أن يملك أحدهم لوحة لبيكاسو تقدّر قيمتها الحالية بمليون دولار مقابل 100 يورو، أو ما يعادل 135 دولاراً فقط، هو أمر في غاية الغرابة، إلا أن المفاجأة الكبرى تكمن في أن امتلاك هذه اللوحة يأتي ضمن حملة لتمويل مشروعين لحماية آثار صور في لبنان. فقد أطلقت الجمعية الدولية للمحافظة على صور التي تتخذ من فرنسا مقراً لها مشروع يانصيب عالمياً عبر الإنترنت لسحب اسم رابح للوحة"رجل القبعة"لمؤسس الحركة التكعيبية في الفن الشهير بابلو بيكاسو، يخصص ريعه لتأسيس معهد للدراسات الكنعانية والفينيقية والبونية وقرية"عشترت"الحرفية في صور. ولفتت الجمعية على موقعها الإلكتروني إلى أن معهد التوثيق والأبحاث سيعمل على تنفيذ بنية حديثة للتدريب والتخصص من بعد في مجال علوم الآثار والتاريخ واللغات القديمة والترميم، كما سيطوّر برامج جامعية متعددة الاختصاص، وسينشئ مكتبة إلكترونية تكون بمثابة ذاكرة جماعية مجهزة بنظام اتصالات وتوثيق يربطها بمختلف المؤسسات المماثلة في كل أنحاء العالم. وتضم هذه المكتبة وثائق مهمة عن الحقبات الكنعانية والفينيقية والبونية الأساسية في أعمال البحث. ويعمل المركز الثقافي بالشراكة مع اتحاد جامعي دولي بدعم الأونيسكو والمنظمة الدولية للفرنكوفونية والأكاديمية الفرنسية ومكتب الإسكندرية والجامعة الأورومتوسطية. أما القرية الحرفية فستتضمن محترفات نموذجية لإعادة إنتاج التقنيات القديمة ومنعها من الاندثار، إضافة إلى تدريب قطاع من النساء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة لدى مؤسسات أوروبية متخصصة وتشغيلهم. وأوردت صحيفة"فاينانشال تايمز"أن الجمعية الدولية للمحافظة على صور اشترت اللوحة من معرض في نيويورك بناءً على مبادرة من أوليفييه بيكاسو وصحافي فرنسي من أصل لبناني وعراقي يدعى بيري كوشان، في حين أوضحت"سوذبيز إنترناشونال"أن اللوحة قد تبرع بها مالك مجهول الهوية. وروى كوشان، وهو ابن مها شلبي مؤسسة الجمعية الدولية للمحافظة على صور، أنها عملت مراراً في جمع التبرعات لتمويل مشاريعها، وقد أتت فكرة إجراء سحب اليانصيب على لوحة بيكاسو ضمن محاولات لابتكار فكرة بديلة وأوسع انتشاراً للحصول على الأموال المطلوبة للقيام بالمشاريع بحيث يمكن أخيراً التواصل مع المهتمين بشراء اللوحة في بلدان مثل الصين واليابان والبرازيل. كما أشار كوشان إلى أن اليانصيب سيساهم في جمع مبلغ 5 ملايين يورو في حال بيع كل البطاقات. وسيتمكن المشاركون من شراء بطاقات التي يبلغ العدد المطروح منها 50 ألفاً عبر الإنترنت على أن يجرى السحب يوم 18 كانون الأول ديسمبر المقبل مع نقل حي ومباشر لوقائعه عبر الإنترنت بالتعاون مع سوذبيز. أما اللوحة فتعود إلى عام 1914 خلال المرحلة التكعيبية، وهي عبارة عن رسم من"الغواش"على ورق. ويبلغ طولها 30.5 سنتيمتر وعرضها 24، مع توقيع بيكاسو في الزاوية اليمنى العلوية. وقد أكدت مؤسسة بيكاسو وكل من مايا بيكاسو إبنة بابلو بيكاسو وماري تيريز والتر وكلود رويز -بيكاسو إبن بابلو بيكاسو وفرانسواز جيلو أصل اللوحة. وسيعرض"رجل القبعة"على الجمهور بين 16 و20 الجاري في مركز"بافليون أوف آرتس أند ديزاين"في لندن. ويمكن التساؤل هل ستشكل هذه المبادرة بداية لظاهرة جديدة في سوق الأعمال الفنية العالمية، وما إذا كان في الإمكان الترويج لبعض هذه الأعمال من خلال المشاريع الخيرية أو التمويلية البحثية والعكس. ويقول خبير هولندي في الفن المعاصر ومفوض سابق لدى إحدى مؤسسات التقويم العالمية في حديث إلى"الحياة"طلب عدم كشف اسمه إن على هذه المبادرة أن تثبت نجاحها، خصوصاً أن حملة بيع تذاكر اليانصيب بدأت قبل أشهر ولم تنفد البطاقات بعد. واعتبر أن هذا الأسلوب قد يؤثر في قيمة العمل الفني من ناحية وقد يبرز مصاعب أخرى كأن يضطر الرابح لسداد ضريبة اليانصيب التي تطبقها بعض البلدان كالولايات المتحدة الأميركية. أما لجهة بيع اللوحة فقد لفت الخبير إلى أن الرابح قد لا يتمكن من تحصيل كل القيمة المقدرة في ضوء الحدث الإعلامي الذي سيرافق سحب القرعة بعد شهرين، لأن مقتني الفن غالباً ما يفضلون بعض السرية والغموض اللذين يساهمان في تعزيز مكانة العمل الفني كقطعة نادرة. أياً يكن الأمر، فإن اقتناء لوحة لبيكاسو مقابل 100 يورو قد يكون بمثابة حلم يتحقق ويحقق معه مشروعين لمصلحة مدينة صور.