كتاب"إصلاح النظام السياسي الفلسطيني"الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت، هو محاولة من مؤلفه محمد عبدالله أبو مطر لرصد المراحل التي مرّ بها الشعب الفلسطيني وقضيته منذ عام 1948، مع التركيز على ولادة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 من خارج فناء الدولة وفضاء الإقليم، وصولاً الى قيام السلطة الفلسطينية، خصوصاً بين المنظمات الفلسطينية، وخاصة بين الفصيلين الأساسيين"فتح"و"حماس". والنظام السياسي الفلسطيني واجه منذ تأسيساته الأولى ومع مراحل تطوره، خلافات وانقسامات بين التشكيلات السياسية، نتيجة التباين في وجهات النظر حول الموقف والتوجه السياسي، ولم تصل هذه الخلافات الفلسطينية الحزبية إلى حد الشرح في بنية النظام السياسي، كما حدث لحظة سيطرة حركة حماس عسكرياً على مؤسسات السلطة الوطنية في قطاع غزّة، وما نتج عنها من انقسام تفاقم بوتائر سريعة ومرتفعة، في ظلّ تجاهل مستمر لمساعٍ فلسطينية ومبادرات عربية داعية إلى تحقيق المصالحة الوطنية وإزالة الانقسام السياسي الذي تحول نتيجة لتعقيدات داخلية وخارجية، إلى مجموعة عوائق أغلقت أبواب الإصلاح في النظام السياسي الفلسطيني. لذلك ارتبطت دعوة الإصلاح للنظام بمطلب المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام في النظام لتجاوز تحديات العملية الإصلاحية، والبدء فوراً بورش التنفيذ الإصلاحي في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية على حد سواء. وفي محاولة لتقريب وجهات النظر بين حركتي"فتح"و"حماس"، بذلت دول عربية جهوداً لإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي بين فصيلَيْ السلطة الفلسطينية، وناشدت الجامعة العربية إخوة التخاصم الى التجاوب مع المساعي العربية، وترْك ساحات الانقسام، وإعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل أحداث حزيران يونيو 2007، والدخول في حوار وطني مقدمةً لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعبر عن تطلّعات الشعب الفلسطيني. وكانت المبادرتان اليمنية والمصرية، فأيّدت"فتح"المبادرة اليمنية في حين تحفظت"حماس"على البند الأول منها، الداعي الى عودة الأوضاع في"غزّة"الى ما كانت عليه قبل انقلاب"حماس"على مؤسسات السلطة. أما المبادرة المصرية، فقد تلخصت في ما عرف بالورقة المصرية، وعارضتها"حماس"من خلال التحفظ على نقاط تتعلّق بالتهدئة ووقف العمليات العسكرية من دون التزام"إسرائيل"بوقف عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني. بقيت المبادرات العربية خارج دائرة التنفيذ فلسطينياً، ولم يتحقق النجاح لجهود المملكة العربية السعودية وقطر، من توظيف الواقع العربي الجديد لمصلحة المصالحة الفلسطينية، وتثبيت خيارات التسوية بين حركتي"فتح"و"حماس"لإعادة صياغة بنية السلطة الفلسطينية وفق مشروعية جديدة، يكون الإصلاح الشامل أحد شروطها الأساسية. لذا ارتبط الإصلاح الجدّي في النظام السياسي الفلسطيني بضرورة عودة الأطر الفلسطينية الى كنف السلطة الوطنية ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، عقب إنهاء حالة الشرذمة وإغلاق بيئات الجزر الأمنية، وبلوغ مرحلة من الوعي لإيجاد توافق داخلي بين مكونات النظام السياسي الفلسطيني، لأن في ذلك مساهمة فعّالة في إزالة العراقيل في طريق إصلاح المؤسسات الفلسطينية. وإذا كان الاتفاق على برنامج سياسي بين الفصائل الفلسطينية