سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فدائيون شاركوا في عمليات قتالية وكتاب ناصروا القضية وناشطون ضد الجدار والحصارپ. التضامن الإنساني والثقافي العالمي مع فلسطين ... منذ الكفاح المسلح إلى مقتل أريغوني
الموت في سبيل فلسطين"عنوان كتاب صدر بعد موت كاتبته، الفرنسية فرونسواز كيستمان عن 34 سنة في 1984 في عملية فدائية، في قارب أبحرت فيه من لبنان مع أربعة فلسطينيين، واشتبكت معهم قوة إسرائيلية. يضم الكتاب يوميات وشهادات لها في أثناء عملها ممرضةً بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. أصدره زوجها، ونشر بالعربية بترجمة المغربي عبدالرحيم حزل في العام 2000، ويتعرف فيه قارئه الى معايشة امرأة غربية قضية فلسطين، تطلعت إلى عملية فدائية تشارك فيها، لتؤكد نصرتها شعب هذه القضية. حدث ذلك إبان الكفاح الفلسطيني لما كان مسلحاً، قبل أن ينعطف إلى مساراته المعلومة لاحقاً، وبات فيها التضامن الإنساني والإعلامي يتوسله الفلسطينيون في سعيهم إلى تحقيق تطلعاتهم الوطنية. يتقاطر إليهم في أرضهم أجانب مسالمون، يهجسون بالمشترك الإنساني مع قضيتهم، فيعينون أهل قطاع غزة ضد الحصار، ويشتركون في مسيرات مناهضة للجدار العنصري والممارسات الإسرائيلية. وتقصير الإعلام العربي فادح في التعريف بهم وبمصاعب وصولهم إلى فلسطين، فلم يكن ميسوراً أن يشتهر شيء فيه عن جهد استثنائي كان ينشط به الإيطالي فيتوريو أريغوني 36 سنة بين أهالي غزة، لولا ارتكاب فلسطينيين وأردني، نشر أنهم سلفيون، جريمة قتله الشنيعة فجر الخامس عشر من الشهر الجاري. قدم إلى القطاع مع 44 ناشطاً أوروبياً وأميركياً وإسرائيلياً أيضاً في آب أغسطس 2008، جاؤوا ومعهم أطراف اصطناعية وسماعات للأذن وبالونات للأطفال. بقي في غزة تاركاً في بلاده والدته ووالده المريض بالسرطان. وفي أثناء حرب نهاية 2008، كان يرافق سيارات الإسعاف لإنقاذ الأهالي، وأصيب في إحدى الغارات. وكان، حتى اختطافه ثم قتله، يرافق الصيادين والمزارعين الغزيين لحمايتهم من الاعتداءات الإسرائيلية، وذاعت صور له وهو يحمل أدويةً وإسعافات في مدن القطاع ومخيماته. وظل ينشر تقارير صحافيةً عن معاناة الفلسطينيين، تسببت بتهديده بالقتل، قبل عامين، من موقع إلكتروني أميركي يميني متطرف. قضى أريغوني في جريمة قد تستخدمها إسرائيل في التأثير على عديدين في العالم يناصرون شعب فلسطين سلماً، وهي التي نجحت في إشاحة الأنظار عن جرائم قتلها عدداً منهم، وتحايلت على دعاوى قانونية بصددها، من المهم أن تحمى أسماءهم من النسيان. ثمة الطبيب الألماني هارولد فيشر 65 سنة الذي استقر في فلسطين منذ 1981، وتزوج فلسطينية. وفي بيت جالا التي سكن فيها، خرج، في أحد أيام تشرين الثاني نوفمبر 2000، من منزله لإسعاف فلسطينيين أصيبوا في قصف إسرائيلي، فأودت بحياته قذيفة. وهناك البريطاني إيان هوك 54 سنة الذي أشرف على مشروع"أونروا"لإعادة إعمار مخيم جنين، قتله قناص إسرائيلي في تشرين الثاني 2002، عمداً بحسب لجنة تحقيق بريطانية، بينما كان يرفع علم الأممالمتحدة. وقتلت رصاصة إسرائيلية مواطنه توم هورندال 22 سنة، بينما كان في أحد أيام نيسان إبريل 2003 يساعد أطفالاً فلسطينيين