانتخابي، هو وراء تعاظم سلطان الحركات السياسية الصغيرة التي يسعها توسل نهج متطرف لشل حكومة الغالبية. ولا يدافع اوباما عن قانون التأمين الصحي فحسب، بل عن الديموقراطية. * معلّق، عن "نيويورك تايمز" الاميركية، 2/10/2013، إعداد م. ن.