تتحول المدن والبلدات عالمياً، بهياكلها الصغيرة وحكوماتها المستندة إلى القواعد الشعبية، إلى أكبر المبتكرين في البحث عن حلول مستدامة لقضايا الطاقة والمياه والأراضي. فالكثافة السكانية والقوة الاقتصادية والتأثير الثقافي لهذه المدن والبلدات يضعها في طليعة التغير، وما من أحد أدرى بذلك من حكومات المدن ذاتها. وتشكلت تلقائياً منظمة"سي فورتي"C 40، وهي مجموعة من المدن الكبرى حول العالم تهدف إلى العمل على خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتصدي لتغير المناخ والتخفيف من التغيرات التي تؤثر بالفعل على مناطقها الحضرية. وفي حين أن حكومات المدن في كل قارة تدرك أهمية الاتفاقات الرفيعة المستوى بين أطراف متعددة في التصدي لمشاكل كوكب الأرض، فإنها تبذل مساهماتها في مجال الاستدامة عبر المشاريع العادية مثل إنارة الشوارع ومعالجة مياه الصرف الصحّي وإنشاء مسارات للدراجات الهوائية، والبنى التحتية الأخرى التي تجعل المدن مكاناً صالحاً للعيش. وتشكلت"سي فورتي"في أذهان مجموعة من رؤساء البلديات تتألف من 18 رئيساً من شتى مدن العالم في عام 2005، ثم تطورت لتشمل 59 مدينة كبرى. واجتمعت المجموعة على هامش مؤتمر"ريو+20"حول التنمية المستدامة، وأعلنت أن المناطق الحضرية لديها القدرة على الحدّ من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري سنوياً بنحو بليون طن بحلول عام 2030، ما يعادل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري سنوياً من المكسيك وكندا مجتمعتين. وأعلنت أن المدن اتخذت 5000 إجراء لمعالجة تغير المناخ، وهي تسير على المسار الصحيح عبر الأنشطة القائمة والملتزمة بخفض الانبعاثات السنوية الجماعية بما يعادل 248 مليون طن بحلول عام 2020. وأشار رئيس بلدية نيويورك، الرئيس الحالي لمجموعة"سي فورتي"، مايكل بلومبرغ، إلى أن هذه الخلفية قد تكون سرّ نجاح المبادرة، نظراً لالتزام رؤساء البلديات بها، مشيراً الى ان المدن تحرز تقدماً كبيراً في الحدّ من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ما يساعد على التخفيف من آثار تغير المناخ، ويجعل المدن أفضل وأكثر ملاءمة للعيش. وأعلنت"سي فورتي"عن شراكة مع"المبادرة المشتركة للاستدامة الحضرية"بهدف إنشاء مكتبة مرجعية على الإنترنت لإدراج الحلول الناجحة للسياسات والتمويل التي اكتشفتها المدن للتصدي لقضايا البيئة وتغير المناخ. شراكة بين أميركا والبرازيل ويذكر أن"المبادرة المشتركة للاستدامة الحضرية"هي عبارة عن شراكة بين الولاياتالمتحدة والبرازيل ومؤسسات القطاع الخاص، أعلن عنها رئيسا البلدين في آذار مارس. وستنظم معرضاً للابتكار في الاستدامة، بهدف نقل هذه الحلول للمشاكل الحضرية إلى مدن أخرى في الولاياتالمتحدة وحول العالم. واستعرض رئيس بلدية ريو دي جانيرو، إدواردو بايس، أفكاره حول كفاءة المدن في حزيران يونيو. وأوضح ان المدن لديها حرية أكثر من الدول عند وضع استراتيجيات متقدمة تغيّر حياة الناس. وقامت 100 في المئة من المدن ال45 الأعضاء في"سي فورتي"بتنفيذ مجموعة من الأنشطة المتعلقة بخفض انبعاثات الكربون. واستفادت 71 في المئة من المدن ال45 الأعضاء بتحقيق هدف خفض الانبعاثات على مستوى المدينة. وأصبح لدى رؤساء البلديات سيطرة مباشرة على 75 في المئة من مصادر الانبعاثات في المناطق الحضرية. وتشجع حكومة الرئيس الأميركي باراك أوباما الابتكار والطاقة، التي تقوم حكومات المناطق الحضرية بتطبيقها على قضايا الاستدامة وتغير المناخ. وأعلنت الممثلة الخاصة لشؤون الحكومات العالمية في وزارة الخارجية الأميركية، ريتا جو لويس، امام مسؤولي المناطق الحضرية خلال اجتماعهم في ريو، ان إدخال سياسات التنمية المستدامة في الكثير من الأعمال الحكومية في المناطق الحضرية، يشمل نشر التكنولوجيات والخدمات الخضراء الملائمة للبيئة، وجعل الأولوية للبُنى التحتية والمباني الخضراء وحماية المساحات الخضراء واستعادتها، وخلق مزيد من فرص الإسكان، والحد من الانبعاثات والتماس مزيد من الكفاءة في استخدام الموارد ومعالجة النفايات، واتخاذ قرارات أكثر استدامة متعلقة بالأنظمة الحضرية واستخدام الأراضي. وأشارت إلى ان"مبادرة المناخ والهواء النظيف"التي شكلتها الولاياتالمتحدة وبنغلاديش وكندا وغانا والمكسيك والسويد وبرنامج الأممالمتحدة للبيئة مطلع السنة، توسعت لتشمل دول المفوضية الأوروبية واليابان ونيجيريا. وبدأت تستند في عملها على النتائج العلمية الأخيرة التي تُظهر إمكان تحقيق مكاسب هائلة قصيرة الأجل في الحدّ من انبعاثات الغازات المسسبة للاحتباس الحراري، والتركيز على الملوثات القصيرة الأجل. إلى ذلك، أعلنت"سي فورتي"في ريو أن المدن ستعمل مع مبادرة الهواء النظيف لمساعدة الحكومات المحلية في الحدّ من انبعاثات غاز الميثان عبر إدارة النفايات الصلبة، وكيفية إيجاد سبل لتمويل إجراءات الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ورحب محافظ جاكرتا، فوزي بواو، بالمبادرات التي قدمتها لمنظمة في مؤتمر التنمية المستدامة، موضحاً أن تقاسم المعرفة وتبادل أفضل الممارسات يعتبران"أمراً حاسماً"في معالجة قضايا تغيّر المناخ. وأشار الى ان جاكرتا اعتمدت نهجاً متكاملاً في خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، شمل مصالح الفقراء واستحداث فرص عمل إضافة الى النمو والدفاع عن البيئة.