اقتصر الشعار الذي رفعه المنتفضون السوريون قبل عام من الآن والذي أتى منسجماًومتطابقاً مع المزاج السياسي لدى كل المكونات السياسيّة والمجتمعيّة في الجُمَع الأولى من الثورة السوريّة على"سلميّة سلميّة.."، وفي الجُمعة الأولى من العام الثاني للثورة هتفت التظاهرات في طول سورية وعرضها بشعار"التدخل العسكري الفوري". يدل ذلك على أنّ العذاب الذي ذاقه الشعب وثواره كان كفيلاً بإحداث تطورات مهمّة ليس على صعيد رسم خطابات وسياسات المعارضة فحسب وإنّما في إحداث تغيير في ذهنيّة الشعب السوريّ ومقاربته لمفاهيم مثل الوطنية وغيرها. طيلة العقود المنصرمة، وقفت المعارضة السوريّة"المتواضعة"بإمكاناتها موقفاً معتدلاً واتخذت من النضال السلمي الديموقراطي عبر بيانات ونشرات حزبيّة وإقامة الندوات في الغرف الضيّقة منهجاً في الوقت الذي ما لبث وكان النظام لا يقصّر في كبح هذا النشاط المتواضع والذي لم يستطع أن يغير قيد أنملة من ثقافة تمجيد الأيديولوجية الشمولية، التي طغت على ثقافة النظام لمدة 49 سنة. في فترة ربيع دمشق ما بعد عام 2000 ارتفع صوت المعارضة وأيضاً عبر النشاط الإعلامي صدور بيانات وحملات تواقيع من قبل المثقفين والناشطين لكن بوتيرة متصاعدة الأمر الذي دفع بالمعارضة لتحسين أدائها من خلال خلق أطر ومؤسسات أمر واقع منظمات حقوقيّة، ومنتديات، وندوات واعتصامات ولقاءات تلفزيونيّة. هذا النشاط للمعارضة ساهم في لم شملها وإن كانت تنطلق من خلفيات ثقافيّة وسياسيّة وأثنيّة مختلفة في إطار"إعلان دمشق"الذي لم يتأخر في توضيح هدف المعارضة في التغيير الديموقراطي التدريجي. العامل الخارجي صار العامل الخارجي جزءاً من رسم السياسات الداخلية بعد 2005 وأخذ النظام كمصدر للضعف والقوة في علاقته مع المعارضة. فبعد أن حسّن النظام علاقته مع المجتمع الدولي لم يقف في حدود إدارة ظهره لوعوده بالإصلاحات التي كان قد أطلقها إنما تمادى في قمع المعارضة السلميّة، حتى وصل الأمر معه إلى زج غالبية النشطاء في السجن ما يؤشر بأنّ قوة النظام وضعفه مرهونان بمدى علاقة الخارج بالداخل. وصار للخارج قراءة خاصة لدى المعارضة السوريّة. وهنا نذكر ما قاله برهان غليون لكاتب هذه السطور قبل عامين في مقهى"الروضة"بدمشق:"النظام استعاد عافيته وفي حين كانت الدول تعارض سلوكه اليوم هذه الدول تحميه ولم يبق أمام المعارضة غير الحفاظ على السياق الذي رسمته والحفاظ على اللحمة الثقافيّة والسياسيّة بين مكوناتها"، وتابع"غسلنا أيدينا من تغيير النظام على الأقل في المدى المنظور وهذا ما يدفعنا لأن نحافظ على بعضنا بعضاً ونقرأ السياسات والثقافات من جديد". ويمكن الاستنتاج مما سبق: 1- إن العامل الخارجي كان حاضراً في مقاربة النظام مع المعارضة، وهذا ما دفع بالمعارضة لأن تستثمر في مقاربة العامل الخارجي مع النظام. 2- الذي دفع بالسوريين إلى تطوير معاني ودلالة شعاراتهم جُمعَة تلو جُمعَة، كان استجابة طبيعيّة للوقائع التي فرضها الثوار ونتيجة طبيعيّة لمواجهة النظام لحالة الانتفاضة. 