الجولة الجديدة من المحادثات النووية بين ايران والمجموعة السداسية الغربية، المقررة في 13 الشهر الجاري تحتاج خطوات عملية لتعزيز الثقة بين الجانبين تمهيداً لانعقاد ثمارها من طريق إبراز المصالح المشتركة، ولو في"أدنى مستوياتها". والمصالح هذه وثيقة الصلة بالقضايا الامنية والسياسية الاقليمية. فالطريق المسدود الذي بلغته المفاوضات السابقة مرده الى تصورات الطرفين المختلفة في مناقشة القضايا المطروحة على بساط البحث. وسلطت مجموعة الدول الخمس زائد واحد الضوء على"جانب ضيق"من الملف النووي الايراني، والتزمت الموقف الاميركي الذي يدعو الى تعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم في الأراضي الإيرانية. والطلب هذا هو نقطة ضعف الجانب الايراني في المحادثات السابقة. وعلى خلاف المجموعة الدولية، نظرت ايران الى هذه المفاوضات من"جانبها الأوسع". فطلبت البحث في"الامن الجماعي"وتغليب كفة القضايا الاقليمية على غيرها من الملفات. فالقضايا الإقليمية هي من مصادر قوة الطرف الايراني الذي يتوسلها لإرساء نوع من التوازن السياسي. وعليه، أبرزَ الجانب الايراني في المفاوضات السابقة قضايا اقليمية، منها التعاون في حل الازمات الاقليمية، ومواجهة الارهاب والتطرف في المنطقة والعالم، ونزع السلاح النووي من الشرق الاوسط والعالم. لكن المحادثات المستدامة تفترض احتساب وجهتي نظر الجانبين من اجل بلوغ نوع من التوازن بين الطرفين. فالبرنامج النووي الإيراني، وهو يتجاوز الاطر القانونية والتقنية ويثير مخاوف الانتشار النووي كما تعتبر مجموعة الدول الخمس زائد واحد، لا ينفك من الملف الأمني الجماعي والقضايا السياسية في المنطقة. والحق ان تجاهل المفاوضين في المجموعة السداسية الوضع الجيو - استراتيجي والاقليمي للبرنامج النووي الايراني هو إهمال للواقع و"قفز"فوق مترتباته. والاهمال هذا أدى الى اخفاق المحادثات السابقة. وتجمع بين ايران والسداسية الغربية ثلاث مسائل إقليمية لا يستهان بأهميتها، إذ تؤثر في الأمن العالمي، وهي: - مشاركة حركة طالبان"المحدودة"في المفاوضات حول مستقبل افغانستان. والمفاوضات مع طالبان مشكلة تواجهها اطراف كثيرة، منها مجموعة الدول الخمس زائد واحد. وعلى رغم ان ايران تعاونت، في وقت أول، مع الولاياتالمتحدة لاسقاط حركة طالبان بسبب موقفها المعادي لإيران والشيعة، لا تعارض طهران اليوم مشاركة طالبان في الحكومة الأفغانية مشاركة محدودة من غير أن تؤدي دوراً اساسياً. وتُجمع المجموعة السداسية وإيران على عدم السماح بتوسل العناصر المتطرفة في باكستان لتعزيز دور طالبان في مستقبل افغانستان. - تبرز الحاجة الى تعاون دولي وإقليمي لحل الأزمة السورية التي تؤثر في وضع المنطقة كلها. وتدعو الصين وإيران وروسيا وتركيا الى"حل إقليمي"يستطيع تأمين مصالح دول المنطقة وليس المصالح الغربية. لكن المجموعة الغربية، الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، والدول العربية المحافظة وإسرائيل، تسعى الى إسقاط نظام الأسد وتأليف حكومة موالية للغرب في سورية. ويمكن التوصل الى حل وسط يضمن الحد الأدنى من المصالح المشتركة للطرفين: الضغط على النظام السوري لإجراء إصلاحات حقيقية وسريعة تحتسب المتغيرات الإقليمية، وعدم التدخل السياسي والعسكري في سورية. - نزع السلاح النووي في منطقة الشرق الاوسط. وهو موضوع يخدم مصالح الاطراف المفاوضة كلها. فهو ملف امني واقليمي يسع ايران مناقشته مع منافستها وعدوتها الولاياتالمتحدة. وهو موضوع استراتيجي يرتبط بالامن القومي الايراني. وحري بالمتفاوضين التوصل الى حل يراعي أدنى المصالح أو المصالح الاولية من اجل العمل للضغط على إسرائيل للخروج من سياسة"الغموض النووي"، وإدانة استخدام السلاح النووي، وحملها على توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي، ومباشرة تفكيك قدرتها النووية التسلحية. ويسود رأي مفاده ان ايران ستوافق على حل ملفها النووي، اذا استندت المفاوضات الى المصالح المشتركة. وعلى رغم أنها تتعرض ل"ضغوط"اقتصادية كبيرة، فإن موقع ايران جيو - استراتيجي، ويسعها أن تؤدي دوراً اقليمياً في تذليل المشكلات الاستراتيجية، ومنها البرنامج النووي، الى جانب القوى الغربية. ولا ريب في ان جعل الدول الغربية المفاوضات مقتصرة على مناقشة الملف النووي الإيراني هو مكمن الضعف في هذه المحادثات. فالمفاوضات الإيجابية هي تلك التي تحتسب العوامل الاستراتيجية والسياسية للبرنامج النووي الإيراني. لذا، آن أوان ان تسعى الدول الغربية الى مد جسور الثقة مع ايران وأن توسع جدول المفاوضات. * محلل، عن"شرق"الايرانية، 7/4/2012، اعداد محمد صالح صدقيان