خطوة مهمة في تحقيق المصالحة الوطنية، كما يرى محمد عبدالله أبو مطر، وتكئة القوة الفعلية لتجاوز التحديات الضخمة الحائلة دون إنجاز الإصلاح في النظام السياسي الفلسطيني، فإن البرنامج السياسي نفسه مرتكِز على جملة مرتكزات تشكل استجابة واضحة لمؤسسات النظام السياسي وقواه الرئيسية، وقد بنى الكاتب منطق البرنامج السياسي على اجابة ملحّة فرضها التساؤل التالي: هل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية تشكلان جزءاً من حركة تحرر وطني، أم أنهما تمثلان مؤسسات لدولة قيد التكوين؟ إذا كانت الإجابة عن التساؤل هي أن منظمة التحرير والسلطة الوطنية تمثلان مؤسستين لدولة قيد التكوين، باعتبار أن التسوية عملية تدريجية انطلقت من إقامة سلطة حكم ذاتي فلسطينية معترف بها اقليمياً ودولياً، الى قيام دولة فلسطينية مستقلة، مع ما يتطلب ذلك من شروط، أهمها توافر الإرادة السياسية لدى إسرائيل في إنهاء الاحتلال لقيام هذه الدولة. هذه الإجابة تصطدم بتأزمات القضية الفلسطينية المتمثلة في استمرارية الاحتلال ومصادرة الأراضي، وإنشاء المزيد من بؤر الاستيطان، في ظلّ حصار وسياسة تعسفية تجاه السلطة والمجتمع الفلسطيني، ورفض سلطة الاحتلال دعوات دولية لإقامة الدولة الفلسطينية الى جانب الدولة الإسرائيلية. ويرى الكاتب أن المفاوضات المتوقفة بين الفلسطينيين والاسرائيليين نتيجة عدم جهوزية الطرف الإسرائيلي لتطبيق الاتفاقيات وتنفيذها، تساهم في شلّ السلطة وتأخير قيام الدولة، من هنا ليس من السهل الحكم بأن منظمة التحرير والسلطة الوطنية هما مؤسسات لدولة قيد التكوين، حيث مازال النظام السياسي الفلسطيني بمكوناته كافة، بمثابة حركة تحرر وطنية تسعى جاهدة الى انهاء الاحتلال والحصول على كامل الحقوق، واقامة الدولة المستقلة ذات السيادة. اسئلة الى الفصائل بناء عليه، يولي الكاتب أهمية للدعوة الى استمرار معركة التحرر من الاحتلال بواسطة تبني النظام السياسي الفلسطيني برنامجاً سياسياً مشترك واضحاً، تلتزم به جميع العائلات السياسية الفلسطينية. ويضيف الكاتب سؤالين الى السؤال الأول، وهما: هل يمتلك الفلسطينيون حرية تحديد أهداف هذا البرنامج السياسي وآلياته، أم أن هذه الأهداف والآليات محكومة بضرورة توافقها مع ما أقرّته الشرعية والقانون الدوليان؟ وهل يمكن اعتماد أي وسيلة للاتفاق على هذا البرنامج، أم أن الخصوصية الفلسطينية تقتضي اعتماد الحوار وتوسيع قاعدة المشاركة الجماعية، لبلورة إجماع فلسطيني على ذلك البرنامج، والدفع نحو الالتزام به؟ ثمة مرتكزات يشترطها الكاتب لقيام برنامج سياسي مشترك، سواء على مستوى أهداف البرنامج وآلياته، أو على مستوى الوسيلة التي يجب اعتمادها للاتفاق على هذا البرنامج وإمكانية تبنيه، وتتجلى هذه المرتكزات بمرتكزين أساسيين هما: - توافق أهداف وآليات البرنامج السياسي المشترك مع قرارات الشرعية الدولية، وقواعد القانون الدولي. - اعتماد الحوار، وتوسيع قاعدة المشاركة الجماعية في اقرار البرنامج السياسي. ويلاحظ توصل الفلسطينيين الى مقاربة إيجابية من صيغ هذين المرتكزين، إذ حظيت قرارات الشرعية الدولية بتأييد منظمة التحرير والسلطة الوطنية والفصائل الفلسطينية، الاّ أن آليات التنفيذ ساهمت في تفتيت التأييد، وقيام انقسام فلسطيني حاد، خصوصاً في موضوعات المقاومة وأساليب العمليات. فإذا كانت مقاومة الاحتلال حقاً شرعياً ومكفولاً بموجب القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، فإن ممارسة هذا الحق يجب أن تكون في نطاق ما يسمح به القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. ومع استمرار الحالة المجتزأة للوحدة الفلسطينية، وتباين الانقسام الحاد بين قواه الرئيسية، فإن التوصل الى برنامج سياسي مشترك أمر مرتبط بضرورة تشكيل قيادة سياسية موحدة تشارك فيها التشكيلات الفلسطينية كافة. على أن هذه القيادة لن تكون بديلة أو موازية للمؤسسات الفلسطينية، لا سيما منظمة التحرير الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني، وانما مجرد صيغة أو تدبير مؤقت أملته الظروف الفلسطينية الراهنة للخروج من أنفاق أزمة الانقسام السياسي، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من مدخلية الحوار بين السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، والقوى السياسية كافة، ووضع ميثاقية فلسطينية تحفظ القضية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني. لذا يرى الكاتب أن القيادة السياسية الفلسطينية الموحدة حاجة ملحة فرضتها ظروف وجملة متغيرات، لتحسين الأوضاع الفلسطينية، ومن دون توافر هذه القيادة لمرحلة حساسة من تاريخ الشعب، والقضية الفلسطينية، تصبح التفاهمات الفلسطينية المشتركة عناوين مفرّغة من عناصر التنفيذ، ومن ثم تبقى حركة التحرر الفلسطيني محل تنازع مراكز القوى المتعددة في الجسم الفلسطيني. وهذا ما يفضي الى استمرارية الأزمة والى تصدّعات أكثر سلبية في النظام السياسي الفلسطيني، والى المزيد من التراجعات الجذرية للقضية الفلسطينية على المستوى الدولي، وإضعاف الموقف الفلسطيني، وقوّة المقاومة في دائرة الصراع المركزي مع الاحتلال الإسرائيلي. نظام بلا هيمنة ويرى الكاتب أن قيام نظام سياسي فلسطيني ديموقراطي، أمر يتطلب إنهاء هيمنة تنظيم سياسي واحد على مؤسساته، وخصوصاً المؤسسات التمثيلية، كالمجلس الوطني، والمجلس التشريعي، والعمل على فك كماشة حركة"فتح"عن بنى السلطة الفلسطينية، ودعوة التنظيمات السياسية المعارضة الى المشاركة في المؤسسات. بعد أن أحجمت سابقاً عن المشاركة، تحت شعار أن الانخراط في السلطة إقرار باتفاق أوسلو. ومن ثم ألغت محظورها"الأوسلوي"، ودخلت انتخابات عام 2006 بناءً على ما تمّ الاتفاق عليه في القاهرة، في آذارمارس 2005. ويشير المؤلف الى أن انخراط المعارضة، خصوصاً"حماس"، في السلطة لم يساهم في إحداث تحول حماسي نحو سياسة أكثر واقعية بغية تعزيز امكانيات التقارب والحوار الموصل الى الانتشار الكامل في مؤسسات النظام السياسي، لا سيما في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تعزز مشاركة المعارضة والنتائج التي حصدتها إقناع"فتح"بمنطق الانتقال من وضعية الحركة الحاكمة الى منطق الحركة المعارضة احتراماً منها للإرادة الشعبية، ونتائج العملية الديموقراطية. هذا التمسك الفتحاوي بالسلطة ساهم في صورة الانقسام السياسي الحاصل، وفي اتساع الهوة الخلافية بين القوى الفلسطينية الوازنة في الساحة الفلسطينية. وللمّ الخلاف الفلسطيني ووضع حدّ جدي للانقسام، دعا الكاتب القيادة الفلسطينية ممثلة في رئاسة المنظمة والسلطة وقادة التنظيمات السياسية، الى الالتزام بالمبادئ الديموقراطية الناظمة للعلاقات الداخلية، والمساهمة في توسيع قاعدة المشاركة الفاعلة للأحزاب السياسية في مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني. * كاتب لبناني