الموضة، الديكور، السيارات، المطبخ... مجالاتٌ مختلفة يجمعها نوعٌ واحد من المجلات هي المختصّة في أسلوب الحياة لايف ستايل التي نالت شهرة واسعة في كثير من الدول الغربية، وتحديداً الولاياتالمتحدة حيث أصبح هناك اليوم أكثر من 50 مجلّة تتوجّه إلى قرائها بمواضيع مرتبطة بأنماط حياتهم وطرق عيشهم واستهلاكهم السلع... والخدمات. وخلال السنوات الأخيرة، بدأت هذه الظاهرة تتشكّل في لبنان الذي طالما كان الإعلام المطبوع فيه مرتكزاً على الصحف والمجلات السياسية والاجتماعية والفنيّة. فعلى رغم كلّ الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون، تجد المجلات المختصّة في أسلوب الحياة سوقاً جيّدة لها لتتوجّه إلى مختلف فئات المجتمع التي يهمّها معرفة أفضل الخيارات من ناحية الأزياء التي يجب ارتداؤها والمطاعم التي تستحقّ الزيارة ومختلف المجالات الأخرى التي تتصّل بالترفيه ومواكبة الصيحات العالمية. ولا يُخفى التناقض بين الواقع الاقتصاديّ للبنانيين واتجاهات هذه المجلات التي ترتكز على أسلوب الحياة المريح والملائم لذوي الدخل المتوسط وأكثر لا أقلّ من ذلك أبداً."الحياة"حاولت استكشاف هذه الظاهرة على الصعيد اللبنانيّ لتحديد إمكانات نجاح هذه الفئة من المجلات واستمرارها، على رغم الواقع الذي يتأزم في كثير من الأحيان مانعاً المواطنين من تأمين لقمة عيشهم حتّى. طلبٌ لا يتأثر بالأزمات مجلّة"تايم آوت بيروت"كانت من أولى المجلات التي تخترق السوق اللبنانيّة عام 2005، لتكون دليلاً للرجال كما النساء ومن مختلف الفئات العمرية حول النشاطات المختلفة التي يمكن أن يؤدوها على صعيد التسوّق، الاستجمام، ارتياد المطاعم والمقاهي... وصولاً إلى النشاطات الثقافية والفنيّة. وعلى رغم توقّفها لأسباب قسرية مدّة سنتين عن العمل بين عامي 2006 و2008، فإنها تبيع اليوم أكثر من 15000 نسخة شهرياً، وفق مديرة الإعلام الرقميّ في"تايم آوت"لمى حيدر التي تحدّثت إلى صحيفة"الحياة"حول أسباب نجاح المجلّة في السوق المحلية. وتقول حيدر إنّ المفتاح الأساس ل"تايم آوت"هو الكتابة عن النشاطات التي ستحدث بدلاً من الكتابة عمّا حدث سابقاً، وبالتالي تكون المجلة بمثابة دليل للقرّاء الذين يحدّدون خياراتهم في مختلف المجالات من خلال المقالات التي يكتبها صحافيو المجلة، وهي غالباً ما تحمل جانباً نقدياً للأمكنة والنشاطات التي يقصدونها. وعلى رغم أنّ المجلّة ترتكز في مداخيلها على الإعلانات، تؤكد حيدر أنّ لا تأثير لذلك في الكتّاب وخياراتهم، حتّى إنّ بعض الكتابات النقدية تزعج المعلنين، لكنّ المجلّة مستمرّة في نمط كتابتها. أمّا من ناحية تأثر الطلب على المجلّة في السوق اللبنانية بالأزمات الأمنية والاقتصادية، فتؤكد حيدر أنّ كلّ ما يمرّ به لبنان لا يؤثر سلباً في مبيعات المجلّة والطلب يبقى عالياً باستثناء الظروف القاسية جداً مثل الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز يوليو 2006. وهذا ما يؤكد أنّ اللبنانيين يتّجهون نحو النشاطات الترفيهية في أصعب الظروف، تماماً كما أشارت نتائج استطلاع ل"ماستر كارد"في كانون الأول ديسمبر 2011 عن مستوى إقبال اللبنانيين على المطاعم والترفيه، إذ تبيّن أنّ اللبنانيين ينفقون 14 في المئة من دخلهم الشهريّ الشخصيّ على الترفيه، كما يبلغ متوسّط الإنفاق الشهريّ للمستهلكين على تناول الوجبات في المطاعم 105 دولارات أميركيّة. اهتمام متزايد بمجلات الرفاهية أسلوب الحياة المرفّه يرتبط مباشرة أيضاً بالموضة والمجوهرات والجمال والصحّة والمناسبات الاجتماعية. وهذا هو المضمون الذي تتخصّص به مجلّة"يو"U التي انطلقت في الأسواق اللبنانية خلال العام 2010، وتبيع اليوم نحو 8000 نسخة شهرياً، يُوزّع 2000 نسخة منها في المكتبات فيما النسخ الأخرى توزّع على الفنادق والمنتجعات والبوتيكات... إضافة إلى المشتركين. ويلفت المدير الإداريّ للمجلّة برنار حاتم إلى أنّ النساء اللبنانيات أظهرن اهتماماً كبيراً بمضمون المجلّة ونوعيتها والصور التي تتضمّنها. ولجذب عدد أكبر من القرّاء، توسّع محتوى المجلة