على عبور شارع في رفح، وكان يرتدي سترةً برتقاليةً لامعةً للتدليل على نشاطه الإنساني. وبينما كان البريطاني الآخر جيمس ميللر 35 سنة يعد فيلماً تلفزيونياً عن تأثير العنف الإسرائيلي على الأطفال الفلسطينيين، ويصور تدمير منزل في رفح، في أيار مايو 2003، صوب إليه جندي إسرائيلي رصاصةً قاتلةً. وسبقه المصور الإيطالي رفائيل تشيرللو 42 سنة في آذار 2002، لما فتح عليه جنود إسرائيليون النار، بينما كان يلتقط صوراً لعدوانهم في رام الله. أما الأميركية ريتشيل كوري 23 سنة فحطم سائق جرافة إسرائيلية جمجمتها وأطرافها، لما حاولت في آذار 2003 منع هدمه منزل أسرة فلسطينية في مخيم رفح. وتركت يوميات شديدة الحرارة دونتها، تم استيحاء مسرحية عنها عرضت في نيويورك ولندن، تؤشر إلى دفء العيش مع الفلسطينيين وسط حياة دمرها الاحتلال القاسي. وكانت قد قدمت إليهم مع سبعة ناشطين أميركيين وأوروبيين، بينهم الإيطالية جوليا باليكو 23 سنة التي قالت إنه عار أن يغلق أحد عينيه فيما ترتكب إسرائيل جرائمها ضد الفلسطينيين الذين تشعر عندما تكون مع أي عائلة منهم وكأنها في أحضان عائلتها. يحضر هذا الارتباط العاطفي تجاه الفلسطينيين لدى فيتوري أليغوري الذي انفرد من بين كل الضحايا من مناصري فلسطين، منذ طور الكفاح المسلح، بأن يكون مقتله بأيد فلسطينية آثمة. وتشف عن هذا الارتباط مبادرة البريطانية آنا ويكس 38 سنة عندما تبرعت، قبل أربع سنوات، بكليتها لطفلة فلسطينية، تعرفت إلى أسرتها في واحدة من التظاهرات ضد الجدار الإسرائيلي. اعتقلتها سلطات الاحتلال ورحلتها، ثم عادت بعد صعوبات، وقدمت كليتها للطفلة، وكان برفقتها خطيبها الذي تزوجته في حفلة فلسطينية. ولون آخر من هذا التعاطف يتبدى في زواج الأميركية إيميلي واشمان 28 سنة من فلسطيني من بلدة دير الغصون، عرفته في الاحتجاجات ضد الجدار. على غير وسائل هؤلاء، كانت خيارات ثوار انتسبوا إلى الحركة الفدائية الفلسطينية، في سنوات كان فيها شغف عالمي بالفلسطينيين يأخذ شباناً إلى مشاركات في عمليات مسلحة معهم، كما فرونسواز كيستمان، أو القيام بها منفردين، كما العملية الجسورة في مطار اللد في أيار 1972 وقتل فيها 26 إسرائيلياً وأصيب 80، وقام بها اليابانيون، تسويوشي أوكادايرا وياسويوكي ياسودا اللذان قضيا في العملية وكوزو أوكاموتو الذي تم أسره، أعطوا أنفسهم اسم مجموعة باتريك أوغريللو، النيكاراغوي الذي شارك ليلى خالد في محاولة خطف طائرة إسرائيلية، وقتل في الجو، في أيلول 1970. قتل النيكاراغواي في محاولة تحرير طائرة شارك في اختطافها في الجو، أما التركيان إبراهيم بلغين 61 سنة وفرقان دوغان 19 سنة وسبعة زملاء لهما فقد قضوا في البحر، في الاعتداء الإسرائيلي على سفينة لأسطول الحرية. كانوا على متنها مع متضامنين آخرين، يحملون إلى قطاع غزة مساعدات إنسانيةً وطبيةً، غير أن قوة كوماندوز إسرائيلية هاجمتهم في عدوان لم تكترث تل أبيب بعده لغضب تركيا. ومن المفارقات المفجعة في جريمة قتل فيتوري أريغوني أن مرتكبيها اقترفوها مع اقتراب الذكرى الأولى للعدوان، والذي تجري ترتيبات لإحيائها بتسيير"أسطول الحرية 2"إلى غزة، وسيضم 15 سفينةً تنقل ناشطين من 50 دولة. أفيد بأن والدة