هبّت رياح الاحتجاجات على ليبيا من مناطقها الشرقية، ومن بنغازي على وجه التحديد. فهذه المدينة هي مصرية أكثر مما هي ليبية. فلسان أبنائها هو اللهجة المصرية. وأكثر من 25 في المئة من الزوجات مصريات. وبنغازي لم تصدع يوماً بهيمنة طرابلس وبقبضة العقيد معمر القذافي العسكرية. وكانت ثورة"الضباط الأحرار"المصرية نموذجاً احتذى عليه القذافي ومجموعة من العسكر لإطاحة الملك إدريس، في 1969. واليوم، أسهمت ثورة مصر في شباط فبراير 2011 في اندلاع موجة الاحتجاجات الليبية. وعلى ما حصل في تونس ومصر، بادر شباب بنغازي الى الدعوة الى التظاهر على مواقع الانترنت و"فايسبوك". ولحق بهم شباب طرابلس. وباع بنغازي مع التمدن والتحضر طويلة. فمستوى التعليم أعلى في بنغازي من نظيره في طرابلس. ولكن القذافي سعى في معاقبة المدينة هذه، وحرمها من الاستفادة من عائدات النفط ومن المشاريع الكبيرة، وهمّشها. وقبل عقد، التحق عدد من الشباب البنغازي بالجامعات المصرية لدراسة الحقوق في القاهرة، والطب في الاسكندرية. وبدت مصر في عهد مبارك، على رغم عيوب النظام والشوائب، وكأنها جنّة مقارنة بليبيا. وعاد الشباب من دراستهم حالمين بالحرية وبمستقبل واعد. ولكن البطالة كانت في انتظارهم. والشباب هؤلاء هم من أشعلوا ثورة الأيام الفائتة. وبنغازيالمدينة البيضاء المترامية الأطراف يقطنها نحو 700 ألف نسمة. وحسابها طويل مع القذافي. ففي 1996، ارتكبت مجزرة في سجن أبو سليم قرب طرابلس راح ضحيتها 1200 سجين سياسي من الإسلاميين والليبراليين ورافعي لواء الديموقراطية أو الناصرية. وبقيت المجزرة طي الكتمان الى 2006. والقذافي حظر بعد بلوغه السلطة الأحزاب السياسية، وأنشأ لجان ثورية. وصفّى المعارضين. وسُن قانون في 1971 يحكم بالإعدام على من يعارض القذافي. وفُقد أثر عدد من المعارضين، ومنهم وزير خارجية ليبيا السابق، منصور الكيخيا. وعليه، لم يفاجأ أحد في انطلاق شرارة الاحتجاج من المحافظة الشرقية، وهذه كانت مهد حركة المعارضين الإسلاميين في التسعينات. ولكن صلة الإسلاميين بموجة الاحتجاج اليوم بالغة الضعف. والأحد، وبعد حملة قمع رهيبة توسلت الأسلحة الثقيلة أودت بحياة 233 قتيلاً بحسب"هيومن رايتس واتش"، وقعت بنغازي في يد المحتجين، وانسحبت الشرطة وانسحب الجيش منها. ولجأت طائرة"ميراج"ليبية الى مالطا، وانضم عقيد ورجاله الى صفوف المحتجين. ورفرف العلم الملكي الليبي محل علم جماهيرية القذافي فوق قصر العدل. ولحقت البيضاء وطبرق ببنغازي. وصباح الثلثاء، طلب الثوار من مصر مساعدات طبية. وانشق عن النظام عدد من السفراء الليبيين في الخارج. وصباح السبت، بدا أن طرابلس في منأى من الاحتجاجات. وقيل أن الاستخبارات الليبية حصنت العاصمة بحزام أمني."والقذافي انتهج سياسة فرق تسد. فنظامه السياسي غير مركزي، وكل مدينة مستقلة. وأجهزة الاستخبارات كثيرة، وتتنافس في ما بينها. وهو أرسى هذا النظام على أمل ألا يمتد تمرد طارئ الى بقية المناطق"، يقول صحافي مصري. ولكن الأمور لم تجر على ما اشتهى القذافي. فموجة الاضطرابات بلغت طرابلس. ويبدو أن نظامه لن يسلم من مدها. * مراسلة، عن"لو بوان"الفرنسية، 24/2/2011، إعداد منال نحاس