لك الله يا مصر، فكم من شعارات تنتهك حرماتك، وكم من أصوات تعلو كل يوم لتجدد آهاتك، وكم من رجال نحسبهم رجالاً لكنهم غثاء كغثاء السيل تراهم كثيرون ولا فائدة ترجى منهم، فحالنا بعد الانتخابات الرئاسية لا تسر عدواً ولا حبيباً. كل يوم نسمع عن أقطاب العمل الوطني الذين لا يظهرون إلا في الأزمات، لا ليصلحوا أو يضعوا حلولاً لتلك الأزمات وإنما لينهشوا في سمعة مصر ويكشفوا عوراتها. كل يوم يطل علينا رموز الحزب الوطني من على شاشات الفضائيات التي ملأت بيوتنا وتدخل علينا من كل حدب وصوب حتى لا ندري كم عددها. كل يوم يطل علينا هؤلاء الصفوة والخيرة السياسية، كما يزعمون عن أنفسهم، ولا يقدمون أية حلول أو مقترحات. كل ما عندهم هو مزيد من تأزم المواقف وصب المزيد من الزيت على النار. ليس عندهم إلا التلويح بالاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات التي لم تترك شبراً في أرض مصر إلا واكتوى بلهيبها. وكلما حاولت مصر أن تنهض من كبوتها وتواصل السير الحثيث على طريق الصواب نجدهم يجرونها نحو الهاوية .لا يريدون أن يطفئوا أي نيران. كل ما يريدونه هو دخان وغبار يحجبان الرؤية الصائبة ويجعلان الكثير من المواطنين البسطاء يسيرون وراءهم على غير هدى، فالجو كله ضباب وغيوم، فلا شمس تلوح في الأفق لتخرجنا مما نحن فيه، وليس هناك عقل من نخبتنا المضلة التي لا تسعى إلا للظهور الإعلامي والبكاء على ما حدث، وكلما حاولت مصر أن تداوي جراحها وتضمد آلامها وجدناهم ينكأون جراحها ويلوثون ما تبقى لها من مقدرة تحاول أن تنهض من خلالها. لم أجد في النخبة المزعومة إلا كل صدود ونفور عن الحلول الجادة الرصينة، فكلما حاول انسان أن يمد يد العون لنا هاجموه ونكلوا به، مثلما فعلوا مع قطر، فرجال النخبة ينظرون الى مصر على أنها قادرة على أن تنهض من كبوتها من دون تدخل ولا مساعدة من أحد. ولكن كيف يحدث هذا؟ والنظام البائد ترك اقتصاد الدولة شبه منهار: البنية الأساسية منهارة والديون الخارجية تثقل كاهل الموازنة العامة العاجزة عن توفير الكثير من الأساسيات الضرورية للدولة، فكلما حاول أحد أن يساعد بصدق وإخلاص أوجعوه نقداً وتجريحاً وهجوماً. كل ما يهم النخبة هو أن تظل الدولة تحت قيادتها المنتخبة. أن تظل عاجزة ومنهارة. كل ما يريدونه هو تشويه وعرقلة أي حل من الحلول التي يبادر الى تقديمها أي صديق، والغريب أن السياسة هي لعبة جماعية وليست فردية، فمصر لا تعيش وحيدة في العالم، ومن طبائع السياسة الدولية هو تدخل بعض الدول الصديقة أو الحليفة للوقوف مع الحليف الذي يمر بأي محنة، لكن يبدو أن هؤلاء المهووسين بالمعارضة وبالمعارضة فقط من دون أي تدخل أو مساعدة، يريدون أن تظل مصر في هذه الحال من الضبابية وألا تخرج من المتاهة التي أوجدها فيها الرئيس المخلوع، وزادوها هم بالمعارضة السلبية التي تؤخر ولا تقدم. يا سادة ... مهلاً بمصر، وحكموا صوت العقل، نحوا خلافاتكم الحزبية وتوجهاتكم الفكرية جانباً وانظروا الى مصلحة مصر من منطلق الوطنية والتضحية لا من منظور حزبي وسياسي ضيق. عبدالباقي الدوي - مصر - بريد الكتروني