بعد ساعات قليلة، يبدأ الأميركي مايكل غارسيا رئيس لجنة القيم ب"فيفا"رحلة تقصي الحقائق حول الادعاءات التي تثار حول الاقتراعين اللذين أجرتهما اللجنة التنفيذية ل"فيفا"في 2 كانون الأول ديسمبر 2010، وأسندت بموجبهما تنظيم مونديالي 2018 و2022 إلى روسياوقطر. رحلة غارسيا للبحث عن الحقيقة ستنطلق من عاصمة الضباب لندن التي سيحل عليها غداً الأربعاء، وهي أكثر العواصم إثارة للجلبة حول هذا الموضوع، حتى أصبحت بمثابة بؤرة المعارضة المناوئة ل"فيفا"وحكم رئيسه بلاتر. لا شك أن مهمة غارسيا ستكون أشبه بعملية المشي فوق الأشواك حافي القدمين، لأن يقيني أنه سيجد ما قد يثير الريبة حول عملية التصويت لمصلحة روسياوقطر، ليس لأن البلدين اشتريا أصوات أعضاء اللجنة التنفيذية في مقابل مال ومصالح، بل لأن مهمته تنطلق أساساً بعنوان عريض يقول:"التصويت تأثر بتدخل النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية".. وهذا الأمر شئنا أم أبينا موجود بالفعل على أرض الواقع في كل الاقتراعات التي شهدت إسناد بطولات كأس العالم لبلدانها المنظمة، بل وحتى دورات الألعاب الأولمبية، وبالتالي فإن المحقق غارسيا ليس في حاجة إلى أن يمتلك مهارة المفتش كولومبو حتى يكتشف ذلك! فمسألة استخدام النفوذ السياسي ومحاولة استغلال ورقة المصالح الاقتصادية عملية مارستها كل الدول التي ترشحت لاستضافة بطولتي 2018 و2022، ولم يكن الأمر مقصوراً على روسياوقطر وحدهما، ومن خاض هذه التجربة من دون أن يحاول استغلال هذا العامل، فهو كأبله قادم من كوكب آخر! المشكلة متأصلة في آلية العمل داخل بيت"فيفا"في زيوريخ، وليس في المتوافدين عليه. والسؤال هو ماذا سيفعل"فيفا"إذا توصلت التحقيقات التي يجريها غارسيا، إلى أن هناك بالفعل استغلالاً للنفوذ السياسي وراء فوز كل من روسياوقطر بتنظيم مونديالي 2018 و2022؟ جوزيف بلاتر كررها ثلاث مرات في المؤتمر الصحافي الذي عقده الجمعة الماضي في زيوريخ بعد انتهاء أعمال اللجنة التنفيذية للفيفا:"مونديال 2022 سيقام في قطر". رسالة تبعث على الارتياح بلا شك، لكنني عندما أعود إلى شخصية هذا العجوز البراغماتي، لا أشعر بالارتياح. فقد قال أيضاً أن تحقيقات غارسيا المستقلة ستجري كما هو مقرراً لها، وأنه أي بلاتر لا يملك أي سلطة على غارسيا. وبالتالي فإذا ما أدانت التحقيقات ممارسات روسياوقطر في الترويج لملفيهما سيعود بلاتر ليخرج علينا قائلاً:"الآن.. لا أملك أن أفعل لكم شيئاً. فعلت ما في وسعي، ولكن..."! لو أخذنا تأكيدات بلاتر في المؤتمر الصحافي وحدها على أن الأمر قطعي وحاسم كما أراد لها أن تبدو. إذاً فما الجدوى من تحقيقات غارسيا وما ستسفر عنها؟"فيفا"في أزمة، تلك حقيقة مؤكدة.. أزمة المتسبب الأول فيها هو بلاتر نفسه، بممارساته ومعاييره ومواقفه المتناقضة التي تنتهج سلوكاً أعوجاً، وتبحث في الوقت ذاته عن مرجعية أخلاقية شفافة تستند إليها. قلتها وسأكررها، بلاتر لا يتحرك إلا وفق مصالحه الشخصية وتشبثه بكرسي الرئاسة، وعندما فتح الباب لتحقيقات غارسيا بحديثه عن عشاء الإليزيه الذي جمع بلاتيني وساركوزي وأمير قطر، كان هدفه الرئيس توجيه ضربة مؤثرة إلى ميشيل بلاتيني منافسه المحتمل في انتخابات رئاسة"فيفا"المقبلة، قبل أن تكون موجهة إلى قطر ومونديالها. وبلاتيني هو الآخر يكيل الضربات لبلاتر بين الحين والآخر تحت غطاء أوروبي، فبعد أن تبنى الأوروبيون في كونغرسهم الذي عقدوه بلندن 24 في مايو الماضي مشروعاً لتحديد ولاية رئيس"فيفا"بدورتين متتاليتين فقط، مع وضع 70 عاماً كحد أقصى لعمره. عاد بلاتيني ليلاعب أو يداعب بلاتر باقتراح عجيب أطلقه أول من أمس يدعو فيه بطل كل من قارتي آسيا وأميركا الجنوبية إلى المشاركة في نهائيات الأمم الأوروبية. وكأنه يؤسس لبطولة تكون أقوى من كأس العالم، بخاصة إذا ما طلب الأفارقة مشاركة بطلهم أيضاً! المعركة بين بلاتر وبلاتيني. وما العالم إلا كعكة شهية يلتهمان منها ما شاءا. قد يأكلان قطعة مونديال قطر 22 أو روسيا 18. بل قد يلتهمان كأس العالم ذاتها بالهناء والشفاء! [email protected]