يُنظر إلى البلاجكة على أنّهم صعايدة أوروبّا .. ويُنظر في المغرب إلى إيريك غيرتس على أنّه الشاطر حسن في بلاد الحسن .. فالرجل، كما هي الحال، أوْهمَ المغاربة على أنّه سيأتيهم بما افتقدوه من ألقاب في أيّام معدودة، وهزم الجزائر برباعية تاريخية، فانطلت الحيلة على من رأى رفاق خرجة يبدعون في أوّل خرجة .. واطمأنّ المغاربة إلى أنّ أسود الأطلس عائدون بقوة، وأدركوا أن الخطأ لم يكن في اللاعبين، إنّما في المدرّبين الذين أشرفوا على المنتخب، وتسبّبوا في انهياره، وخروجه المبكّر من تصفيات المونديالات السابقة وكأس أمم أفريقيا، وتراجع ترتيبه في سلّم الفيفا.. جاء غيرتس بعد تجربة قوية وناجحة مع مارسيليا الفرنسي والهلال السعودي، وقاد الأسود إلى انتصارات متلاحقة في تصفيات أمم أفريقيا 2012 ليتأهّلوا بعد غياب.. ولم يختلف اثنان في المغرب حول البلجيكي ذي الكاريزما التي تمنح منتخباً له تقاليده في المشاركة الدولية قيمة مضافة.. ولم يسألوا، حينذاك، عن قيمة الأجر الذي يتقاضاه، طالما هناك نتائج مبهرة، فلو قيل للناس إن صاحب الشعر الأبيض يقبض مليون دولار للشهر ما اعترضوا.. ووعد غيرتس المغاربة بأنّه لن يعود من المولد الأفريقي إلا بالكأس، غير أنّ الفأس وقعت في الرأس .. ولم يعد من حديث للشارع المغربي، ونواب البرلمان الجيد سوى"كم يقبض البلجيكي؟"وبدأت كرة الثلج تكبر، ولا أحد يجرؤ على كشف الراتب .. لأنّ غيرتس، وهو البلجيكي المتّهم بالسذاجة، كان الأذكى بين الجميع، إذ وضع بنداً في عقده يفرض الإبقاء على سريّة الراتب الذي يتقاضاه، مما جعل ابن كيران ووزيره ورئيس الاتحاد عاجزون عن التصريح بالمبلغ، بينما يزداد الشارع غلياناً، لأنه يعتقد أنّ غيرتس نَصَبَ على المغاربة، وأوهمهم بما لا يقدر عليه، أو أنّه باعهم جلد دبّ لم يشاهدوه أصلاً.. وصار الجميع إزاء مشهد مسرحي يمكن أن يُطلق عليه"البلاجكة وصلوا..". قد يغضب الجمهور المغربي من أداء منتخب بلاده، ويثور على مدرّب لم يف بالتزامه، ولكن ماذا يفيد البحث في مبلغ يأخذه مدرّب في مقابل بناء فريق.. وأنا لا أدافع عن غيرتس، فهو المطالب بالدفاع عن نفسه وردّ تهمة الفشل الموّجهة إليه، ولكنني أقول صادقاً، وأنا الجزائري الذي شعرت بالألم لهزيمة محاربي الصحراء أمام أسود الأطلس، أنّ رفاق الشماخ سيكونون رقماً في معادلة الكرة الأفريقية والعالمية، إنّما هذا مشروط بالصّبر، وعدم استعجال النتيجة في السنة الأولى، والخروج المبكر من أمم أفريقيا ليس نهاية العالم، ولا يعني انقراض الكرة، إنّما هو رهان اعتقد غيرتس بأنّه سيكسبه لثقته في المجموعة الرائعة التي يقودها، لكنّها انتهت بخيبة أمل، ومرارة تجرعها شعب يحبّ الكرة، وقدّم للعرب والأفارقة نجوماً تاريخيين أمثال فراس والتيمومي وبادو وكريمو وبودربالة.. إنّ الموقف يبدو قاسياً على الجميع، فغيرتس مدرّب ناجح، وإن امتدّ إليه بعض الغرور، عندما رأى منتخباً قادراً على العودة سريعاً للمشهد العالمي، واللاعبون ينشطون في أكبر أندية العالم، والجمهور يقف وراءهم، سنداً قويّاً، والصحافة المغربية هلّلت وصفّقت في ملعب محمد الخامس، لكنّها أدارت ظهرها في ليبرفيل.. والبرلمان وجد نفسه في أول امتحان يبحث عن أجرة مدرّب ؟.. إنّه المشهد الذي لا يعكس إمكانات المغرب الحقيقية في مشهد الكرة. وعلى رغم أنّ وضع شرط عدم البوح بما يتقاضاه غيرتس وحده يكشف أنّ الراتب يكون تجاوز سقف ما يمكن للمغاربة توقّعه، وإلاّ ما اعتبر هذا من أسرار الدولة .. إنّما هي حقوق اللاعبين والمدربين في عالم الاحتراف، فهناك مدرّبون يتقاضون من أندية وليس منتخبات أضعاف ما يأخذه غيرتس من الخزانة المغربية.. ولكن ما فائدة الضرب بعد كسر الجرّة؟ ثم إذا كان المغاربة غاضبين من هذا البلجيكي الذي أخذ مالهم وصادر أحلامهم، لماذا لم ينظروا إلى جيرانهم في الجزائر، جرّبوا ثلاثة مدربين بلاجكة في أشهر معدودة فباؤوا بخسران مبين، وبإفلاس في الجيب والكرة مجتمعين. [email protected]