ليس سهلاً الحصول على معلومات حول صناديق الثروة السيادية العالمية، التي ينتهج معظمها سياسة متحفّظة في الإعلان عن استراتيجياته الاستثمارية. ومعروف أنها صناديق أو شركات تستثمر لمصلحة حكوماتها في أصول مالية مختلفة، كالأسهم والسندات العالمية والعقارات والشركات. ويُشار إلى أن عددها تضاعف في العقد الجاري، ليفوق، وفقاً للموقع الإلكتروني ل"معهد صناديق الثروة السيادية"، 50 صندوقاً حالياً، إذ برز على الساحة لاعبون أساسيون جدد كالصين وروسيا وقطر، علماً أن أعرق هذه الصناديق خليجي، وهو صندوق"الهيئة العامة للاستثمار"الكويتي الذي تأسس عام 1953 ل"إدارة صندوقي الاحتياط العام واحتياط الأجيال المقبلة نيابة عن دولة الكويت"، وتبلغ أصوله الإجمالية 202 بليون دولار، وأكبرها في حجم الأصول المدارة خليجي أيضاً، وهو"جهاز أبو ظبي للاستثمار"الإماراتي الذي تبلغ أصوله وفقاً للمعهد، 627 بليون دولار، وتأسس عام 1976. ولعبت هذه الصناديق السيادية، ولا تزال، دوراً محورياً في دعم رأس مال شركات عالمية ذات نشاطات متنوعة، خصوصاً خلال الأزمة المالية العالمية الأخيرة، ومنها مصارف وشركات سيارات وحتى شركات نووية، وكان آخر نشاطها إعلان الحكومة القطرية عن استعدادها لشراء حصة في كل من مصرفي"رويال بنك أوف إسكوتلاند"و"لويدز"، المملوكين جزئياً للحكومة البريطانية. ولمعرفة معلومات أكثر عن هذه الصناديق، أجرت"الحياة"حواراً هاتفياً مع معدّي كتاب"اقتصاد صناديق الثروة السيادية: القضايا التي تواجه واضعي السياسات"، الصادر حديثاً عن صندوق النقد الدولي في واشنطن، والمخصص لتقديم"مشورة قيّمة للدول التي تملك صناديق سيادية وتلك التي تستقطب استثمارات هذه الصناديق"، وهم المدير المساعد في قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، عدنان مزارعي، والمدير المساعد في قسم السياسات النقدية وأسواق المال في الصندوق، عديبر داس، ومستشار المساعدة التقنية في قسم السياسات النقدية وأسواق المال، هان فان - دير هورن. أفاد الخبراء الثلاثة بأن صناديق ثروة سيادية عالمية وعربية كثيرة لعبت دوراً بارزاً في تَلطيف وطأة الأزمة المالية العالمية على اقتصاداتها المحلية وتلك العالمية. ونبهوا إلى أهمية التمييز بين صناديق الاستقرار المالي والاقتصادي، التي تهدف إلى التعويض عن خلل موقت في الإيرادات المالية لدولها، وصناديق الثروة السيادية الادخارية الأخرى التي لديها أفق استثماري طويل الأمد. وأشاروا إلى أن أحد الأمثلة عن صناديق الاستقرار هو"صندوق تشيلي للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي"تأسس عام 1985 من إيرادات صادرات النحاس، ولديه أصول إجمالية بقيمة 22 بليون دولار وفقاً للمعهد، الذي ساهم في تمويل العجز المالي الحكومي المتنامي لبلاده، فيما ساهمت صناديق سيادية أخرى في دعم برامج حكومية لإنعاش النشاط الاقتصادي المحلي بعد الأزمة المالية العالمية، وبالتالي، سجلت هذه الصناديق أكبر انخفاض في حجم محافظها الاستثمارية خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة. ولجأت بعض الدول، مثل النرويج، إلى زيادة كبيرة في الإنفاق من عائدات صادراتها النفطية للتعامل مع الأزمة المالية العالمية، بحسب الخبراء، ما حدّ من التدفقات المالية إلى صندوقها السيادي المعروف باسم"صندوق التقاعد الحكومي النروجي"لديه أصول إجمالية بقيمة 512 بليون دولار وتأسس عام 1990 وقلّص نمو أصوله في شكل ملحوظ أخيراً. واتخذت بعض صناديق الثروة السيادية دوراً جديداًً أخيراً، منها تلك التابعة لإرلندا وكازاخستان