إذا كانت أوروبا النقدية مقلقة، فأوروبا الصناعية جذابة. فمجموعة"تاتا كوميونيكيشن"تفكر في شراء شركة"كيبل اند وايرلس"البريطانية المقدرة قيمتها ببليون يورو. أما شركة"غريت وال"الصينية، المُصنّع الاول لعربات النقل الخفيفة عربات الخدمة، فقد فتحت مصنعا لتجميع السيارات في بلغاريا باستثمار يبلغ 97 مليون يورو، ولكن مع اعتزام الوصول الى بيع 50 الف عربة في أوروبا عام 2015. وثمة اشارة عميقة، خصصت"تشاينا انفستمنت كوربوريشن"، أي الصندوق السيادي الصيني، 30 بليون يورو لاستثمارات في أوروبا"المأزومة". موجة الاستثمارات الصينية والهندية هذه تطرح اسئلة لدى الرأي العام وصانعي القرار الاوروبيين: أي مصالح استراتيجية تمثل بالنسبة إلى الصناعة الأوروبية؟ ولا تخفي"تاتا"انها تريد الاستفادة من الأزمة في أوروبا فيما تبحث منافستها الهندية"أنفوسيس"المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات في فرنسا وألمانيا عن أصول ذات مؤهلات استثمارية طيبة...أي عن اصول فقدت قيمتها لأن نماذجها الاقتصادية على حافة الاختناق. النموذج الصيني الذي تتخذه"غريت وال"? العازمة على تجميع قطع صنعت في الصين، في بلغاريا- قد يرغم بعضهم على الاعتقاد أن المسألة بمثابة حصان طروادة يرمي الى الالتفاف على القيود الجمركية الأوروبية. بيد ان السؤال الحق الذي يتعين طرحه هو من طبيعة مختلفة: في أوروبا المأزومة التي ينفر الغربيون من الاستثمار فيها، هل يسمح وصول الاستثمارات الصينية والهندية بإنقاذ أو حتى بإيجاد فرص عمل في القارة القديمة؟ الأمثلة تتحدث عن نفسها. عام 2008 اشترت"تاتا موتورز""جاغوار- لاند روفر"بضخ الاموال اليها، وتزدهر اليوم هاتان العلامتان التجاريتان في حين ان شركة"ساب"السويدية التي لم يستطع الصينيون شراءها أقفلت. أما الاستثمارات المرفأية لشركة"كوسكو"تشاينا اوشن شيبنغ كومباني في اليونان فشهدت زيادة تصل الى 50 في المئة من الصادرات اليونانية نحو الصين خلال عامين. وتتمنى مجموعة صناعة السيارات"تشيري"اعادة فتح مصنع قديم لشركة"فيات"في صقلية مع شركة"دي آر موتور"الايطالية. وتخطط"غريت وال"لتأمين ألفي فرصة عمل في بلغاريا، لأن من يعمل لإيجاد أصول صناعية يوجد ايضاً فرص عمل. هل يكفي ذلك لاقناع الحكومات والرأي العام الاوروبي بفتح الأبواب لهؤلاء القادمين الجدد؟ ما من شيء أقل تأكيداً من هذا. فإذا رحبت بولندا وبلغاريا وجنوب ايطاليا بكل استثمار جديد، حتى إذا جاء من آسيا النائية، فإن قلب أوروبا الصناعي ما زال أشد خوفاً. بل حتى في شارع الاعمال في لندن السيتي، تريد"تاتا"التحالف مع أكبر شركات استثمار رؤوس الاموال لتقاسم الأخطار في"كيبل اند وايرلس"وطمأنة زبائنها في الحكومات. لا ينقص الوضع مفارقات: فالقوى الغربية التي وعظت طوال أعوام عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عن ضرورة فتح الدول الصاعدة أسواق رؤوس الأموال فيها امام المستثمرين الأجانب، تتعرض اليوم الى اتهامات الجهات الناهضة التي اغتنت، ان الغرب يقفل أبوابه! وطالما ان صندوق النقد والبنك الدوليين ما زالا في يد الغربيين، على الصينيين والهنود مضاعفة جهودهم في التواصل من أجل طمأنة صنّاع القرار والرأي العام في الغرب. وعلى هؤلاء المستثمرين من العالم الجديد اظهار ليس انهم قادرون على ايجاد فرص عمل على المدى القصير بل أيضا انهم يستثمرون على المدى الطويل ويتشاركون منظومة القيم ذاتها مع اوروبا العجوز. لسوء الحظ، اعلن مستثمر صيني كبير أخيراً ان"قوانين العمل في أوروبا تخطاها الزمن وتشجع على الكسل والخمول". الارجح ان أوروبا لن تنفتح مع هذا النوع من الحجج. * خبير اقتصادي، عن"لو موند"الفرنسية،20/3/2012 ، إعداد حسام عيتاني