أطلق تبني البرلمان الفرنسي مشروع قانون يعاقب على إنكار وقوع إبادة عرقية بحق الأرمن في تركيا، خلال الحرب العالمية الأولى، ردود فعل قوية في الشارع التركي وفي الأوساط السياسية التركية حكومة ومعارضة. وأعلن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إجراءات عقابية بحق فرنسا، شملت إغلاق الاجواء والمياه التركية في وجه الطائرات والسفن الفرنسية، ووقف كل اللقاءات والاجتماعات السياسية والاقتصادية مع الجانب الفرنسي. لكن هذه الاجراءات لم ترقَ الى مطالبة بعض الأوساط التركية بمقاطعة فرنسا تجارياً بالكامل. وقال أردوغان إن مشروع القانون الفرنسي"اعتمِد على رغم كل تحذيراتنا وهو سيفتح جروحاً لا تندمل وخطرة جداً في العلاقات الثنائية". واعتبرت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة أن قرار البرلمان الفرنسي وجه ضربة قوية الى تلك العلاقات، وذلك فور مصادقة الجمعية الوطنية الفرنسية البرلمان أمس، بغالبية 50 نائباً من أصل 56 حضروا الجلسة، على مشروع القانون الذي ينص على عقوبة السجن سنة وغرامة مقدارها 45 ألف يورو، لكل من ينكر"الإبادة"التي يعترف بها القانون الفرنسي منذ 2001. وعمدت أنقرة الى سحب سفيرها في باريس تحسين برجو أوغلو للتشاور، فيما تظاهر مئات أمام مقر البرلمان الفرنسي خلال إقراره القانون، كما تواصلت التظاهرات امام السفارة الفرنسية في أنقرة. واعتبر نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينش إن القانون"يسيء أولاً إلى سمعة فرنسا التي كانت معروفة بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير"، مشيراً الى أن القانون لم يجد سوى 50 نائباً يصوّتون له من بين أكثر من 577 نائباً في البرلمان الفرنسي. ودعا نواب أكراد في البرلمان التركي الى شن حملة مضادة ضد فرنسا والتذكير ب"مجازر"ارتكبتها في الجزائر ورواندا، لكن هذه الدعوة لم تلق تأييداً من الحكومة. وحاول وزير الخارجية التركي السابق يشار ياكش العضو في حزب العدالة والتنمية، التقليل من أهمية القانون الفرنسي، مشيراً الى أنه لن يطبق الا بعد عرضه على مجلس الشيوخ، وحتى لو أقره المجلس لا مجال لتطبيقه لأنه يتعارض مع قرار البرلمان الفرنسي العام 2001 الذي اعترف خلاله بوقوع إبادة بحق الأرمن العام 1915، لكنه تعهد عدم تجريم من ينكر ذلك. وأشار ياكش الى أن في إمكان تركيا الاعتراض لدى الاتحاد الأوروبي بحجة أن القانون الجديد يتعارض مع حرية الفكر والتعبير. لكن أوساطاً تركية تخوفت من أن تحذو دول أخرى أوروبية حذو فرنسا، وان يشتد الخناق على تركيا في مسألة الاعتراف ب"إبادة"الأرمن وأن يتحول ذلك، شرطاً جديداً لقبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وأبدى رجال الاعمال الاتراك خشيتهم من أن تؤثر قرارات الحكومة التركية العقابية، في تعاملاتهم التجارية مع فرنسا والتي يتجاوز حجمها 11 بليون دولار سنوياً حجم التبادل عام 2010. وأشار خبراء اقتصاديون أتراك الى استحالة تطبيق حظر على المنتجات الفرنسية لأنه قد يضر بالاقتصاد التركي، نظراً الى وجود صناعات وشركات مشتركة. والمؤشرات توضح أن حجم التبادل الاقتصادي بين تركيا و فرنسا نما باضطراد رغم ازمة"ملف الأرمن"التي اندلعت العام 2001. وقال وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي جان ليونيتي إنه لا يأخذ بجدية"التهديدات الجوفاء"من أنقرة، داعياً الى"حوار أكثر رصانة إذ لا جدوى من إثارة الكراهية من هذا الطرف أو ذاك". وأوضح أن تركيا موقعة على التزامات دولية داخل الاتحاد الأوروبي والمنظمة العالمية للتجارة و"لا يمكنها تمييز بلد ما لاعتبارات سياسية". ورحبت أرمينيا بقرار البرلمان الفرنسي. وتؤكد يريفان أن 1.5 مليون أرمني قتلوا في"الإبادة"على أيدي القوات العثمانية، فيما ترى أنقرة ان عدد القتلى لم يتجاوز 500 ألف. وتعتبر تركيا أن المصادقة على القانون أتت لدوافع انتخابية لاسترضاء نصف مليون"أرمني فرنسي"في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نيسان أبريل المقبل، وهو ما نفته باريس.