والكويتوقطر وروسيا والإمارات، وفقاً للخبراء، إذ لجأت إليها دول لدعم قطاعها المصرفي المحلي، مثلما فعلت إرلندا مع صندوقها السيادي. وأمّنت بعض صناديق الثروة السيادية سيولة للنظام المصرفي العالمي عبر إيداع أموال في مصارف كبرى، في حين ساهمت أخرى في إعادة رسملة مصارف، مثل مساهمة"جهاز قطر للاستثمار"في مصرف"باركليز"البريطاني ودعم الصناديق السيادية الإماراتيةوالكويتية والسنغافورية"سيتي بنك"الأميركي، فيما ساندت في دول أخرى برامج التأمين على الودائع المصرفية المحلية، مثلما حصل في الكويتوالإمارات. واشترت بعض صناديق الثروة السيادية الأسهم المتداولة في السوق المالية المحلية، لدعم السوق وتعزيز ثقة المستثمرين في البورصة، مثلما فعلت الإمارات. وحول إمكانية وجود فروق ملحوظة في أسلوب إدارة صناديق سيادية عالمية، مقارنة بتلك العربية، قالوا:"يصعب التعميم، فأولاً، لا يؤمّن معظم الصناديق - مع استثناءات معدودة - للعامة تفاصيل عن عملياتها الاستثمارية، وثانياً، لا يمكن تصنيف الصناديق العالمية والعربية كمجموعة متجانسة". وتابعوا أن التصنيف الأنسب لها يجدر أن يكون من ناحية"تفاوت أو تقارب الأهداف، وحَول مصادر دخلها". وللتوضيح، استطردوا أن"من المعلوم أن صناديق الاستقرار الاقتصادي لديها أفق استثمار أقصر من ناحية المدة، وبالتالي، هي أكثر تحفظاً في استراتيجية الاستثمارية من صناديق الادخار الطويلة الأمد، التي تهدف إلى حفظ الثروة السيادية للأجيال المقبلة، كالصندوق النروجي أو القطري مثلاً". وحول الصندوق السيادي الأفضل أداء العام الماضي، أكد خبراء صندوق النقد"صعوبة تحديده لعدم تجانس هذه الصناديق في عملها وفي أساليب الإفصاح المالي المعتمدة لعائداتها الاستثمارية، وفقاً لأطرها القانونية والمؤسسية المعتمدة من قبلها". وتابعوا أن من بين الصناديق السيادية القليلة التي تنشر بياناتها، يمكن الإشارة إلى أن صندوق سنغافورة السيادي"تيماسيك"حقق عائداً جيداً من استثماراته في سنته المالية الماضية التي انتهت في آذار مارس 2010، وحقق إيرادات إجمالية بلغت 77 بليون دولار وأرباحاً صافية بقيمة 4.7 بليون دولار من أصول إجمالية بقيمة 285 بليون دولار، إذ كانت لديه نسبة عالية من الاستثمارات في الأسهم، استفادت من الانتعاش السريع في البورصات العالمية. وأضافوا أن شركة"استثمار"الإماراتية التابعة ل"دبي العالمية"الحكومية تصنّف كمستثمر استراتيجي ونشِط. وأوضحوا أن"الصناديق من هذه الفئة تتبع نهجاً عَملياً في توليد عائدات استثمارية، ونقصد بذلك أنها تكون ممثلة في مجلس إدارة الشركات التي تستثمر فيها ولها دور في إدارتها". وحول توقعات كتاب"اقتصاد صناديق الثروة السيادية"لتوجهات هذه الصناديق الاستثمارية في العام الحالي، لفت الخبراء مجدداً إلى أنه"لا يمكن التعميم"، لكن يمكن الإشارة إلى أن"الصندوق الإيراني للاستقرار النفطي"أصوله 23 بليون دولار وتأسس عام 1999 سيسعى على الأرجح إلى الحدّ من التقلبات في الموازنة العامة للدولة الإيرانية. أما صناديق الكويتوالإمارات، فلديها أهداف كثيرة، منها آنية تشمل تحقيق الاستقرار الاقتصادي المحلي ومنها بعيد الأمد يهدف إلى الادخار للأجيال المقبلة، في حين أن قطر لديها صندوق ادخار ذو استراتيجية طويل الأمد. وبالتالي،"ستكون لكل صندوق توزيعات استثمارية مختلفة التوجّه ومتفاوتة في آجالها". واستطردوا أن"هذه الصناديق، أسوة بالمستثمرين المؤسسين العالميين، ذات استراتيجية استثمارية للمدى الطويل، لا تكشف مُسبقاً في العادة القطاعات الاستثمارية المستهدفة من قبلها".