توسِّع الجريمة المنظمة نطاق أعمالها الى نشاطات اقتصادية عديدة بقيت الى وقت قريب في منأى منها، مثل تقليد السلع، الذي اقتصر في السابق على قطاعات محدودة، مثل الملابس وقطع السيارات. وأُطلقت أخيراً، من ال"يوروبول"والشرطة الأوروبية وعشر من دول الاتحاد الأوروبي والإنتربول جهاز يمثل شرطة 190 دولة، عمليةٌ لمكافحة التلاعب بالمواد الغذائية، فصودرت 70 طناً من الجبن تحمل اسم"ماركة"مزوَّراً، وآلاف الليترات من زيت الزيتون وصلصة الطماطم، و30 ألف قطعة حلوى، كلها سلع مزورة وتهدِّد السلامة العامة. وبعض النشاطات الإجرامية، مثل السطو، قد تغيَّرَ وجهُه أيضاً، فإلى وقت قريب، كانت هذه العمليات حكراً على جماعات منعزلة من المنحرفين، أما اليوم، فتُدرَج عمليات السطو في خانة الجريمة المنظمة، وتتولاها منظمات إجرامية دولية، على غرار المنظمة الجورجية، تَجمع في صفوفها سلاسل من فرق اللصوص. وباتت الجريمة المنظمة اليوم تصيب المواطن مباشرة، ففي الماضي، لم يكن هو هدفها المباشر، ولم تكن تهدِّد غيرَ قسم من المواطنين، متعاطي المخدرات أو زبائن سوق البغاء. لذا، لم تتصدر الجرائم المنظمة أولويات الدول لوقت طويل. قبل أعوام، بدأت شبكات الجريمة المنظمة تستهدف المواطنين مباشرة، وتعاظمت منذ عامين - مع تطور شبكة الإنترنت - وتيرةُ ترويجها السلع الغذائية والاستهلاكية الفاسدة والمزوَّرة. واتجهت الجماعات الإجرامية نحو تزوير السلع والتلاعب بها، بسبب طمعها بالأرباح الوفيرة من دون مواجهة عقوبات قضائية قاسية وصارمة، إذ تتلكأ الدول في إدراج تزوير السلع في صدارة سلم أولوياتها. وحين تلجأ السلطات الى وسائل صارمة لمكافحة الجرائم في قطاع ما، ينتقل المجرمون الى استهداف قطاع آخر، أو يعودون الى"مهنهم"التقليدية، تجارة المخدرات والبشر. العولمة كذلك ساهمت في تعاظم الجريمة المنظمة، فعلى سبيل المثال، وإثر ارتفاع المبادلات التجارية، أخذت السفن التجارية بنقل نحو 13 ألف مستوعب في النقلة الواحدة، ولو افترضنا نجاح الشرطة في تحديد مستوعب يحوي السلع المزورة وغير المشروعة، فهي قد تضطر لبلوغه الى نقل 3 آلاف مستوعب من مكانها تقريباً، ومثل هذه العملية يستنفد الوقت وكلفته المالية كبيرة. والعولمة تحمل إلى أوروبا أيضاً موجات جديدة من المجرمين. ففي الأعوام الأخيرة، بدأت عصابات من الغرب تنشط في أوروبا، ورصدنا تعاظم نفوذ كارتيلات المخدرات المكسيكية وتربُّعها محل الكارتيلات الكولومبية. والمنظمات الإجرامية تستهدف أوروبا الغربية، وتتولى"يوروبول"رصد هذه الظاهرة الجديدة ومتابعتها، وحين ترصد دولة ما ضرباً جديداً من النشاطات الإجرامية تقوم بتبليغ الدول الأخرى، لتُعِدّ العدة لمواجهتها. واليوم، تضطر الشرطة الى التعاون مع القطاع الخاص، للاستفادة من خبرات خبراء التقنية في القطاعات المالية والبيئية وقطاعات السلامة العامة والتكنولوجيا والسلامة الغذائية. الجريمة المنظمة اليوم تُلِمّ بأصول التكنولوجيا الحديثة، وأهدافها متنوعة ومتعددة، وتستغل ثغراتٍ تفرِّق النشاطات المشروعة عن تلك غير المشروعة. والمجموعات هذه غير متجانسة الجنسية أو العرقية، فالمجموعة الواحدة تجمع المجرمين على اختلاف منابتهم الجغرافية والعرقية. * مدير الشؤون التنفيذية في"يوروبول"، عن"لوبوان"الفرنسية، 1/3/2012، إعداد م. ن.