3- بدا أنه ما لم يكن مقبولاً في ذهنيّة المنتفضين وكانت قطاعات واسعة من الشعب ترفضه، أي التدخل الخارجي، صار مطلباً ملحاً للمنتفضين. لا نستغرب أنّ أبناء"زمن الخوف"عندما اندلعت ثورتهم، لم يكن ببالهم أن يطالبوا ب?"التدخل الخارجي"إذ كان هذا الشعار حتى الأمس القريب مرفوضاً سياسياً وأخلاقياً ووطنياً، وهم يعرفون أن ثورتهم لم تندلع لتستبدل النظام القمعي باحتلال أجنبي، أن يطالبوا اليوم بهذا التدخل. فكرة التدخل العسكري إلا أنّه وبعد التحول في الخطاب السياسيّ ل?"أصدقاء الشعب السوري"تراءى للثوار بأنّ قبول فكرة"التدخل العسكري"صار قاب قوسين أو أدنى، وبدا أنّ الوضع السوري لم يعد يشكل خوفاً لدى أكثر من طرف دولي. هنا في سورية يقول الكثيرون إنّ الأوراق التي يمتلكها النظام في المحيط الإقليمي والتي كانت تشكل مانعاً لأي تدخل خارجي، لم تعد تؤخذ في الاعتبار لدى الكثير من الدول ذات الشأن في المسألة السوريّة، وإلا لماذا لم تستجب روسيا ل"نادي أصدقاء الشعب السوريّ"إذا كان هناك أوراق لدى النظام يستطيع فيها الدفاع عن نفسه دون حاجة إلى الفيتو الروسي المكلف؟ ثمّة من يرى أنّ روسيا ترفض التعاون مع مجلس الأمن لأنها تعرف بأنّه لم يبق شيء أمام المجتمع الدولي يمنعه من اتخاذ قرار التدخل، ولذلك تولت هي منع التدخل العسكري. وإلا ما معنى أن يكرر المسؤولون الروس في كل تصريحاتهم أنّ صدور القرار يعني"التدخل الخارجي"؟ ما يعني أنّ روسيا تشعر بأنّه ما كان يعيق التدخل لم يعد موجوداً. التعقيدات السوريّة والتي كانت صمام الأمان للنظام وصراع النفوذ بين القوى الإقليميّة لم تعد تؤخذ في الاعتبار لدى المنتفضين، منهم من يقول:"... عجزت تركيا عن التدخل المباشر في شؤون سورية بسبب خوفها من إيران لأنّ لإيران نفوذاً في داخل تركياوالعراق. وينظر البعض إلى أنّ لتركيا أيضاً أوراقاً لا تقل أهميّة عن أوراق إيران. لتركيا نفوذ في الأوساط الأذربيجانية الإيرانيّة، ولها نفوذ قوي في العراق، ولعل قضيّة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي أثبتت أنّ لتركيا دوراً موازياً لدور إيران في العراق". لكن إصرار النظام على الحلّ الأمني العسكري غيرّ ليس موازين القوى الشعبيّة فحسب إنّما مقاربة الشعب لثقافته الوطنيّة والأخلاقيّة والسياسيّة. فلم يعد المجتمع السوريّ، بعد عام كامل من التحدي يقرأ مصلحته الوطنيّة وثقافته السياسيّة بمقاربة قراءة النظام ومصلحته وثقافته. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة، ترى، إذا كان الشعب السوريّ وبمناداته بالسلميّة حصل على النتيجة الكارثيّة ومقدارها: أكثر من عشرة آلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من اللاجئين والمعتقلين وتدمير للأحياء في عدد من المدن الكبرى، فكيف إذاً سيكون حال الشعب ومطالبته الحثيثة ب"التدخل العسكري"في العام الثاني من الثورة. هل ستنهار سورية على أهلها؟ سؤال برسم النظام والمعارضة!