ليطاول حتّى الطالبات الجامعيات والنساء العاملات من مختلف الأعمار. أمّا من ناحية ملاءمة المجلّة للنساء اللبنانيات من كل الطبقات الاقتصادية، فيرى حاتم أنّ"يو"تناسب النساء اللواتي يملكن دخلاً عالياً أو متوسطاً، وذلك لأنّ اختيار السلع والخدمات يتمّ عبر التركيز على الماركات ذات الكلفة الوسطية أو تلك الخاصة بالنساء ذوات القدرة الشرائية العالية. لكنّ حاتم يؤكد أنّ المجلات المختصّة في أسلوب الحياة، وتحديداً في مجال الموضة، تلعب دوراً أساسياً في حياة النساء اللبنانيات، وبالتالي هناك اهتمام متزايد بهذا النوع من المطبوعات. والسؤال الأساس الذي يُطرح في هذا المجال هو هل استطاعت فعلاً المجلات المختصّة في أسلوب الحياة سرقة الأضواء من الفئات الأخرى من المجلات في لبنان؟ وفي هذا المجال يعتبر حاتم أنّ اللبنانيين يطلبون اليوم المجلات المختصّة أكثر ويريدون المضمون الذي يقدّم لهم ما يحتاجونه مباشرة من دون الحاجة إلى المرور بقضايا أخرى مثل السياسة وحياة المشاهير والفنّانين. لكن حاتم مقتنع بأن في لبنان دائماً قرّاء ملتزمين سياسياً وسيلجأون إلى المطبوعات السياسية، لكنّ هدف مجلّة"يو"تقديم مصدر بديل لتلك المجلات من خلال التركيز على الحياة المريحة ضمن إطار معرفيّ يرتكز على الإبداع والابتكار. تأمين حاجات السوق من عالم الموضة إلى الهندسة الداخلية والتصميم والفنّ وأسلوب الحياة المُترف الذي يولي أهمية كبيرة للجمال ومكامنه، تبرز مجلّة"كورف"Curve التي صدر عددها الأول في نيسان أبريل - أيار مايو 2011، وهي تتوجّه إلى اللبنانيين ذوي الأذواق الراقية في المجال الفنيّ تحديداً بما يشمله من أثاث ولوحات ومنحوتات وزخرفات وحتّى فنّ التصوير. وربما يكون نجاح مثل هذه المجلّة في السوق اللبنانية صعباً بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تمنع الكثير من المواطنين من توجيه أنظارهم نحو المجالات الفنيّة والثقافية، إلا أنّ رئيسة التحرير التنفيذية للمجلّة نادين فارس كحيل تشير إلى أنّ فكرة المجلّة بدأت تتطوّر حين لاحظ مؤسسها راني أوهانيسيان أنّ هناك فجوة في السوق اللبنانية من ناحية الحاجة إلى مجلّة جديدة وحصرية تركّز على مواضيع التصميم من ناحية المضمون والصور والمعايير العالية في الطباعة. وتُعد المجلّة اليوم جزءاً من أسرة شركةMantra Communication التي تمثّل الكثير من المجلات والإذاعات والمحطّات التلفزيونية في لبنان. وعلى رغم أنّ مجلّة"كورف"ما زالت حديثة العهد، فإن كحيل تؤكد أنّ نتائج المبيعات جيّدة ومفاجئة من الناحية الإيجابية، ما يساعد القائمين عليها على تطوير أفكارها ووضع مشاريع أكبر في كلّ عام. تصف كحيل المستهلك اللبنانيّ للمجلات بأنّه مثقّف ويحبّ السفر ويتمتع بذوق راقٍ، كما يتطلّع إلى مضمون مهمّ لا يقلّل من مستوى ذكائه. وتأتي مجلّة"كورف"لتقدّم هذا المضمون تحديداً، إضافة إلى الصور ذات النوعية الممتازة والاحترام لأعلى معايير الطباعة. لكنّ كحيل لا ترى أنّ المجلات المختصّة في أسلوب الحياة تنافس أو تحل محلّ المجلات الاجتماعية والسياسية والفنيّة، ولكنّها تؤمن حاجة السوق المحلية التي تفتقد هذا النوع من المجلات ذات التوّجه اللبنانيّ. كما تشدّد كحيل على أنّ الإعلانات كفيلة بتأمين استمرارية هذه الفئة من المجلات، طالما أنها تقدم نوعية جيدة، ما يعني أنّ نتائج المبيعات ستكون إيجابية. وإذا كانت المجلات التي تُعنى بأساليب الحياة بدأت تطبع السوق اللبنانية بصبغتها، فإنها تحمل ضمن صفحاتها تساؤلات كثيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وأولها هل ستعزّز النزعة الاستهلاكية لدى اللبنانيين وتدفعهم إلى تخطّي قدراتهم المالية لمحاكاة النماذج التي يجرى التسويق لها على مختلف الصعد. ولما كانت هذه المجلات تتوجّه إلى"النخبة"في المجتمع اللبنانيّ... فإنه يمكن فهم إطار موادها التحريرية، لكنّ توسيع نطاق توزيع هذه الفئة من المجلات يستلزم حتماً أن تتكلّم عن أكثر من أسلوب حياة، وليس عن نموذج واحد يجد فيه الكثير من اللبنانيين مجرّد حلم صعب المنال.