أريغوني ستكون منهم، وقد قالت إن مشاركتها في إعانة الفلسطينيين المحاصرين ستكون لترى غزة التي آمن نجلها بها، ولتقابل أهلها الطيبين الذين حدثها عنهم، ولتؤكد أن مسيرته ستتواصل، وأن أصدقاء له سيكملون مشواره. على متن السفينة، كان الروائي السويدي هيننغ مانكل 63 سنة الذي زار فلسطينمرات، وشبه ممارسات إسرائيل فيها بسياسة التمييز العنصري سابقاً في جنوب إفريقيا التي زارها في تلك المرحلة. ويعد هذا الكاتب صوتاً مهماً في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وصرح إن إسرائيل تمارس الفصل العنصري، وترتكب بحق الفلسطينيين سياسةً وحشيةً، وأعلن أنه فيما يتم تصنيفه في إسرائيل كاتب روائع، مع ذلك، يفكر في إيقاف ترجمات رواياته إلى العبرية. ويرى مانكل في السفر إلى غزة لكسر الحصار على أهلها مزاولةً لإنسانيته التي جعلته، سابقاً، يتبرع لبناء قرىً للأيتام في موزمبيق. وقال الكاتب والموسيقي السويدي درور فيلر، وكان على السفينة نفسها، إنه وزملاءه يقومون بنشاطهم من أجل الإنسانية، ولمساعدة أهل غزة على البقاء أحياء، وهم الذين صدمت معاناتهم الإيرلندية الحائزة جائزة نوبل للسلام، ميريد ماغواير، في زياراتها لهم، فكانت على متن أسطول الحرية. نزعة التضامن نفسها، تحلى بها كتاب وفنانون فرنسيون طلبوا من رئيس بلادهم نيكولا ساركوزي إرسال سفينة مستشفى إلى شاطئ غزة لمعالجة الجرحى الفلسطينيين، ولم يستجب، وهم ريمون أوبراك وجيل بيرو ومونيك شومنليه وريجيس دوبريه وروني برومان وميري مندس فانون ابنة فرانز فانون، وذلك قبل شهور من حرب إسرائيل على قطاع غزة، والتي أشهر، في أثنائها، أدباء إدانتهم لها، منهم اليوناني ستاماتيس بوليناكيس الذي قال إن إسرائيل فيها"دخلت في جنون قاتل بشكل كامل، ويستدعي تصرفها الحيواني جرائم النازية ضد ضحاياها". وقال اليوناني يورغوس كاريبيدس، في حينه،"أقرباؤنا في فلسطين يبادون بطريقة منهجية من دولة إسرائيل التي تذكرنا بمستشفى كبير للأمراض العصبية". وأعلن مشاهير في السينما الأميركية غضبهم، منهم داستن هوفمان في قوله إن البشرية أخذت في الانقراض منذ تأسست دولة إسرائيل، وأنتوني هوبكنز الذي قال إن إسرائيل تعني الحرب والدمار، وإنه يشعر بالخجل من كونه أميركياً لأن بلاده تقف خلفها. ودعت أنجيلينا جولي العالم إلى أن يكشف حقيقة إسرائيل. وقال ميل غيبسون إن الصهاينة منبع الدمار في العالم. وقد لفتت الفظاعات الإسرائيلية أنظار هؤلاء النجوم وغيرهم إلى معاناة الفلسطينيين، فقد صدم جين فوندا الوضع المأسوي عندما زارت الأراضي الفلسطينية في 2002، والتقت بأهالي مصابين وشهداء، وتجولت في مخيم قلنديا، والتقت بعائلة قتل ولديها الجيش الإسرائيلي، وألقت نظرةً من أطراف المخيم على مستوطنة قريبة، وشاركت في تظاهرة في القدس مع دعاة سلام إسرائيليين ضد الاحتلال. وتعرفت بنفسها الى معاناة مرور الأهالي الفلسطينيين عبر الحواجز العسكرية الإسرائيلية، من خلال حاجز قلنديا، ووصفت الحالة بأنها في غاية الصعوبة. ولا تغفل هنا زيارة تسعة من ألمع كتاب العالم إلى الأراضي المحتلة، بدعوة من الراحل محمود درويش، منهم الجنوب إفريقي برايتن برايتنباخ والإسباني خوان غويتسولو والحائزون