باستطاعة الصين بث صدمات اقتصادية حقيقية على نطاق واسع، سواء نشأت هذه الصدمات من الداخل الصيني أو من مناطق أخرى في العالم، فانخفاض أسعار خام الحديد أخيراً، مثلاً، إلى تباطؤ مبيعات معدات الحفر والمنتجات الفخمة أشعر الجميع في العالم بتراجع النمو الاقتصادي للصين. فالصين أصبحت مندمجة إلى حد كبير في الاقتصاد العالمي، فحتى التغييرات التي لا أهمية كبيرة لها نسبياً في إنتاجها المحلي أو في إنفاقها، بات لها تأثير كبير في باقي دول العالم. تنشر بكين أرقاماً اقتصادية تظهر بطء نمو الاقتصاد للفصل السابع على التوالي، ويتوقع كثر نمواً أقل يبلغ 7.5 في المئة لعام 2012 بأكمله. وعلى رغم بقاء نمو اقتصادها سريعاً وفق معايير الدول الأكثر تطوراً، فهو يظهر تراجعاً ملحوظاً إذا تذكرنا أنه نما 12 في المئة سنوياً قبل سنوات. ويؤثر نمو اقتصاد الصين في مجموعة متنوعة من الصناعات والشركاء التجاريين بدرجات متفاوتة. وفي الأشهر الأخيرة، أصبحت توقعاتها الاقتصادية مثيرة لقلق المستثمرين تماماً مثل القلق الذي تثيره أوروبا الواقعة في أزمة والولايات المتحدة المثقل اقتصادها. ونظراً إلى سرعة سيطرة الصين على الكثير من أسواق السلع العالمية، خصوصاً في العقد الماضي، كانت هذه الأخيرة الضحية الأكبر لهذه السيطرة. وعلى صعيد الإحصاءات، تنتج الصين اليوم من الفولاذ سبعة أضعاف ما تنتجه بريطانيا والولايات المتحدة مجتمعتين، وتمثّل تقريباً نصف المخرجات العالمية من هذا المعدن. وارتفعت حصة البلد من الواردات العالمية من خام الحديد، وهو عنصر مهم في صناعة الفولاذ، من أقل من 10 في المئة في أواخر التسعينات إلى نحو 65 في المئة اليوم. لكن، رداً على الطلب المتراجع من الصين، انخفضت أسعار السلع مثل خام الحديد والنحاس والفحم في شكل كبير. وبدأ ذلك يؤثر في اقتصادات أستراليا والبرازيل وإندونيسيا وبلدان أفريقيّة وبلدان مصدرة أخرى كثيرة. وقد تنخفض أسعار خام الحديد والسلع الأخرى في المدى البعيد إلى مستويات أقل من مستوياتها الحالية إذ يتوقع أن تبلغ أسعار خام الحديد 70 دولاراً في 2015 بدلاً من 150 دولاراً اليوم. إن الصين دولة تزداد أهمية أكثر فأكثر بالنسبة إلى مجموعة كبيرة من الصناعات الأخرى وللمصدّرين أيضاً. ويؤكد صندوق النقد الدولي أن الصين اليوم هي الشريك التجاري الأول أو الثاني لنحو 78 دولة، أي أنها تمثل 55 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، علماً أنها كانت عام 2000، الشريك التجاري الأول أو الثاني لنحو 13 دولة، ومثلت 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. أما تراجع نمو اقتصاد الصين فكان حتى اليوم تراجعاً تدريجاً، لكن هبوط الاستثمار وانخفاض الإنفاق على البنية التحتية أثر في الطلب على أنواع كثيرة من معدات البناء والسلع الرأسمالية التي هي نقاط قوة لدى الدول المنتجة مثل اليابان وألمانيا. أما المواد الاستهلاكية على غرار الأدوات الإلكترونية والسلع الفخمة، فلم تتأثر سلباً بهبوط النمو، لكن بعض العلامات التجارية الأضعف أخذت نصيها من التراجع في المبيعات. إن الاندماج السريع الذي جعل الصين محركاً للاقتصاد العالمي يعني أيضاً أن التدهور في وتيرة النمو سيكون له أثر كبير في الاقتصاد العالمي. ومن المفارقة أن العالم لم يكن يلتفت كثيراً عندما كانت تحصل كوارث في الصين قبل أكثر من عقدين، أما اليوم، فعندما ينخفض معدل نمو الاقتصاد الصيني، فينتبه العالم بأسره. * كاتب مختص في الشؤون الاقتصادية - بيروت