على جائزة نوبل للآداب، النيجيري وول سوينكا والبرتغالي خوسيه ساراماغو والألماني غونتر غراس. ودعا ساراماغو إلى قرع الأجراس في العالم، للقول إن ما يحدث في فلسطين جرائم ضد الإنسانية تشابه جرائم النازية ويجب أن تتوقف. ورأى برايتنباخ الوضع أكثر سوءاً مما كان في جنوب إفريقيا إبان الفصل العنصري. وينتسب هؤلاء الكتاب، وغيرهم، إلى سلالة مثقفين في العالم اعتبروا القضية الفلسطينية قضيةً كونية، بتعبير الفرنسي إيتيان باليبار، وأن الأفق الإنساني فيها يجمع من يهجسون بتحرر العالم من الظلم والعسف. ولذلك، تبقى أصواتهم غير منسية، كما سرديات الفرنسي جان جينيه الذي كان شغفه بالفلسطينيين إبان الكفاح الفدائي مثالياً، وكما أشعار اليوناني يانيس ريتسوس والفرنسي يوجين جيفيلليك ومواقف الداغستاني رسول حمزاتوف والبريطاني هارولد بنتر. ساهم هؤلاء، وغيرهم، في وضع القضية الفلسطينية في مكانها الصحيح في الضمير والخطاب الثقافي العالمي. وهذا ما يواصله الكاتب الأميركي اليهودي، نعوم تشومسكي، والذي دل منع إسرائيل دخوله إلى فلسطين، لإلقاء محاضرة، على غيظها منه، إذ يشهر إداناته عسفها في منتديات وأكاديميات مهمة، كما الأميركية ناعومي كلاين، اليهودية أيضاً، في مطالبتها بمقاطعة عالمية لإسرائيل، تشبه التي طبقت على جنوب إفريقيا في الماضي، وترى أن المساندة العالمية لإسرائيل ومعاملتها كطفل مدلل يجب أن تنتهيا. وحدث أن 800 عالم وأستاذ جامعي وصحافي وكاتب في أوروبا وأميركا، في مقدمهم تشومسكي، وقعوا عريضةً في أثناء حرب غزة، طالبوا فيها بحرمان إسرائيل من المساعدات الأميركية، وقالوا إن ما ترتكبه إسرائيل يوجب إعادة النظر في علاقة الولاياتالمتحدة معها. نحتاج في الإعلام العربي وفضائياته إلى إضاءات أكثر تظهيراً للمجهود الإنساني والثقافي التضامني مع فلسطين وشعبها، لتبقى في ذاكراتنا أسماء الذين يتقاطرون لنصرة أهلها ضد الاحتلال بوسائل سلمية، ويتكتلون في تجمعات دولية، ويقاومون معوقات إسرائيليةً غير قليلة، لإيمانهم بعدالة المضمون الإنساني في مواجهة الجدار والحصار. وها هم أصدقاء لفيتوري أريغوني، من إسبانيا وأميركا وإيطاليا وبلجيكا، يعلنون بقاءهم في غزة، ووفاءهم لرسالته، وهو الذي يؤشر قتله بأيدي فلسطينيين إلى خطر ربما بات يهدد الحالة النضالية الفلسطينية، فالجريمة يلزم وصفها بالفضيحة، وتدل على انحدار مريع يهبط فيه الوضع الفلسطيني الموبوء بالانقسام المخزي، فيما الفلسطينيون يبحثون عن المناصرة. ومن الملح أن تنشط نخبهم في صوغ خطاب يؤالف بين الوظيفة الإعلامية والمهمة الحقوقية والتواصل مع العالم، ويؤكد الجوهري في القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية تحرر من آخر احتلال في الأرض، فأوساط غير قليلة في العالم يعوزنا أن تعرف الوقائع في فلسطين، فيتأكد لها تهافت الدجل الإسرائيلي والممالأة الغربية له، وكذا رداءة التحقيقات الزائفة التي لا تحاسب أحداً بشأن جرائم راح ضحيتها أجانب ناصروا فلسطين. ... جريمة قتل أريغوني أثقل وقعاً، فالذين اقترفوها فلسطينيون، ماتت، مرةً، من أجل وطنهم فدائية فرنسية، اسمها فرونسواز كيستمان، لها كتابها"الموت في سبيل فلسطين". * كاتب فلسطيني